الكتاب: طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها المؤلف: دكتور/ عبد الرشيد عبد العزيز سالم الناشر: وكالة المطبوعات الطبعة: الثالثة 1402هـ-1982م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها عبد الرشيد عبد العزيز سالم الكتاب: طرق تدريس التربية الإسلامية نماذج لإعداد دروسها المؤلف: دكتور/ عبد الرشيد عبد العزيز سالم الناشر: وكالة المطبوعات الطبعة: الثالثة 1402هـ-1982م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمات مقدمة الطبعة الثانية ... بسم الله الرحمن الرحيم "أ" مقدمة الطبعة الثانية: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله الذي اختاره من بين عباده ليحمل رسالة العلم والتعليم والإيمان للبشرية في كل عصر وعلى كل أرض، وأهله لذلك برعاية سماوية وتربية إلهية، فما نطق عن هوى، ولا تردد إلى معلم، ولا انتحل من فكر، وإنما جاءته الآيات من لدن حكيم خبير، فبلغها في أمانة لم تعرف الإنسانية لها نظيرا، وسلك بها طريقا تنحني له جباه الفلاسفة والعلماء والمفكرين عصرا بعد عصر، وتهتدي على دروبه قوافل الحياة عهدا بعد عهد، ويقف التاريخ على مشارفها عاجزا عن أن ينال منها، أو أن يلج فيها بالتغيير أو التبديل، أو المحاصرة والتقييد. وظل انطلاقها على الرغم من تهاوي القائمين عليها حقبا طويلة من الزمان، وعلى الرغم من بروز قوى من الشر عاتية حاولت ولا زالت القضاء عليها بكل أساليب المكر والدهاء. ودار الزمن دورته ليشعر الناس من جديد أن التهافت والتهاوي لم يكن في الإسلام وإنما كان في المسلمين، ولتشعر تلك القوى التي تصارعت وتضاربت وأكل بعضها بعضا وانصهرت عظام البشرية بين أنيابها في حربين عالميتين وما تبعهما من مآسي للإنسان، أن الخلاص من أوهامها وعذابها لن يكون إلا بالعودة إلى أحكام الإسلام ومبادئه التي لا مصلحة لصانعها في تغليب طبقة على طبقة ولا فرد على فرد ولا أمة على أمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 لأن هؤلاء وأولئك جميعا عباد الله، وهم سواء من حيث منشئهم ومن حيث مآلهم الأخير. لقد كان فشل كل النظريات التربوية الاقتصادية والسياسية على كثرتها في بناء إنسان يتقارب مجتمعه تقاربا يقضي على نوازع الشر فيه، ويحوله إلى مصدر إسعاد له وللآخرين، بدلا من التصارع والأنانية والشراهة والأحقاد. كان ذلك داعيا لظهور جماعات لا حصر لها في كل جوانب الأرض، رافضة لكل المباديء والقوانين بل والعادات والتقاليد التي يسير عليها الآخرون. وكثرت الانقلابات العسكرية وشبه العسكرية في كثير من الأمم، وتبعها محاولات دائبة لتغيير المناهج والأفكار والسلوك، ولكنها فشلت واعتراها الضعف والهزال ثم تهاوت واضمحلت ليأتي من جديد غيرها ليسلك نفس الدرب وليخوض من أوهام جديدة نفس الطريق. وتتشابك القضايا وتهتز النفوس وتضطرب الجماعات، وتشتعل الحروب، ولا خلاص؛ لأن الصانع إنسان، وهو مهما أوتي لن يكون إلا واحدا من بين ملايين الآحاد، لا يمكن أن ينطبق نظامه وفكره على الجميع لصالح الجميع. أما الإسلام ونظمه الاقتصادية والسياسية والتربوية فهي من وحي السماء، جاءت إلى الأرض جامعة وشاملة لكل جوانب الحياة فيها، لا يخرج عن دائرتها إنسان أو حيوان أو جماد، بل هي للجميع لصالح الجميع، لا فرق بين حاكم ومحكوم، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، شريف أو وضيع، كلهم أمام التشريع الإلهي سواء. {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} 1. ولن تحصل البشرية على أمنها وسلامها، بل ورقيها الاجتماعي والأخلاقي والنفسي إلا بالأخذ بجوانب هذا النظام الإلهي تربويا واقتصاديا وسياسيا.   1 الأنعام آية 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وترك هذه الأفانين التي ابتدعها الإنسان، إما لغايته الشخصية، أو من أجل جماعة ينسب إليها، أو وطن يستظل به أو جهل بأسس التشريع الإسلامي، أو فقر في الإيمان واختلال في العقيدة، وليس فيما أنادي به خروج على العلم وأهله، وإنما هو دعوة لهم على كل أرض ومن كل جنس ليتجهوا بما وهبهم الله من عقل وفكر إلى التحليل والموازنة والمقارنة بين النظم الإلهية الإسلامية، وبين ما هم فيه من تضاد واضطراب واختلاف في الرأي الواحد والنظرية الواحدة، ولست أشك أنهم سيجدون في رحاب الإسلام حلولا لكل القضايا التي ضاقت بها النفس الإنسانية منذ طغت عليها مادية الحياة، وابتعدت خطوات كثيرة عن روحانية الإيمان. وأول ما أدعوهم إليه، تعمق نظم التربية الإسلامية، تلك التربية التي تعنى بالإنسان "جسدا، وعقلا، وروحا" فلا تكبت رغبات الجسد فيه، ولا تحد من قدرات العقل عنده، ولا تحصره في دائرة المادة الفانية، وإنما تجعل لروحه مددا متصلا بالقوة الخفية في هذا الكون تستلهم منه النور الذي لا تراه الحواس ولا يدركه العقل ومن ينابيع تلك التربية سوف يهتدون إلى أسس العدالة والحق الذي اهتدى إليها المسلمون الأول، وأنشئوا بها مجتمعات الإخاء والتضحية والإيثار والوفاء والمحبة، والتي أصبح العالم اليوم في حاجة إليها أكثر من حاجته إلى الغذاء والكساء والمأوى؛ لأن هذه وتلك لا توفر للإنسان الأمان والاستقرار النفسي كما توفره تربية متصلة بالله تطلق الإنسان من عقاله وتدخله دائرة السلام مع نفسه وأهله وولده وجماعته. وإني لأتساءل هل في كل مواثيق حقوق الإنسان وقوانينه ومبادئه وتشاريعه ما يعدل هذا القول الإسلامي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن الله عز وجل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيتها لكم ثم أوفيكم بها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" 1 وقول الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إنما أفسد من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" وثبت أن عمر بن الخطاب جلد أحد أبنائه حين شرب الخمر، لم يمنعه عن ذلك أنه ابن أمير المؤمنين ولم يشفع له حسبه ونسبه. تلك هي مبادئ الإسلام وأحكامه التي ملكت قلوب الناس فجعلتهم ينشدون العدل والحق والسلام لكل الناس وعلى كل أرض. والتي تحرص تعاليمها التربوية على أن يكون الفرد جزءا من الجماعة والجماعة شريحة من الأمة والأمة بعض من الأمم، والكل في اتساق واحد من صنع الخالق، وإليه يرجع.   1 انظر رياض الصالحين للإمام النووي ص73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ولو استطعنا من الوجهة السيكلوجية أن نستوعب هذا النظام، وأن نجعله قاعدة لتربية الإنسان لأمكننا -كما حدث في التاريخ مرة في زمن الرسول والخلفاء الراشدين وغيرهم- أن نعيد عمليات التطبيق المتكامل لأحكام الشريعة، وأن نجعلها موضع إجلال واحترام من كل بني الإنسان؛ لأنها في حقيقتها العدالة المطلقة، لا تظلم فردا من أجل فرد، ولا تحابي إنسانا على حساب آخر، الحاكم فيها كالمحكوم، والغني فيها كالفقير والعظيم فيها كالحقير لا يفترقان إلا بالتقوى والعمل الصالح من أجل الإنسان وفي سبيل الله. وقد حاولت جهدي أن أعرض في ثنايا هذا العمل المتواضع بعضا من جوانب التربية الإسلامية، وأن أبين كيفية إيصالها إلى الأجيال المتعاقبة بأيسر طريق، وخاصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وكنت حريصا على أن أعرض بعض الأمثلة التربوية من عصر صدر الإسلام في الطبعة الأولى، ولكن ظروفا خارجة عن إرادتي لم تسعفني لتحقيق هذه الغاية، وقد تمكنت بعون الله من تحقيق ذلك في الطبعة الثانية, وإني لأرجو من الله أن يكون عملي خالصا لوجهه، وأن يقبله عنده، إنه وحده الموفق والمعين ... دكتور عبد الرشيد عبد العزيز سالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى : منذ فجر الإسلام والناس يتداولون أفكاره وآراءه، بين منصف وجاحد، مؤمن وكافر، معتدل ومتشدد. مجرد عن الأهواء ومتصنع لأجلها. وسيظل هذا الأمر قائما ما بقيت الحياة والأحياء. "ولكن الشيء الذي لم يختلف فيه الناس -أو على الأقل لم تصل حدة الخلاف فيه كغيره من تعاليم الإسلام- هو تربية الإسلام للإنسان تربية تفوق في قيمها وأهدافها كل النظريات والتعاليم التربوية التي عرفها الإنسان قبل الإسلام وبعده". وكما أن لكل حقيقة دليل عليها، فإن الدليل على هذه الحقيقة، هؤلاء النفر من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، الذي رباهم الإسلام وعلمهم الرسول فكانوا أعظم قادة، وأعلا مثلا، وأرقى خلقا، وأنضج عقولا، وأبلغ لسانا، وأسلم حجة من كل من وضع في مثل موضعهم من قادة وزعماء الأمم. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن جوهر العقيدة الإسلامية هو منبع هذا البناء الرجولي والأخلاقي والعلمي، الذي بدونها ما كانت الجزيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 العربية إلا قفرا يشرب دماء الرجال، ويرعد بأصوات الحقد والعصبية، ويمتلئ بالرذيلة والدمار. والإسلام يتميز في تربيته، أنه يأخذ الكائن البشري على طبيعته، ثم يعمد إلى تهذيب هذه الطبيعة والارتقاء بها إلى أقصى درجات السمو الإنساني، دون أن يكبت شيئا من النوازع الفطرية، أو يمزق الفرد بين الضغط الواقع عليه من هذه النوازع، وبين المثل العليا التي يرسمها له. وهو في تعاليمه ومبادئه يقترب من الإنسان في حذر. فلا يراه ملاكا مجردا من الشهوات والرغبات. ولا شيطانا ليس فيه إلا الشهوات والرغبات. وإنما هو بين بين. وفي مقدوره إن أراد أن يسمو بروحه إلى مستوى الملائكة من الطهر والنقاء، كما في مقدوره أيضا أن يصل إلى مستوى الشيطان من الفجور والشر ولكنه في حالته الطبيعية بين هذا وذاك -إنسان- مشتمل على الخير كما هو مشتمل على الشر. وذلك شيء من طبيعته وليس مفروضا عليه من خارج نفسه، لذلك تعمل التعاليم الإسلامية على إبراز جوانب الخير فيه، وجعلها في درجة أقوى من جوانب الشر لينتصر بذلك على ترابية الأرض، التي منها تنطلق كل ألوان الصراع البشري، وتأتي الأطماع والأحقاد والفتن، وتشب الحروب وتضرم النيران، وتموت الحقيقة، وتختفي بسمة الحياة تحت سياط الظالمين والجبابرة العتاة. وبين الخير والشر، والاقتراب منهما في التربية الإسلامية، نجد حرصا كاملا على إيجاد التوازن في نفس الإنسان، ليمتد ذلك منه إلى التوازن في المجتمع، وفي ربوع الدنيا بعد ذلك بقدر الطاقة، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر، أو ينفصلا، فلا يكون في الدنيا إلا ملاك أو شيطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 والتربية الإسلامية لا تنشد ذلك أبدا، ولو كان التحول كله جهة "الملاك". وإنما تسعى إلى التوفيق الدائم بين أهداف الحياة وضرورات المجتمع ونوازع الفرد، من غير أن يطغى هدف على هدف، ولا مصلحة على مصلحة، وإنما يسير الكل في توافق واتساق، يحقق -حين يتم- أقصى ما يمكن من السعادة لبني الإنسان، ويجعل الطريق بين الخالق والمخلوق ممهدا بالفكر والتصور والعمل. وقد حرصت أن أعرض في هذا الكتاب ألوانا من السلوك والأفعال التي تحقق هذا التوازن عند الإنسان. وبدأت بالطفولة لأنها مصدر الأمم، ومنبع الأجيال وحاولت أن أقترب -فيما عرضت من المبادئ والتعاليم الإسلامية- من آثارها في الطفولة وفي تلاميذ المدارس الابتدائية بالذات. ليكون ذلك هاديا لمعلمي التربية الإسلامية في هذه المدارس. وكان تناولي لطرق تدريس القرآن الكريم والعبادات يقوم على أساس من الدراسة النفسية والاجتماعية والأخلاقية والعلمية لهذه الفرائض ومصدرها الأول كتاب الله المحكم. وبينت أن تدريس هذه الأشياء يستند أول ما يستند إلى المعلم المؤمن بأهداف الذين ثم إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية تأخذ من المجتمع وتصب فيه، وضربت أمثلة على طريقة التدريس المرجوة في كل. وعلى الرغم من أن منهج معاهد التربية لم يتطرق إلى العقيدة والحديث، إلا أنني اكتمالا للفائدة ألقيت نظرة على العقائد، وخاصة العقيدة الإسلامية، وربطت بينها وبين العبادة، مبينا أثرها في فهم العبادات من الوجهة النظرية والتطبيقية وذكرت أهداف تدريس الحديث الشريف، وسقت أمثلة على كيفية تدريسه بالمرحلة الابتدائية وتناولت طرق تدريس التهذيب وما تهدف إليه، وأسلم الطرق لتحقيق سلوك أفضل عند الأبناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وكما تحرص التربية الحديثة على استخدام الوسائل المعينة في التدريس، ذكرت أهم هذه الوسائل في تدريس الدين، وأثرها في الفهم والتطبيق، جاعلا للإسماع ووسائله درجة أكبر من الاهتمام والعناية. وفي النهاية أشرت إلى القيم والاتجاهات وأهمية تركيز المعلم عليهما. ولا أتصور أنني قد بلغت ما أريد في كل ما قلت، ولكني أشعر بالرضا حيث إن هذا الكتاب يكاد يكون الأول من نوعه في المكتبة العربية والإسلامية؛ لأن كل من تعرضوا لبعض هذه الموضوعات، تعرضوا لها من زوايا أخرى، أو في ثنايا حديث لا يعرف بها ولا يدل عليها. ومن الله وحده أرجو الجزاء والأجر. وأن ينفع بهذا الجهد المتواضع كل طالب علم إنه سميع مجيب. المؤلف دكتور عبد الرشيد عبد العزيز سالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الفصل الأول: مراحل الطفولة - وتعاليم إسلامية تطور الشعور الديني عند الطفل : يمر الوليد بمرحلتين من مراحل حياته لهما أكبر الأثر في تكوينه الانفعالي والعقائدي والسلوكي، وعليهما تقوم شخصية هذا الوليد، وتتحدد اتجاهاته وقيمه الأخلاقية والاجتماعية، هما مرحلتا: الطفولة، والمراهقة. ومرحلة الطفولة تنقسم إلى قسمين كما ذكر علم نفس الطفل: الطفولة المبكرة وتبدأ من المهد حتى السادسة من العمر. والطفولة المتأخرة وتبدأ من السادسة حتى فترة المراهقة "أو حتى الثانية عشر من عمره". والذي يعنينا هنا هو مرحلة الطفولة بقسميها, حيث إنها المرحلة التي يقضي فيها الطفل جزءا كبيرا بالمدرسة الابتدائية التي هي مجال بحثنا. فإذا ما نظرنا إلى الطفولة المبكرة، وجدنا الطفل فيها يتكون من مجموعة من الميول والرغبات والعواطف، ومزودا بقدر محدود من السلوك الفطري المتصل بالأفعال الحيوية الأساسية، كما هو مزود أيضا بقدر كبير من من قابلية التعليم والقدرة على التعليم. ولكنه يكاد يكون مجردا عن التفكير المنطقي والتعليل والموازنة. لهذا فهو متروك للبيئة بأشكالها المختلفة تستغل فيه هذه الجوانب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وتمكنه من اكتساب ما يعينه لا على مجرد الحياة فقط وإنما على تحسين طرائق الحياة ووسائلها والتقدم بها إلى ما هو أفضل. وفي سنوات حياته الأولى على الرغم من قابليته للتعلم، إلا أنه ينظر إلى الأشياء بمنظاره الشخصي ويقيسها بما يتفق وعواطفه، لا بما تدل عليه من مقدمات ونتائج. وكثيرا ما يعلل المواقف والأفعال بما يتفق وإرادته، ويختار من المحيطات المتعددة والمتنوعة التي ولد فيها ما يرضي عواطفه وينطلق برغباته إلى الغاية التي تصل بين الدافع والفعل، فتمنحه الهدوء والسكينة والرضا. ولا شك أن ما يحيط بالطفل في تنوعه العقائدي، والأخلاقي والطبيعي والاجتماعي والاقتصادي والصحي وغير ذلك له تأثير كبير في عواطفه وانفعالاته ورغباته التي أشرت إليها. ومن خلالها ينتقل تصوره للأشياء الأبعد مدى في الرؤية والفهم. فإذا ما تقدم به العمرخطوات محسوبة داخل إطار اجتماعي معين أخذ يتغير ويتشكل تبعا للمحيط الذي يدور فيه. ولكن عواطفه تظل صاحبة السيادة على ميوله ورغباته وإن كانت ترتقي بعض الشيء. فبدلا من نسبة الأمور لإرادته ورغبته، ينسبها إلى الأجمل والأكمل، أو إلى والديه وهما في نظره الأجمل والأكمل. فإذا ما سئل عن الضوء أو البحر أو الشجر قال إن وجودها هكذا أجمل، وليس لقوله هذا مقدمات رتبه عليها، وإنما هو تعبير غير مباشر يتفق مع رغباته التي تريد أن يكون كل شيء في حقيقته هو الأجمل والأفضل. وغالبا ما يكون الأب بالنسبة للطفل في هذه الفترة من العمر هو البطل والعالم والقدوة الذي لا يتطرق إليه شك, ولا يخفى عليه أمر من الأمور. فإذا ما تعددت خبرة الطفل وتلونت بألوان مختلفة تتفق وما يدور في محيطه الأسري، وتعدى هو السنة الرابعة من عمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بدأت تعتريه الشكوك فيما كان يراه من أشياء، وفي قدرة الأبوين على معرفة كل شيء، وهنا يبدأ بحثه عن نفسه محاولا الاعتماد عليها، وتتكون لديه نوازع المعرفة والتحليل للأشياء ومناقشتها. وفي هذه الفترة غالبا ما تكون الأسرة حريصة على أن تعلم الطفل لغتها, وأن تنقل إليه طرائقها في مواجهة الحياة ووسائلها في الحفاظ على البقاء، وعلى مفاهيمها عن المجتمع والدين والمثل العليا وغير ذلك من ميادين الحياة, وبذلك تضع الطفل في قوالب حيوية وفكرية واجتماعية لا يستطيع الطفل مهما حاول أن يخرج عنها؛ لأنها تصبح بالنسبة له جزءا من تكوينه يشابه بناءه العضوي والعضلي، وقد يعمل البعض على تغيير هذه القوالب أو تطويرها، ولكنه يمكث زمنا طويلا في مقاومة ما استقر في وجدانه حتى يستطيع تعديله أو تطويره. وحين ينطلق الطفل خارجا عن دائرة الأسرة ليدخل في دوائر أخرى أوسع وأشمل كالشارع والمدرسة والنادي وغير ذلك من المنظمات الاجتماعية، يجد نفسه وسط مفاهيم ومثل وعادات وتقاليد أخرى يتأثر بها وينطبع بطابعها. فإذا ما اتسعت الدائرة أكثر وانتقل إلى مدينة أخرى أو إلى وطن غير وطنه ووجه بعادات وتقاليد جديدة تأثر بها أيضا، وهكذا يظل في حركته وانطلاقه يأخذ من الحياة ومن الأحياء، حتى إننا في عصرنا الحالي عصر "التلفاز" والصور المرئية من وراء الأرض "القمر" وغيره من الكواكب التي يقوم علماء الفضاء باكتشافها ودراستها. نكاد نقول إن الطفل يتأثر بما يجري في الحياة كلها من عادات ومفاهيم ومثل؛ لأنه يشاهد ذلك أو يسمعه من خلال الأجهزة العلمية الحديثة التي أصبحت الآن منتشرة في كل مكان. والتي ما إن يستطيع التمييز بين الأشياء والمقارنة بينها حتى يجدها أمامه بكل ما فيها من حسنات أو سيئات, لذلك فإن المجتمع الإسلامي والبيت المسلم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 حاجة إلى قواعد ونظم ومناهج في حياتهم الخاصة والعامة، تساعد أطفالهم على تمثل السلوك الإسلامي، وتوضح لهم من خلال التطبيق مبادئه الإنسانية العليا، ومثله في الحق والعدل والمساواة، ومبادئه في الاقتصاد والسياسة، ومفاهيمه في العقيدة والعلم والعمل، وتقدميته الدائمة التي تنشد المحبة والسعادة والتعاون والإخاء والتقارب بين كل بني البشر. يحتاج الطفل في هذه المرحلة مرحلة ما قبل المدرسة، إلى تلك الصورة الإنسانية المسلمة، حتى إذا ما انتقل إلى المدرسة ودخل في دائرة الرؤية الجديدة من العلم والعمل، كانت للمعارف ومدلولاتها جذور في أعماق نفسه تساعده على التقبل في يسر، وكان القول الإسلامي الذي سيساق إليه من القرآن والحديث والسيرة والتهذيب، ليس قولا من العدم يتراقص كلمات على صفحات الكتب. بل فعلا وتطبيقا وواقعا عاشه الطفل وشاهده بنفسه في دائرة أسرته ومجتمعه ووطنه، ومن خلال مشاهداته وما يقرع سمعه كل يوم. وحكمة الإسلام واضحة في أنه لم يكلف الطفل في هذه المرحلة أي أمر من أمور الدين؛ وذلك لأنه في دور البناء والتكوين, وعلى عاتق الأسرة والمجتمع يقع العبء الأكبر في غرس الفضائل والمبادئ والأحكام الإسلامية في نفس هذه الطفولة البريئة, وأن يجعلوا من هذه الفطرة مصدرا حيا لاستقبال تعاليم الله إلى الأرض. ويتمثلوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: $"كل طفل يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه" أي: على فطرة الإسلام. {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ، وقد حدد الفقهاء وعي الطفل ومقدرته على التفريق بين الدابة والحصان أي: بين الجنس والنوع في الأمور التي يشاهدها في بيئته. واهتمام علم النفس بهذه المرحلة، وكذلك اهتمام الإسلام بها؛ لأنها شديدة التأثير فيما بعدها. بل وتعتمد عليها اعتمادا جوهريا. حيث من اليقين أن ثقافة الطفل، وعاداته وتقاليده، ومادته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 اللغوية والفكرية، وتصوراته عن العقاب والثواب، والرحمة وغيرها. كلها تتكون في نفس الطفل نتيجة لخبراته وعواطفه الناشئة عن معاملة أبوية له، وكذلك بيئته الأسرية والخارجية التي سمحت له الظروف أن يتعامل معها في هذه الفترة من العمر، وكل كائن حي هو مثل الطفل في تفاعل دائم مع البيئة وبوساطة هذا التفاعل يمكننا تغيير أطفالنا تغييرا كليا أو جزئيا, إذا وضح الهدف لدينا واستطعنا نحن المعلمين أن نكون المجال الحيوي الإسلامي لهذا الطفل؛ ليكتسب منه سلوك وعادات الفرد المسلم الذي ننشده ونعمل على تعريفه به في مناهج التربية الإسلامية، أما إذا كان مجال الطفل الذي يعيش فيه في البيت والمدرسة غير ما نعلمه إياه فإن تعديل سلوكه واتجاهاته نحو المثل الإسلامية سوف يصطدم بحواجز, من الصعب أن يتخطاها معلم مهما بلغ من الذكاء والعبقرية؛ لأن كل معلم إنما يبدأ عمله التربوي مع الطفل من الثقافة الأسرية التي حصل عليها. من محبته لوالديه، إلى التفكير في من خلقهما ورزقهما. من فكرة العقوبة على فعل ارتكبه فأغضب والديه، إلى تصور العقوبة الإلهية لمن يخالف أوامره. ومن تمثل رحمة الأبوين، لإدراك رحمة الله يحمل الطفل هذه المعاني بين مدركاته في الطفولة, وإن كان لا يستطيع التعبير عنها. فإذا ما تلقاه المعلم بما يغذي هذه الجوانب فيه، وجد أساسا يدفعه للاستجابة؛ لأنه عقيدته في الأشياء عاطفية، وقد سيطرت عليه في مرحلة ما قبل التعلم عواطف الإعجاب والمحبة والخوف من الكبار، وتحويل هذه العواطف نحو الله يلقى الاستجابة والتأثر؛ لأن فكرة الخالق عند الطفل تفوق في جانبها العاطفي كل ما عرفه من أنواع العظمة والتقدير والمحبة والخوف. لذلك فإن غرس التعاليم الإسلامية في نفوس الأطفال ودعوتهم إلى العمل بها عملية يشترك فيها البيت والمدرسة بقدر متساو من الهمة والإخلاص. وحين يصل الطفل إلى المرحلة الثانية من طفولته "السادسة من عمره" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وهي مرحلة قبوله بالتعليم الابتدائي، نرى أن هذا الطفل في حاجة إلى من يعينه على أن يحيا حياة إنسانية كريمة بمعناها المادي والروحي, الفردي والاجتماعي القومي والإنساني؛ لأنه خرج من دائرة البيت إلى عالم آخر يختلف في تكوينه ومدركاته عما ألفه من فترة طفولته الأولى، ومعاونته على التكيف معه، إذا بدأت من منطلق إسلامي استطعنا أن نعمل على تكييف الإنسانية، وتطورها من خلال هذا الفرد الإنساني، إن الإسلام دين الإنسانية، ومبادؤه وأحكامه إنسانية، والتكيف معها يخلق مجتمعات مهما تباعدت إنسانية المنهج والسلوك, والطفل في هذه المرحلة يقوم إدراكه على الملموسات ويعتريه الشك فيما لا يراه لذلك يجب على المعلم أن يكون متفهما لمكونات نفس الطفل، وأن يتدرج معه في الأمور الدينية من الملموس إلى الغيبي، وأن يحاول الوصول إلى إقناعه بما يعرضه عليه متخذا لذلك الوسائل التي تربط بين عواطفه السابقة والأفكار الجديدة التي تعرض عليه؛ لأن النفس الإنسانية كل لا تتجزأ والتربية عملية شاملة تتناول الإنسان جسده ونفسه، عقله وعاطفته، سلوكه وشخصيته، مواقفه ومفاهيمه، مثله وطريقة حياته وطرائق تفكيره. والدين يشمل كل هذه الجوانب فإذا ربطناها بالطفل وربطناه بها استطعنا أن نجعل مفهوم الدين لديه ليس عملا تقليديا عن الأباء والأجداد، وليس عملا غيبيا يتوهمه الإنسان ولا يجد أثره أو يعيش فيه. وهذه أول واجبات معلم التربية الإسلامية منذ اللحظة الأولى التي يلتقي فيها مع تلاميذه لأول مرة. وبهذه الطريقة سنجد أن عقيدة الطفل الدينية تزداد قوة وتطورا نحو المعقولية كما هي طبيعة هذه المرحلة من حياته. ويجب على المعلم أيضا أن يعرف أن الطريقة التي يتعلم بها الطفل قيمه تترسب في ذاته، وتؤثر تأثيرا عميقا في تقبله لهذه القيم أو رفضها. فطريقة المعلم وأسلوبه ورفقه بالأطفال وقربه منهم في دروس الدين خاصة، قد يدفع بنمو الذات لديهم إلى مستويات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أعلى في الأداء الديني فهما وسلوكان وقد يؤدي بالعكس إلى الجحود والتمرد على هذه القيم فهما وسلوكا أيضا، لذلك اهتمت معاهد التربية بدراسات علم النفس وأصول التربية لطلابها حتى يتمكنوا من فهم مراحل نمو الطفل وعواطفه وانفعالاته، ليتجنبوا مثل هذا الموقف الذي يعطي مردودا معاكسا لما تهدف إليه التربية، والشعور الديني عند الطفل يتطور بتطور خبرته ومفاهيمه عن الحياة والأحياء فإذا كان الطفل قبل السابعة لا يجد التعليل المنطقي لعملية "الموت" فإنه في هذه السن يدرك أن الموت شيء يقع على الرغم من الإنسان وعلى الرغم من كل ما حوله من أهل وأطباء ومال وصحبة، ومن هذا الإدراك يلتقط الدليل الذي ينقض الأساس الذي كان يبني عليه تصوراته للأمور بالعاطفة والرغبة. ويبدأ في معرفة أنه ليس مطلق الذات والرغبات، وأن هناك قوى خفية تفوق سلطانه وقدرة من يعرف من البشر. وعلى المربي أن يتدرج مع الطفل في بيان فكرة الموت وما يسبقه من مقدمات المرض والضعف وكبر السن، وأن يسوق له الأمثلة التي توضح ذلك من تكوين الثمار ثم نضجها وفي النهاية قطفها أو سقوطها. ويبين حكمة الله من ذلك في تداول الحياة والأحياء، كما يجب عليه أن يساعده في فهم الظواهر الكونية ودور القدرة الإلهية فيها خلقا وتنظيما وتصريفا، كالسحاب المسخر بين السماء والأرض وسقوط المطر منه، وسير الرياح، وتناوب فصول السنة وحركة النجوم والأفلاك وأثرها في الأرض، ونحن نعلم أن الطفل يتلقى بعض المعلومات عن هذه الظواهر ويتدرج فيها بتدرج عمره وسنوات دراسته. فإذا بين له معلم الدين أن هذه الظواهر ترجع إلى إرادة حكيمة مديرة تصرفها كيف تشاء، ساعده بذلك على تفهم جوانب من القدرة الإلهية، وأعانه على الربط بين التقارير العلمية والأحكام الدينية؛ لأن الطفل إذا تعلم أن الشمس هي التي تبخر الماء، والرياح هي التي تسوق البخار، ونزول درجة الحرارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 هو الذي يكثف ذرات الماء فتهطل مطرا تصور سيطرة الطبيعة على نفسها، فإذا ما استطاع المعلم أن يبين له أن الشمس وحدها لا تعمل وأن الماء أصلا له خالق، وأن حركة الرياح لها سلطان يصرفها, ومن هذا كله يأتي المطر بأمر وحكمة، قضى على الازدواجية بين العلم والدين وأرجع كل شيء إلى أصله ومصدره. ومن هنا كانت مهمة معلم الدين مهمة صعبة. وقدرته العلمية والدينية يجب أن تكون فوق مستوى ما نراه ونعرفه من معلمي هذا العصر الذي نحن فيه. وإذا كنا نريد نجاح التربية الإسلامية فعلا في مدارسنا ومجتمعاتنا، فعلينا أن نشمل معلمها برعاية خاصة وعناية فائقة في إعداده إعدادا إكاديميا يقوم على البحث والتقصي في كل جوانب الدين, فكرا وعقيدة وفلسفة ومنهجا وتطبيقا, واذا أراد هو أن يؤدي رسالته بصورة ترضي الله والناس فعليه أن يكون قادرا على إقناع تلاميذه في مثل هذه المواقف, وأن يتبع معهم وسائل القرآن في الإقناع. فيبدأ بالملموس ويتدرج منه إلى المتصور ليصل في النهاية إلى المعقول. ولا يترك تلاميذه عند نقطة عقائدية إلا بعد أن يقنعهم بهذه الطريقة حتى لا تكون مسائل العقيدة في نظرهم مجرد طلاسم لا فكر فيها ولا حل لها ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الطفل وعملية الميلاد والخلق : كل طفل ما إن يصل إلى مرحلة الإدراك حتى يبدأ في التساؤل. من أين ولدت؟ وفي أي مكان كنت؟ وكيف سرت وتكلمت وغير ذلك من الأسئلة التي يبدأها طفل في الثانية من عمره وتظل معه حتى السابعة أو الثامنة تقريبا، وكل ما يسمعه من إجابات عنها لا تقنعه, وإن كان يظهر رضاه عنها في وقتها؛ لأنه لا يملك تعليلا غير ذلك، وبعض الأطفال في سن الخامسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 يعتقد أن الله أوجده في بطن أمه من مجموع الغذاء الذي تتناوله، وبعضهم يتصور أنه وجد هكذا كما هو بشكله وحجمه. وأن أمه ولدت أباه كما ولدته فإذا ما وصل إلى السابعة من عمره راح يفكر إلى ما هو أبعد من ذاته وذات أبيه، فيسأل عن الإنسان الأول كيف ولد وكيف وهو فرد واحد امتلأت الدنيا هكذا؟ وهنا يبدأ تلمس الطريق نحو معرفة الخالق والبحث عنه. لذلك كانت المرحلة الابتدائية هامة في تكوين العقيدة على أسس صحيحة. وفي الإجابة على كل التساؤلات التي أرقت هذا الطفل منذ أدرك حتى جاء إلى المدرسة فإذا كان معلم التربية الإسلامية على درجة من العلم والكفاءة استطاع أن يجيب على كل هذه التساؤلات، وإن يربطها بالجوانب الفكرية والمنطقية في العقيدة الإسلامية. التي توضح أن الكون كله خلق من فيض الله. وأن ذات الله تعالى هي التي أوجدت هذا الكون كما يشهد على ذلك كل شيء في الوجود. بدءا من الحشرة الصغيرة إلى الجبل الكبير. إلى السماء والأفلاك والهواء والفضاء. كل شيء بمقدار. وكل حركة بحساب ولا يكون ذلك إلا من صنع خالق حكيم قادر. وكل هذه الدلائل تقودنا إلى التسليم لهذا الخالق، تسليما فرضته علينا قوى الطبيعة القاهرة وقبله العقل والمنطق؛ لأنه يتفق مع الحقائق التي نشاهدها وتمر بنا أحداثها في كل يوم. وإذا كانت العملية التعليمية تعنى أول ما تعنى بخلق الملكات، والعمل على اتساعها وتنميتها، فإن الطفل معرض بناء على ذلك، إلى تصعيد أفكاره وتساؤلاته. لنراه في وقت من الأوقات يطلب لكل معلول علة، ويحاول تطبيق ذلك بالنسبة للذات الإلهية، والإجابة عن هذه الأشياء بالنسبة للأطفال يعد أمرا حيويا يتصل بالتوافق بين الدين والحياة، وبين الأوامر الإلهية والفكر الإنساني الذي يطرق على التلميذ بابه في كل لحظة، ولكي تكون الإجابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 سليمة ومقنعة يجب أن تنال الطفل من ناحيتيه النفسية والعقلية، وفي الناحية النفسية سنجد الأمر سهلا، إذ بيان عجز الطفل عن خلق حشرة أو زرع عضو أو إعادة الحياة لميت، وربط ذلك بأمثلة تبين عجز من هم أعظم منه وأكبر، كوالديه ورؤساء الدول وقادة الجيوش والعلماء والحكماء. عجزهم عن رد الموت عنهم، أو مقاومة المرض، ومنع العواصف والزلازل وغير ذلك مما هو مدار عجز الإنسان، كل هذا سوف يريح الطفل نفسيا. وهنا ننقله إلى الجانب العقلي الذي به يتضح له الكمال الإلهي في قدرته وعظمته وحكمته. تلك القدرة والعظمة والحكمة التي تقتضي ألا يكون هناك رب سواه. والتي تدعونا إلى التفكر في مخلوقاته الهائلة حتى لا نناقض أنفسنا ونتساءل عمن أوجد الله. إذ لو احتاج الله إلى من يوجده لكان ضعيفا مثلنا، ولكان هذا الكون فاسدا على غير نظام، يعتريه المرض ويحكمه الضعف، وتتداخل أشكاله وألوانه، فلا يكون على ما هو عليه من تناسق بديعة ومعجز. وبسكون النفس واطمئنان العقل يتبين الطفل أن مثل هذا التساؤل مناف للإيمان بالله عز وجل وبكماله وقدرته التي نلمسها في كل شيء. ومعلم التربية الإسلامية يستطيع أن يلمس هذا الجانب في كل درس من دروس الدين. وأن يجيب عن هذه الأسئلة قبل أن تصبح مركز ثقل عن نفسية التلميذ ومدركاته. وكلما كان المعلم دقيقا وواضحا، كان تقبل التلاميذ لهذه النتائج سهلا وميسورا. ولا أكون مغاليا إذا قلت أن رسوخ العقيدة أو اضطرابها إنما يتكون في هذه الفترة من المرحلة الابتدائية. وأن دور المعلم فيها أكبر من دور الأسرة والمجتمع وأنه بسلوكه ومنطقه واعتداله يظل يلاحق تلاميذه حتى بعد فترة المراهقة. وليس معنى هذا، إلغاء دور الأسرة والمجتمع. وإنما هو بيان لمراكز التأثير في ترتيبها وأولويتها. فالمدرسة ومعلم التربية الإسلامية أولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ثم يأتي دور الأسرة مساعدا وموضحا. وتكتمل الحلقة بالمجتمع وما فيه من مؤثرات وعبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الطفولة والخير والشر : يظل الطفل -في مرحلة الطفولة الأولى- يتصور أن الخير هو ما حقق له رغباته وأن الشر هو ما يقاومها أو يقف في طريقها. حتى إذا ما انتقل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة -أي: دخل في السابعة من عمره- بدأ يسأل عن الحسن والقبيح ويتعرف من خلال تجاربه على لون كل منهما. فهذا حسن لأنه يرضي والديه وأخوته وأصدقائه، وهذا قبيح لأنه يغضبهم. ويظل هذا الانطباع لديه، حتى يتعرف على مسائل الدين والخلق، فينتقل بفكره إلى إدراك أن الخير هو ما يتفق وأوامر الله، وأن الشر ما يخالف ذلك. حتى إذا ما وصل إلى التاسعة من عمره، وتقدم به التعليم بعض الشيء، واتسعت خبرته بالواقع، وتعقدت صلاته الاجتماعية، ارتقى حسه ونمى إدراكه وفكره فأصبح يرى الخير في أمور كثيرة لا يفعلها الناس، والشر في أمور أكثر يرتكبها الناس. وبذلك يحس بدافعية تسوقه إلى الله، وإلى حبه والاهتمام بتعاليمه؛ لأنه سبحانه هو وحده الذي يمكن أن يحقق له العدل والإنصاف. ويقاوم الظلم، ويدفع الشر عنه. وفي هذه الفترة تبدو أهمية معلم التربية الإسلامية، إذ يستطيع أن يستغل هذا التطور الطبيعي في الطفل، فيعمل على تقوية عقيدته بالله، تلك العقيدة التي سيرى فيها الطفل خير عون له على تقبل ما يتعرض له من آلام الواقع وصراعات الحياة. والتي سوف تمسح عنه الكثير من صنوف الحرمان والوهم والخوف، وتعمل على تقوية شخصيته واستعدادها للتضحية والفداء ومعاونة الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وهكذا يصبح فعل الخير له مدلول عند الطفل، وامتناعه عن الشر يصبح أشبه بالقربان يقربه إلى الله لينال عفوه ورضاه ومحبته. وصلاة الطفل في هذا العمر لها أثر عميق في نفسه؛ لأنها منه تخرج خاشعة لا يدخل فيها رياء أو نفاق أو غفلة، ويكون ارتباطه فيها بربه أقوى مما كان عليه في أي وقت مضى؛ لأنه أدرك معنى التوسل إلى الله، واتضح له صوت الحق في عظمته وسلطانه، ودعاه خوفه منه إلى التوسل إليه أن يعينه على نوازع الشر في نفسه، وأن يهديه إلى طريق الخير والإيمان، ولهذا كان أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع وأن نضربهم عليها لعشر "أي: إذا لم يصلوا حتى العاشرة". ومتابعة الأطفال في الصلاة وخاصة بالمدرسة أمر يجعل من التربية الإسلامية حقيقة واقعة؛ لأن الطفل حساس إذا وجد القول يخالف الفعل اهتزت لديه كثير من القيم. فإذا علمناه الصلاة وفضائلها، وتركنا نحن الصلاة، أو تركناه بلا دافع يدفعه إليها، فكأننا بذلك، نقول له تعلم النفاق والكذب. وكل تعاليم الإسلام كذلك. تحتاج منا إلى متابعة وتهيئة الجو الذي يشعر فيه التلاميذ بحقيقة هذه التعاليم وفضلها على غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الطفولة المتأخرة والروحانية : يتحول الطفل في العاشرة من عمرة إلى طاقة روحانية مستعدة لتقبل الأوامر الإلهية والامتثال لها أكثر من أي فترة أخرى في حياته الماضية والمستقبلة. ويتجه بفكره إلى الله مدركا جوانب التنزيه والوحدانية والقدرة لديه. ومتقبلا لهذه الصفات تقبلا نفسيا يشعر معه بالراحة والرضا والاطمئنان. ويرجع ذلك إلى رقي فكره، وتنوع خبرته، واتساع مدركاته، واحتكاكه مع مظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الطبيعة الدالة على خالقها ومبدعها. وقدرته في هذه المرحلة على التأمل والتخيل، مما يساعده على تصور عظمة الذات الإليهة وعدم القدرة على رؤيتها أو تشبيهها بشيء، وهو في تمثله لهذه الأشياء يتفق مع فطرته، ومع طبيعة المخلوقات التي هي مساقة دائما إلى الامتثال والخضوع للقوة العليا, المسيطرة على هذا الكون, والطفل في هذا العمر أرقى المخلوقات وأنقاها روحيا وجسديا، حيث هو بعيد عن الأدناس لم تدخله بعد عوامل الحقد والحسد والطمع. ولم تسيطر عليه الشهوات والأهواء، لذلك نراه إذا ما وجه الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير اندفع إليهما في تعلق وشوق. ودور التربية الدينية في هذه الفترة يقوم على تعليل الأشياء له تعليلا مقبولا، وربط الأمور الغيبية بالواقع المشاهد في حياته التعليمية والعملية. وكلما كان معلم التربية الإسلامية واعيا لأهدافها, متمثلا لمواقف الحق والجمال فيها. كانت قدرته على تثبيت تلك الأهداف وتمثله لتلك المواقف في نفوس التلاميذ أدق وأنفع. فالمعلم الذي يبين أن الله شديد العقاب، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وينسى أن الله غفور رحيم، ويقبل التوبة من عباده، ويجب التائبين ويتقرب إليهم، هو معلم آلي. ما إن تخرج المعلومات منه حتى تصطدم بجدران الصف الذي يقف فيه، لا تتعداه إلى فكر التلاميذ وسلوكهم واتجاهاتهم. لذلك أدعو إلى أن يكون معلم الدين متخصصا ومختارا بطريقة دقيقة وواعية، وأن يجري تدريبه دائما على تحسين مواقفه والارتقاء بها في دروس الدين، والعمل على إيجاد المجالات له ليتصل بتلاميذه وبيئاتهم ومجتمعاتهم الأسرية. وقد عرف المربون المسلمون قديما أن لدى الطفل ميلا طبيعيا لحب الثناء والظهور، فمدحوه على ما يبدو منه من قول حسن أو فعل جميل، وشجعوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بكل الوسائل على الاستمرار في المحافظة على مكانته لديهم، وعلى الاجتهاد الدائم في إصلاح نفسه، ولم يكثروا من لومه وتوبيخه حين يظهر حبه لنفسه أو رغبته في شيء؛ لأن الإكثار من التأنيب يميت قلب الطفل، وكلمة صغيرة من المدح والثناء تصلحه وتهذبه، وتقوم خلقه؛ لأنه يميل لذلك بفطرته ويكوه اللوم والتجريح وإساءة الظن به. ومعلم التربية الإسلامية يجب أن يلاحظ ذلك. وأن يتخذ من دروس الدين وسيلة لتحقيق ما يريده من العادات الحسنة لدى الأطفال، وتهذيب أخلاقهم، وتعويدهم فعل الخير واجتناب الشر. وأن يعمل جاهدا على أن يكون المثل والقدوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الدين وإشباع الحاجات : للطفل في مراحل نموه المختلفة حاجات نفسية متعددة، ومن أهم وظائف التربية العمل على تلبية هذه الحاجات، بالطرق والوسائل التي تحقق له الأمن والاستقرار، وتساعده على تقبل مجتمعه الذي يعيش فيه، وتيسر له ما يراه من مظاهر الطبيعة التي تحيط به. وطفل السادسة القادم إلى المدرسة الابتدائية، طاقاته واستعداداته منطلقة لتقبل كل جديد، إنه في عمر توسعي مستعد لعمل أي شيء، شهيته للخبرات الجديدة عظيمة. ولكنها تقوده إلى الرغبة في كل شيء. وتجعل من الصعب عليه أن يختار بين بديلين؛ لأنه يريد الاثنين معا، كما أنه لا يتقبل النقد أو اللوم أو العقاب، إنه يريد أن يكون على صواب دائما. وهو بحاجة إلى المديح والربح والغلبة. وهو من الصلابة وعدم القدرة على التكيف في علاقاته مع الأخرين بنفس المقدار الذي كان عليه حين كان عمره سنتين ونصف. ويرى أن الأشياء يجب أن تؤدى على طريقته، وعلى الآخرين أن يخضعوا له. إذا ما ربح فكل شيء طيب. أما إذا ربح الأخرون فإنه يبكي ويتهم الآخرين بالغش. يصبح عطوفا وحماسيا إذا سارت الأمور على ما يتمنى وينفجر ويبكي ويثور إذا سارت على غير ذلك1. إن الطفل في هذا السن   1 انظر سلوك الطفل ص69 وما بعدها "لفرانسيس لـ: ابلغ. ولويزب، أيمز" ترجمة فاخر عاقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 يمر بوقت عصيب في داخل نفسه وفي علاقاته مع الآخرين. لذلك علينا أن نلجأ في تعديل هذا السلوك إلى الدين. وأن نشبع حاجة الطفل عن طريق القيم الروحية التي لها في نفسيته أكبر الأثر، وأن نعتمد في ذلك على الوسائل والطرق التي توضح للطفل أن الإسلام ما جاء إلا تلبية لحاجات الإنسان وتنظيم حياته النفسية والاجتماعية. وأن هناك قوة عليا تساعده في كل ما يقول ويعمل. وأن هذه القوة هي التي تحقق له الأمن والاستقرار. ولا يرضيها تصرف قبيح أو فعل شائن. ونبين له أن علاقة المحبة بين الناس، تنقل الإنسان إلى علاقة من المحبة بينه وبين الله. إذا استطعنا أن نبين للطفل هذه الأشياء بطريقة محببة إليه، وبأسلوب سهل مشوق أمكننا من خلال ذلك أن نعدل سلوكه، وأن نشبع حاجاته. والإنسان بطبيعته ككائن حي يعمل جاهدا ليحقق الأمن لنفسه، بالمسكن والغذاء والكساء. ولكنه على الرغم من توصله لتحقيق ذلك في حالات كثيرة يظل يشعر بالخوف والرهبة أمام حوادث الطبيعة ومشكلاتها الكبرى، من عواصف وزلازل وبراكين ومخلوقات غريبة, يعمل العلم جاهدا على مقاوماتها، كحشرات الأمراض وميكروباتها. وآفات الزراعة وأنواعها المتعددة. والطفل أمام هذه الأشياء تنفذ إلى ذهنه أسئلة ملحة تبين حاجته إلى معرفة هذه الأشياء والتعرف على مصادرها ليشعر بالاستقرار والأمن. فهذه الغيوم من أين تأتي وإلى أين تسير، ومن صنعها, وهل تحرق من يخترقها أو يمر فيها. والجبال كيف بنيت ومن أوجدها ولماذا. والعواصف والأمطار والأنهار والبحار والنجوم وغير ذلك. كلها موضع تساؤل لدى الطفل. والإسلام يجيب عن كل هذه الأسئلة إجابة عامة تريح الطفل وتنقله من عالم التساؤل إلى عالم التدبر. {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ،} . {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ،} . وبعد هذه الإجابات العامة يترك الإسلام التفاصيل لمواقف محددة وسن معين، ينطلق فيه الإنسان ليحقق ويجرب ويقارن. وبهذا يطمئن الطفل على نفسه إزاء هذه الظواهر والكائنات. ويجد لديه الشجاعة ليخوض الحياة بلا خوف ولا عقد. وفي الوقت نفسه يدرك أن خالق هذه الكائنات هو خالقنا. وأنه خلقها ليستخدم الإنسان معظمها، ويتلقى شر بعضها امتحانا وابتلاء، ليكون ذلك حافزا له على التفكر والحذر والجد. واستخدام العلم بكل أبعاده ومكوناته ليدفع عن نفسه خطرها. وليكون سيدها كما أراد الله له ذلك {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} . وكما أن الطفل في حاجة إلى الأمن والاستقرار. فهو في حاجة إلى المحبة والرضا. كل طفل في جميع مراحل نموه يشعر بالحاجة إلى الحب والارتواء منه، ونراه في مراحل طفولته الأولى "قبل التعلم" شديد التعلق بأبيه وأمه. كما نجد أن ثدي أمه يمثل في نظره قمة الحب والتعاطف. فيلجأ إليه كلما غضب أو اعتراه ضيق أو خوف. وعندما يدخل مرحلة الطفولة المتأخرة "مرحلة التعلم" ويبتعد عن الثدي وربما عن أحضان أمه تشتد حاجته إلى الحب، ويصبح في حاجة إلى أن يحب ويحب. والدين برحمته وتعاطفه وفطرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وتعاليمه. هو أكبر الأشياء لإرواء هذه الرغبة عند الطفل؛ لأن التربية الدينية تشعره بأنه أخ وصديق لكل هؤلاء الذين يشاركونه في العقيدة. وأن الله تعالى يرفعه ويجزل له العطاء ويحبه ويقربه كلما أوغل في هذه الأخوة وتعمق فيها. ويدعوه الدين إلى أن يعاشر الناس والزملاء والأصدقاء معاشرة قوامها الإخلاص والتعاون والمحبة. فهو في ظل الدين يجد الطمأنينة كلما قرأ كلام الله أو قام بالعبادات، كما يشعر بالحب الإلهي الذي لا يعدله حب أو رضا. وتشتد الرابطة الأخوية بين المؤمنين كلما اتجهوا إلى الله فيزداد الحب الخالص بينهم ويذهب عن النفوس حقدها وحسدها فتحب وتحب من الله ولله. الطفل والمكافأة والتقدير: يحاول كل طفل أن يسترعي انتباه الآخرين، وأن يجذب الأنظار والقلوب نحوه، وغايته من ذلك الحصول على تقديرهم ومكافأتهم. فإذا لم يجد استجابة تمرد، وربما أدى ذلك إلى الشذوذ وارتكاب بعض الأشياء التي تضره أو تضر الآخرين. والتربية الدينية خير وسيلة لإرواء هذه الحاجة. ودفعها إلى الاتجاه الصحيح الذي يحقق الخير للطفل ولمجتمعه الذي يعيش فيه. والإسلام يهتم بالطفل اهتماما كبيرا. ويحث الأباء والمعلمين على معاملته معاملة راقية تتصل بأبعاده النفسية والجسدية والخلقية والاجتماعية. وأن يقوم إرشاده على عوامل من المحبة والصداقة والتعاون. وفي تعليم الأطفال للصلاة وحثهم عليها بين السابعة والعاشرة، نداء لهم ليتعرفوا على الله تعالى ويتقربوا إليه بصالح الأعمال كالكبار تماما. وهم في الصلاة يقفون مع الكبار ويفعلون فعلهم، وفي ذلك تعظيم لهم وتقدير لقيمتهم. ويروى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة، كلف طفلا يؤم المسلمين من أهل المدينة في الصلاة؛ وذلك لأنه كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 أقرأهم لكتاب الله. فاشترى له المسلمون ثوبا يصلي فيه. قال: "فما فرحت بشيء، فرحي بذلك الثوب". فإن كان ذلك فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم، فإننا نحن المعلمين يجب أن ندرك أبعاد هذا الموقف، وأن نتعلم كيف نشعر الطفل بمكانته ومنزلته عند الله تعالى، حين يطيعه ويؤدي الفرائض، ويتقرب إليه بالسلوك الحسن، والقول الطيب. وبهذا نصعد حاجته إلى التقدير، ونجعلها تروى باستمرار من معين لا ينضب. والطفل لا يحتاج في ذلك إلا إلى التذكير في جو من الإيمان والخشوع, وأن يلمس في روح معلمه الحماس والثقة بالنفس والإخلاص والمحبة, وبهذا نتمكن من إشباع حاجة التقدير إليه، ونجعله يزداد إيمانا وإقبالا على الله سبحانه. وأحب أن أوضح هنا أن الإسلام بآرائه وتعاليمه لا يعمل على إقناع الفكر وإثارة الانفعالات الوجدانية فحسب، وإنما يعمد إلى التطبيق الذي يبرز العقيدة، ويبين الترابط بين جانبي الإيمان النظري والعملي، لذلك فإن دور معلم التربية الإسلامية يعد دقيقا من هذه الناحية، ومن ناحية شخصيته وأقواله وأفعاله. حتى لا يجد الأطفال أنفسهم أمام تضاد، يجعلهم يؤمنون بعقيدة نظرية ليس فيها المكانة الاجتماعية والواقعية. وبذلك تضعف هممهم وتهن عزائمهم ويشعرون بالخيبة. بل ويتعلمون النفاق والكذب؛ لأنهم يعتنقون عقيدة ذات جانب عملي كبير، ويتعلمون أصولها وأبعادها في النفس والروح والخلق. ولكنهم يرون من يعلمونهم إياها لا يطبقون من تعاليمها شيئا. وهم إن غفروا للبيت والشارع تقصيره في أمور الدين، فإنهم لم ولن يغفروا للمعلم أو للمدرسة هذا التقصير. وبناء عليه فإن منهج التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية بالذات. يجب أن يكون تطبيقا أكثر منه نظريا. وأن يقوم بتدريسه جماعة يمتازون بالعلم والعمل وحسن الخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الطفل بين البيت والمدرسة في البيت ... الطفل بين البيت والمدرسة: أ- في البيت: تعد الأسرة عبر عصور التاريخ القديمة والحديثة مؤسسة تربوية، تتعهد الطفل جسدا ونفسا، علما وعملا. فهي ترعاه وتسهر عليه جسديا، وتحميه وتصونه نفسيا وتعلمه طرائقها في الحياة، وتنقل إليه خبرتها ومعارفها ومهارتها. وقديما كان الطفل يرث مهنة الأب، وتكفي الأسرة ذاتها بذاتها، ويعرف كل فرد فيها مهمة منوطة به في نظام اجتماعي دقيق، ينحدر من شيخ القبيلة حتى يصل إلى الأب والبيت الذي يسيطر سيطرة تامة على الطفل، ولا ينازعه منازع في ذلك إلا العشيرة أو القبيلة فيما بعد. وتتولى هذه الجماعة الأسرية أيضا الناحية الروحية الدينية. ومن هنا كانت أهمية الأسرة من الوجهة التربوية بالغة حيث لا ينازعها منازع ولا يتحكم في أمور الطفل سواها إلا بعض التقاليد القبلية السائدة. وحين استقر الإنسان وزرع الأرض وبنى القرى والمدن، وتطورت المجتمعات المدنية إلى ما هي عليه اليوم، تغير الحال، وتغيرت تبعا لذلك وظائف الأسرة التربوية. فتخلت عن الكثير من وظائفها وأعمالها وواجباتها لمؤسسات أخرى كالمدرسة والمسجد والنادي والمسرح والسينما ومنظمات الشباب وغير ذلك من المؤسسات، حتى لقد تساءل علماء التربية عما إذا كانت أهمية الأسرة قد تضاءلت من وجهة تربوية أم إنه بقي لها من الأهمية الشيء الكثير؟ ونحن نرى أن وظائف الأسرة التربوية ما زالت قائمة، وإن كانت قد تخلت عن الكثير من الوظائف بسبب انشغال الأب والأم بأمور الحياة التي أصبحت تفرضها عليهما مسئوليات العصر الحديث, ولاعتمادها أيضا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 دور الحضانة ورياض الأطفال، التي دعت ظروف عمل الأب والأم ترك أولادهم فيها أكبر فترة من فترات الطفولة المبكرة. ولكننا مع هذا نلاحظ اهتمام الأسر بأطفالهم أكثر مما كانوا يفعلون في الماضي. وأن الطفل لم يعد كما كان مهملا لا يشعر الأبوان به إلا عندما يريدان توفير الطعام والشراب والكساء له. وإنما أصبح عنصرا هاما من عناصر الأسرة، وصارت الأمهات والأباء يعنون عناية شديدة بتعليم الأولاد وتربيتهم. وفي البلاد المتقدمة أصبحت الأبوة والأمومة علماء وفنا يتعلمهما الأباء والأمهات في المدرسة وفي المؤسسات المختصة. وازداد التعاون نتيجة لذلك بين البيت والمدرسة. وصارت المدرسة في الدول المتقدمة تدار من قبل أولياء أمور الطلاب. وبلغ التعاون بين الأهل والمعلمين مبلغا أصبح معه الأهل كلمة مسموعة في وضع المناهج واختيار البرامج وتنظيم خطط الدراسة وتنسيق الفاعليات المدرسية بين العلم والعمل. وهكذا أصبح دور الأسرة في تربية الأبناء أكثر اتساعا وأبعد عمقا مما كان سائدا في المجتمعات البدائية والمتأخرة. ولذلك اهتم علم النفس بدراسة الطفل ومشاكله وحاجاته الأسرية، وبين أن الطفل دائما في حاجة إلى أن يحب ويحب، في حاجة إلى العطف والرعاية، وإن كثيرا من الاضطرابات العقلية والنفسية التي يصاب بها الطفل إنما ترجع إلى افتقاده للمحبة والعطف. فليس يكفي أن تطعم العائلة وليدها وأن تكسوه وأن توفر له حاجياته المادية، وإنما لا بد لها أولا وقبل كل شيء أن توفر له الحنان والعطف اللذين لا يستطيع أن يحيا بدونهما، والطفل في حاجته للمحبة شديد الحساسية، شعوره بالعدل مرهف، وشعوره بأقل المظالم يتصف بالمرارة، لا فرق في هذا أن يكون حرمانه من العطف على حساب أخيه الأصغر أو الأكبر، على حساب شقيقه أو شقيقته بل وحتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 على حساب أحد والديه. ولقد دلنا علم النفس التحليلي على أن الطفل يغار من أمه وأبيه. من أخته وأخيه ومن الطفل الضيف فهو يطالب بحقه من المحبة والعناية والرعاية, ويحرص على أن ينالها كاملة غير منقوصة. ولقد ثبت أن الكثير من تصرفات الطفل المرضية التي تبدو وكأنها مردودة إلى أسباب جسدية، إنما أصلها في الواقع نفسي ويعود بالذات إلى غيرة الطفل. إلى شعوره بالإهمال, إلى افتقاده للمحبة. وميل بعضهم إلى العناد، والبكاء، والغضب والتخريب يرجع إلى حاجتهم للمحبة وشعورهم بافتقادها. ولا شك أن الجو العائلي وما يكتنفه من نوعية العلاقات كاضطراب الجوالبيتي. أو اضطراب علاقات الأب بالأم أو العكس، أو اضطراب علاقات الأخوة، أو اضطراب علاقات الأسرة بغيرها من الأسر. له علاقة كبيرة بجنوح الأطفال وتمردهم، كما أن افتقاد الطفل للمحبة يدفعه إلى الخروج على مجتمعه وميله إلى الانتقام منه. وليس هناك شيء يجعل الطفل مستقيم الطبع معتدلا في انفعالاته ورغباته، كانتظام الأسرة ورعايته بالمحبة والعطف1. وعلينا أن نعلم أن الطفل يعتمد في كل شيء على مجتمعه، سواء كان مجتمع الأسرة أو المجال المحيط به، وأنه في حاجة إلى من يعينه على التمييز بين الخير والشر بين الصحيح والخطأ، بين الأخلاقي وغير الأخلاقي ويبين له ما يسمح به الدين والعادات والتقاليد وما تنهى عنه. إنه محتاج إلى تكوين شخصيته وتهذيب طباعه وبناء ذاته بناء يمكنه من أن يميز هو نفسه بين ما يجوز وما لا يجوز. وأن يقرر هو نفسه واجباته ويعرف حقوقه ويتصرف بوحي من ضميره. أي: يستطيع التحرر من معونة الآخرين. وهذا ما يمكن أن نسميه بالتربية الاستقلالية. التي تجعل من الطفل في مستقبل أيامه إنسانا قادرا   1 انظر معالم التربية من ص53 إلى ص82 للدكتور فاخر عاقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 على الاعتماد على نفسه. وخوض الحياة بلا خوف ولا عقد، والتي تجعل منه إنسانا اجتماعيا قادرا على الإسهام في بناء مجتمعه والعمل على رقيه وتقدمه، ومهما يصنع الآباء لأولادهم من ثروة أو جاه أو سلطان، لا ينفعهم ذلك كما ينفعهم اعتمادهم على أنفسهم، وقدرتهم على تدبر الأمور الحياة وتخطي عقباتها. والتربية الإسلامية تهتم بالطفل منذ ميلاده؛ لأنها ترى فيه الفطرة الإنسانية التي تنزع إلى الدين والإيمان، وأن أبواه هما اللذان يؤثران فيه عملا وقولا, وفي الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة, وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا} {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} . وقد خلق الله الإنسان متدينا لسليقته وفطرته، ولكن الأسرة هي التي تملي عليه إرادتها وفكرها فينطلق بهما إلى الحياة مؤمنا أو كافرا أو جاحدا أو زنديقا, والدين عند الأطفال له جوانب خاصة بهم، حيث تجاربهم محدودة، ومعرفتهم قاصرة، وليس في استطاعتهم إدراك الأحكام العقلية، ولكن في استطاعتهم إدراك الأمور المحسوسة. فإذا كان جو الأسرة جوا دينيا تعلموا منه أمور الدين ومواقفه الإنسانية والاجتماعية، وإن كان غير ذلك نزعوا إلى أمور أخرى أبعدتهم عن فطرتهم. ومع ذلك يظل الطفل يفكر في الله سبحانه وتعالى بالطريقة التي تتفق مع فكره ومدركاته، ومن هنا كان دور المدرسة هاما ومؤثرا في تعليم الدين والتمسك به؛ لأنها تعوض النقص الذي قد يوجد في بعض البيوت، ويسبب للطفل صراعا بين فطرته وما يشاهده في بيئته التي يعيش فيها. ذلك الصراع الذي يصفه هوبكنز1 فيقول:   1 انظر النفس المنبثقة في المدرسة والبيت ص514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 "عندئذ ينشب في الطفل صراع بين نوازعه الداخلية والمطالب الخارجية التي هي مقاصد وتوقعات الكبار، الذين هم بدورهم يعانون من حالة عدم طمأنينة وحالة قلق في سلوكهم مما ينتج عنه القلق والبلبلة والحيرة التي تسبب له تحويل طاقاته من مجراها الطبيعي الهادف لتحقيق وصيانة وتعلية الذات إلى مجرى شاذ غير طبيعي, قوامه الخنوع والخضوع أو العدوان أو العزلة، والنأي بجانبه والترفع على الآخرين والاستعلاء. وفي تلك البدايات الصغيرة وبوساطة تلك الضغوط والكظوم الملحة تنشأ النفس النيروزية بما تحويه من شعور بالنقص، أو نبذ الذات والنفور منها. أو الطموح الخيالي، أو شعور الانتقام والتربص بالآخرين مع جموح وجنوح بأن تكون كلمته دائما هي العليا، وكلمة غيره هي السفلى، ولكن ما هو أخطر من ذلك ... هو تسلط نازع أو باعث أو دافع جزافي لا يملك حياله دفعا لإشباع حاجاته.. وكثير من الأباء والمربين يسوغون سلوكهم على أساس أنه في صالح الطفل، بينما هو في الحقيقة يمثل اتجاههم الطبيعي في السلوك في مجالات إدراكهم التي تتحكم فيها قيم، قد لقنوها وتقبلوها جزئيا". ومن هذه الأفكار نستطيع أن نتصور دور البيت في تربية الطفل وإعداده إعدادا يتفق وحاجاته الدينية والاجتماعية والنفسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ب- في المدرسة : ترى التربية الحديثة أن المدرسة ما وجدت إلا لتكون بيئة يمارس فيها المتعلم نشاطه، ويرتقي عن طريقها بميوله ورغباته. وتتحدد قدراته وإمكاناته. وبهذا تعد المدرسة بيئة أخرى ذات أهمية إلى جانب البيت تنظم فيها الفاعليات وترتب فيها الأعمال حتى تستثير الطفل للنشاط، وتحفزه إلى العمل، وتدفعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 إلى اختيار ما يتفق ومواهبه. والمعلم في هذا كله يقوم بدور المهيئ للمحيط، المنظم للخبرة، المساعد للطفل على تحديد أهدافه وغاياته، واستغلال مواهبه وقدراته، والإفادة من إمكانيات المدرسة في تعليم نفسه وتثقيف ذاته وتدريب يده وعقله. وهو غير مطالب -في نظر التربية الحديثة- بالتدخل في نشاط الطفل إلا حين لا يجد مقرا من ذلك, وإذا تدخل فإنما ليدل ويرشد ويوجه لا ليلقن ويعلم. وهكذا يكون عمل المعلم قد اتخذ شكل الإعانة على التعلم لا شكل التعليم والتلقين, وتكون المدرسة مكانا يتعلم فيه الطفل ولا يعلم. والذي يهدي المعلم في المدرسة الحديثة هو الحياة، حياة الطفل الحاضرة وطفولته أولا، وخصائص هذه الطفولة وحياته الخاصة ثانيا. وصفات هذه الحياة الخاصة وقدراته وميوله ثالثا. وما تتميز به هذه القدرات والميول من فردية رابعا. وأخيرا الحياة المقبلة للطفل وحاجاته فيها ومكانه الخاص منها، على أن تكون هذه الحياة المستقبلية تبعا للحياة الحاضرة ونتاجا من نتائجها1, وهكذا نجد أن المعلم يعد القدوة الذي تتمثل في سلوكه الصورة الحية للتعاليم التي يدعو إلى اتباعهم. ومعلم الدين بالذات لا يمكنه أن يمثل القدوة إلا إذا جعل الأطفال يحسون ويدركون أنه أول مطبق لتعاليم الدين. ولا يخفى علينا أن الطفل يرى في معلمه المثل الأعلى ويقوم بتقليده في العادات والحركات والأساليب. فإذا وجد تناقضا بين أعمال أستاذه وأقواله ضعفت قناعته بهذه الأقوال، واهتزت في نظره قيمة هذه التعاليم، والمربي الناجح يدرك أبعاد مكونات الطفل، فيحرص على أن يبدو أمامه بالصورة اللائقة علما وثقافة وخلقا، ويدرك أن الطفل لا يكتفي منه بالعلم والثقافة، وإنما يستكشف جوانبه العملية، ويعرف إن كان يعمل بتعاليم الدين ويشعر بمسئولية أمام الله   1 انظر معالم التربية ص88، 89 للدكتور فاخر عاقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 من كونه يلقي الأوامر والتعاليم من غير تمثل لها. وعندئذ يسقط المعلم وتسقط تعاليمه بعيدا عن وجدان التلاميذ، ولا تكون المدرسة إلا وسيلة لإدراك بعض المعارف النظرية التي لا وجود لها في التطبيق، ولا يخرج منها مجتمع متماثل قوامه العقيدة والأخلاق والمثل. وهذا ما نشاهده الآن في مدارسنا وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وإذا كنا نشدد على القدوة الصالحة في شخصية المعلم، فإننا أكثر تشددا في الحرص على الثقافة الإسلامية، ومداومة الاطلاع على تفاسير القرآن وكتب الحديث والسيرة النبوية، والتعرف على أصول العبادات والأحكام الإسلامية. حتى يستطيع المعلم أن ينقل الصورة السليمة عن هذه المعارف إلى تلاميذه، وأن يتضح الفرق بينه وبين أطفاله في فهم أبعاد المواقف والقضايا الإسلامية. وقد لا أكون مغاليا إذا قلت إن كثيرا من معلمي التربية الإسلامية لا يقرأ القرآن قراءة صحيحة؛ وذلك لأنهم غالبا ما يكتفون بما تعلموه في معاهد التربية للمعلمين والمعلمات، ولا يتجهون بعد التخرج إلى المعرفة ينهلون منها وهي فيض لا ينتهي وخاصة في علوم القرآن وقراءاته وأساليبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الجو المدرسي وأثره في التربية الدينية : إن المدرسة التي لا تهيئ لأبنائها جوا دينيا ينصهر فيه المعلمون والمتعلمون معا، لا يمكن أن تحقق شيئا من تعاليم الإسلام، عن طريق التلقين والموعظة والامتحانات والتقويم وغير ذلك مما يقوم به البعض عادة بحكم الوظيفة والمهنة. والدين كما يجب أن يعرف سلوك وتطبيق. لا أقوال ورموز، لذلك يجب أن يكون في كل مدرسة ابتدائية مصلى وأن يذهب الأطفال والمعلمون إلى هذا المصلى في أوقات الصلاة، وأن تقام الندوات والمناظرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الدينية بصورة دائمة بحيث تتفق وعقول التلاميذ وتتلاءم مع حاجاتهم وأفكارهم وتصوراتهم عن الله والرسل والكون والعالم الآخر, وغير ذلك مما تعبر عنه أسئلتهم في الدروس وخارجها. ويجب أيضا أن يوجه التلاميذ إلى نشاط ديني يمارسونه بصورة جادة وهادفة، كما يمارسون الألعاب والتربية البدنية. وذلك كأن يسند إليهم تنظيم المسجد ومكتبته والمساهمة في رعايته وتنظيفه والإشراف عليه، وأن نحفزهم على إعداد كلمات في المناسبة الدينية ونوليهم الاهتمام بقراءتها وتقديرهم عليها، ومساعدتهم على إبراز هذه الكلمات في مجلات للحائط, وأن تكون المكتبة الإسلامية المبسطة رفيقة لهم في كل صف ومع كل مرحلة. وإن كانت الكتب الدينية التي تليق بمستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية قليلة، فإن الأمل كبير أن يتجه بعض الكتاب الإسلاميين إلى وضع مثل هذه الكتب. وأن يعتمدوا في منهجهم على أحداث السيرة النبوية ومواقف الصحابة، وقصص القرآن، وسير عظماء الإسلام والقادة والدعاة. واهتمام المدرسة بإعداد تمثيليات دينية يقوم فيها التلاميذ بتمثيل أدوار البطولة في الإسلام، له أثر كبير في خلق روح العظمة عند الأطفال، وتوجيههم إلى حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته عن طريق التقليد والمحاكاة. لأن هذا طبع الأطفال، يحبون البطولة ويميلون إلى تقليدها, وبدلا من أن نتركهم يقلدون ما يرونه على شاشة السينما والتلفزيون ويتصورون أن هذه الأشياء هي غاية ما يمكن أن يتمثلوا به في حياتهم. نبين لهم أن هذه بطولات مصطنعة. أما البطولة الحقيقية فقد كانت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، وعند القادة والزعماء والدعاة الإسلاميين في مختلف العصور. والطرق التربوية الحديثة تتفق وأهداف التربية الإسلامية. فإذا أردنا تطبيق أحد هذه الطرق في التربية الإسلامية وجدنا لها مجالا خصبا في تعاليم الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فمثلا: 1- طريقة حل المشكلات: يعرض فيها المعلم مشكلات يطلب من التلاميذ التوصل إلى حلها، ويساعدهم في التوصل إلى الحل الصحيح، ولا يخفى علينا أن تعاليم الإسلام وتشريعاته كلها جاءت حلا لمشكلات الحياة حاضرها ومستقبلها، وكان الوحي ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإجابة على مشكلة تعترض المسلمين، أو موقف في الحياة يحتاج إلى تفسير وتحليل. وعلى المعلم أن يصل إلى ما يريده من التعاليم والأحكام من خلال هذه المشكلات، وأن يربط المشكلة بالحكم الإسلامي الذي يريد بيانه للتلاميذ. 2- طريقة المشروع: أ- وهي طريقة تقوم على انتقاء مشروع ما أو عدة مشاريع وإعدادها من قبل المعلم، ثم يعرضها على التلاميذ ليختاروا منها ما يتلاءم معهم. ب- تنظيم خطة المشروع، وتوزيع الأدوار والعمل. ج- تنفيذ الخطة. د- تقويم المشروع والنظر في النتائج التي تنجم عنه، وفيما توصل التلاميذ إليه من أهداف ونتائج. ويجب أن تسير هذه الخطوات في جو من التعاون والتآلف بين التلاميذ والمعلم, ويمكن تطبيق ذلك بنجاح في دروس السيرة النبوية، فنأخذ مثلا هجرة رسول الله، أو غزوة بدر, أو فتح مكة, أو صلح الحديبية أو غير ذلك من أحداث السيرة. ونضع مسرحيات يحفظها التلاميذ ويتمرن جميع التلاميذ على إلقائها ثم نختار أحسنهم للتمثيل. ويهتم الآخرون بالأعمال المتصلة بالمسرحية. كإعداد المسرح. وتجهيز الملابس. والإشراف على الأنوار والمقاعد وغير ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 مما يشيع روح التعاون والمحبة بين الجميع. 3- طريقة الوحدات: وهذه الطريقة تهتم بالربط بين معلومات المنهج في مواد مختلفة وتجميعها حول هدف نظري واحد وقد تطبق خطوات المشروع في طريقة الوحدات. وقد تعين في المنهاج فلا يبقى إلا رسم الخطة وتنفيذها. فمثلا: يمكن أن يكون التعرف على المسجد ووظيفته وما يقام فيه من عبادات وما يلقى فيه من خطب وتعاليم وحدة معينة في المنهج، أو أعدت على طريقة المشروع. ودراسة هذه الوحدة سوف تجعلنا نتطرق إلى دروس الحديث والسيرة والتهذيب والصلاة بأنواعها, وأثر العقيدة في هذه العبادات وما يتصل بهذه الأشياء من القرآن الكريم والأدلة عليها. وكذلك دراسة تاريخ المساجد والصحابة, وفيها يقوم التلاميذ بزيارة المساجد ومقابلة الخطباء وبعض المصلين والتعرف بأنفسهم على كل ما يتصل بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الدين وعملية الضبط الاجتماعي : يفرض الدين على كل فرد طائفة من الواجبات يؤديها لمجتمعه فيوفر له أسباب الحياة السعيدة ويسهم في بنائه على أسس قوية سليمة. ومن هذه الواجبات ألا يخرج عن الجماعة، وألا يشق عصا الطاعة وأن يتعاون مع أبناء جنسه. وأن يكون عنصرا إيجابيا في وحدتهم وقوتهم وألا يضن بفضل ماله على المحتاج منهم، وأن يرعى حق الجوار، وأن يكف يده ولسانه عن أذى الناس، وأن يطيع ولاة الأمر فيما ليس فيه معصية للخالق. والدين يدعو إلى تهذيب النفوس وحسن المعاشرة ومعاملة الناس معاملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 تتفق ومبادئ الدين وسماحته. يحترم والديه وأقاربه ويبرهم، يواسي إخوانه ويساعدهم، يقوم بحقوق أهله وزوجه وعشيرته. يحسن تربية أبنائه ورعايتهم، يثقف عقولهم ويهذب نفوسهم، لا يؤذي جاره في نفسه أو عرضه أو ماله، لا يغتاب أحدا ولا يكون نماما واشيا، لا يكذب إذا حدث، ولا يخلف إذا وعد، لا يخون إذا اؤتمن، صادقا وفيا أمينا، لا يغش إذا باع أو اشترى. لا يطفف كيلا ولا ميزانا, لا يماطل أحدا في دينه ولا يبخسه حقه. إذا عهد إليه في عمله أتقنه وأداه على أكمل وجه في غير تسويف ولا تأخير. إذا تولى أمر الناس أحسن رعايتهم ولم يغفل عن النظر في مصالحهم والعدل فيما بينهم، ولم يكن لغير الحق سلطان على نفسه، فلا يحابي العظماء والأقوياء ولا يضيع حقوق الضعفاء والفقراء. فالدين يضع الضوابط الاجتماعية التي تكفل الأمن والسلام للناس. ويعمل بروحانيته على التأثير في نفوس البشر، فيهذبهم ويوجههم وجهة الخير ويسمو بوجدانهم. ويرتقي بميولهم، ويعلي غرائزهم، ويعدل طباعهم فيجعلها متفقة ومنهج الخير العام الذي يحقق مصلحة الناس وسعادتهم. والدين وحده هو الذي يؤلف بين القلوب، ويدعم الوحدة بين النفوس ويخلق من المجتمع قوة متماسكة، يخشى بأسها ويرهب جانبها؛ لأن هذه الرابطة الدينية إنما تستمد قوتها من امتزاج الأرواح والإخلاص لله وتطهير القلوب. وهي التي تجعل التعاون في سبيل غاية سامية، يهيم بها الوجدان، وتهفو إليها الأفئدة لا تشوبها الأكدار المادية، والأطماع الدنيوية، ولا تزلزلها الأحداث والمحن. وإذا نظرنا إلى أسرة مترابطة متآلفة على أسس من الدين، وجدنا بناءها يقوم على المحبة في الله، والإخلاص من أجله. والتعاون في سبيله فلا تستطيع أحداث الدهر أن تحطمها أو تفرق بينها. أما الذين يعيشون على المنفعة والغايات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الدنيوية، فإنك تراهم عند أول هزة اجتماعية، تمزقوا وصاروا أعداء. الولد مع أبيه والزوج مع زوجته والأخ مع أخيه، فإذا أردنا أن نقيم بناء أسريا سليما واجتماعيا ثابتا، فلا بد أن تكون الرابطة هي رابطة الدين، وأن يكون الحب فيها لله وحده، حتى يظل أثر ذلك ممتدا عبر الأجيال، وحتى لا تنهار الوحدة الأسرية والاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الدين من أبرز عناصر الثقافة : الناظر في تعاليم الإسلام يجد أنها تحوي بين عناصرها كل الأسس الفكرية والنفسية والأخلاقية. وليس هذا رأينا فحسب، وإنما هو رأي معظم فلاسفة البشر المعتدلين, منذ جاءت الرسالة المحمدية إلى الأرض حتى الآن. والعناصر الثقافية للمواد الإنسانية مجتمعة إنما هي تلك العناصر التي تعمل على تكوين الإنسان تكوينا فكريا وروحيا وأخلاقيا واجتماعيا, كما أنها تساعده على مواجهة الحياة مواجهة قائمة على التطبيق والتجربة. والإسلام بمضمونه العام جاء شاملا لكل هذه الأشياء، فهو يعطينا أصدق المثل على فهم الأرض والسماء معا. يصور لنا الحقائق ويعطي عليها التطبيق يضرب المثل ويسوق الرموز الدالة عليه، قوانينه شملت كل جوانب الحياة، حتى إن أي قانون بشري جاء بعد الإسلام كان عالة عليه ومقتبسا منه، ونحن نشاهد ذلك كثيرا في القوانين المعمول بها في معظم بلاد العالم. والثقافة الإسلامية تقوم أساسا على ثلاثة أمور: 1- القرآن الكريم كعنصر أساسي ودائم لا ينتهي. 2- الحديث الشريف كتحليل عملي وتطبيقي لحياة المسلم الحق. 3- الأدب العربي في عصوره المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 لذلك فلو نظرنا إلى الثقافة الإسلامية نظرة موضوعية لوجدنا أن الدين أبرز عناصر هذه الثقافة ووجدنا تعاليم الإسلام تتصل بحياتنا اليومية، حتى إن المرء المسلم لو أراد أن يقوم بعملية إحصائية لإعماله وأقواله لوجدها على الرغم منه تقوم على عناصر الثقافة الإسلامية السابقة الذكر، وهذا شأن العقائد منذ عرف الإنسان الأول كلمة العقيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الدين والشخصية المتوازنة : يحتاج الأمر منا أولا قبل أن ندخل إلى صلة الدين بالشخصية المتوازنة أن نفسر ما معنى التوازن. التوازن بالنسبة للإنسان هو أن يستطيع أن يأخذ من مادية الحياة ما يقوم بأمره، كما يأخذ من الروحانية ما يربطه بربه، فالوجود كما نعلم خاضع لقوة إلهية عليا، تلك القوة خلقت الكون متوازنا، فجعلت الليل والنهار، الدفء والبرودة، المطر والجفاف، النجوم والأفلاك. كل هذه المخلوقات مع عظمتها وجبروتها متوازنة لو اختل شيء منها فسدت الحياة وربما ضاع هذا الكون كله. والإنسان وحده دون هذه المخلوقات كلها، هو صاحب الإرادة الحرة، وله الكثير من الاختيار، لذلك نراه في مواضع متعددة غير متوازن. فهذا عبد للمادة، وذاك أسير لشهواته، وغيرهما منعزل عن الحياة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن كلا من هؤلاء لم يعرف حقيقة الدين. فالدين -أي: دين- في جوهره يدعو إلى أن يكون المرء متوازنا، يتصل بالحياة كما يتصل بالله، يعمل لدنياه كما يعد لأخراه والدين الإسلامي بالذات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 من أكثر الأديان تحديدا لمعنى التوازن. فهو في تعاليمه يبين أن الحياة جهاد وعمل يقول تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدعو الإنسان إلى العمل الدائب في الحياة، على أن يكون العمل خالصا لوجه الله والحق. ولو نظرنا إلى قول الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} لو نظرنا إلى هذه الآيات لوجدنا أنها ترسم صورة كاملة للإنسان المتوازن في الإسلام، الذي لا يغيب عن ربه، يصون مجتمعه، ويحفظ عرضه، وينأى بنفسه عن الظلم ويترفع عن الرذائل، وبالجملة فهو إنسان متوازن نفسيا واجتماعيا وأخلاقيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الدين والقيم : حدد الدين الإسلامي قيما أساسية، وترك المرء الاجتهاد في قيم أخرى فرعية، ومن قيمه الأساسية، أنه أحل البيع وحرم الربا وطلب من المتداينين أن يكتبوا الدين بينهم حتى لا يقعوا في غبن أو خداع، أحل الطيبات وحرم الخبائث، دعا إلى العدل ونهى عن الظلم والجور, وطلب القصاص وحدد الإنصاف، جعل الناس سواسية لا يتفاضل أحدهما عن الآخر إلا بالتقوى، أعطى الإنسان القدرة وحاسبه في أي شيء بذلها، منحه المال وسأله في أي وجه أنفقه، طلب منه الإنفاق في وجوه الخير، ومنعه من التبذير في أوجه الشر، وأنزل الفرائض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 لتكون مقياسا على تمسك الإنسان بما أمره الله به, ولكي تكون حكما بين نفسه وهواه. ومن الحقائق المعروفة أن الرغبة الدائمة والملحة على الإنسان هي رغبة الوجود، وكل مغامرات الإنسان الطويلة ليست -في أقصى غاياتها- إلا طريقا لتحقيق وجوده، ومن ثم لإدراك معنى الوجود. وقد أخذت هذه المغامرات أشكالا مختلفة، فهي تتمثل مرة في البحث عما نسميه الحقيقة، وأخرى في البحث عن الله وثالثه في محاولة تفهم ما النفس، وإذا نحن ترجمنا هذه المحاولات في إطار أعم أمكننا أن نتمثلها في علاقة الإنسان بالكون، وعلاقته بالله، وعلاقته بالإنسان نفسه. وقد حدد الإسلام هذه العلاقات في إطار عام من القيم الاجتماعية والروحية والأخلاقية، وكانت أنواع العبادات مظهرا مجسما لهذه القيم, ومحددا لها في سلوك دائم لا ينقطع عنه الإنسان، ولا ينفك منه إلا إذا خرج على عقيدته وتحلل من قدسية الدين. ومن خلال هذه العلاقات الدائمة بين العبد وربه تبدو المواقف الثانوية من النظر في الحياة والموت في الحب والكره، في الخلود والفناء، في الشجاعة والخوف، في النجاح والإخفاق، في العدل والظلم، في الفرح والحزن وكل هذه المعاني مستقرة في الضمير الإنساني، وقد استقرت فيه منذ وقت مبكر، منذ أن تبلورت التجربة الإنسانية في العقيدة الدينية، وجاء الإسلام منظما لكل هذه العلاقات مرتقيا بها إلى أقصى غايات السمو النفسي والعقلي والروحي، وعلى الرغم من أنها استقرت في ذاكرة ذاك الإنسان التي تكونت عبر التاريخ وانطبعت آثارها في عاداته المجتمعية، إلا أن الإسلام وضع لها سبل الكمال، وجعلها محببة إلى نفوس المؤمنين، كما يسرها عليهم. ففي الكلمة الطيبة صدقة، وفي إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وفي النية الخالصة أجر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وفي قول الصدق ثواب، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمال، ولا شك أن كل هذه القيم جاءت مرتبطة بالدين وبالعقيدة، محددة لشخصية المسلم وفارقة بينه وبين غيره من ذوي العقائد الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الإسلام والإنسان : الدين الإسلامي يسمو بالإنسان ويرفعه فوق كل الكائنات, فالطبيعة مسخرة له ولمنفعته، يستخدم في معرفة قوانينها عقله ويعمل فيها فكره, وبذلك فك القيود عن روح الإنسان وعقله جميعا، وأطلق طاقاته تبدع في الحياة ما أمكنتها القوة والقدرة، وقد دلت الآيات الكريمة في مواضع كثيرة من القرآن على سمو الإنسان، وأنه يفضل سائر المخلوقات فقد خلق في {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ومنحه الله من القدرات الذهنية والجسدية ما جعل كل عنصر في الطبيعة في خدمته يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} . وفي مواضع كثيرة يبين القرآن أن الإنسان وحده من دون المخلوقات هو خليفة الله في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} فالإنسان خليفة الله على الأرض، أحسن خلقه، وأبدع صنعه، وجعل كل ما في الوجود مسخرا له. وحمله من الأمانات ما لم تستطع حمله السموات والأرض والجبال {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} . فالإسلام يعتد بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وقد جاء والاسترقاق منتشر ومتأصل في جميع الأمم، فدعا إلى تحرير العبيد وتخليصهم من ذل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الرق، وحرض المؤمنين القادرين على إعتاق الرقاب وفك أسارها، وجعل الكفارة في أكثر من موضع "عتق رقبة" وبالجملة فقد قضى على تلك العادة المذمومة التي كانت منتشرة بين الناس، ووسع في حقوق الإنسان واحترمها حتى في الدين نفسه قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فللإنسان كامل الحرية فيما يختار من الأديان والعقائد، وهو وحده المسئول عن عقيدته وعمله، وإن كان المسلمون قد قاتلوا فإنما دفاعا عن دين الله لا للعدوان أو إكراه الغير للدخول في الإسلام قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} ويقول عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} . وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين في حروبهم ألا يقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، وأن يصونوا لأهل الذمة كنائسهم ومعابدهم، وأن تترك لهم الحرية في ممارسة عباداتهم، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده فحافظوا على عهده ومبادئه، وليس هناك من ينكر موقف عمر بن الخطاب من أهل بيت المقدس، فقد "أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم, لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أمولهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم"1 وقد تكرر مثل ذلك العهد مع كثير من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون داخل بلاد الشام أو الذين فتحت بلادهم بعد أن أغاروا على المسلمين أو هددوا حدودهم ودينهم. وبنظرة شاملة إلى تلك القيمة الإنسانية في الإسلام يتبين لنا أن الإسلام دين السلام والعدل والمحبة، وأن القوة فيه لا تستخدم إلا في موضعها،   1 انظر سيرة ابن هشام. وتاريخ الطبري وفتوحات الشام للواقدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وأنه الدين الوحيد الذي قام وسيظل قائما على المبدأ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ} . {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} . ويرى المنصفون من أهل العلم أن الحياة المتفقة مع التعاليم الإسلامية حياة أخلاقية لا غبار عليها؛ ذلك لأنها تتطلب الرحمة نحو جميع مخلوقات الله والوفاء بالعهود وكف غرائز الإنسانية. وكما يحرص الإسلام على الآخرة لا يهمل الدنيا {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} . والإنسان مأمور في الإسلام بالطاعة والأعمال الصالحة ولكن بلا تشدد ولا قسوة. فالاستقامة في الدين كما يقول القابسي "مداومة المقام فيه لا ينكب عنه يمينا ولا شمالا ولا يلتزم منه ما لا يطيقه" وفي حديث الرسول: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون" فالإسلام يرفض المغالاة وينادي بالتوسط "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". وإذا عاش الإنسان معيشة صالحة في هذه الدنيا فإنه يبلغ درجة رفيعة في الآخرة، ولهذا اشتمل القرآن الكريم على كثير من المسائل الدنيوية المنوعة. الإسلام والمجتمع: جاء الإسلام في زمن تفشت فيه العصبية واتسم بالجبروت والطغيان، وتكالب الناس فيه على الباطل تسوقهم إليه عقائد فاسدة وعادات دنيئة فقضى على العصبية وحل محلها مبدأ التسامح والمحبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وأزال روح القبلية من بنيه لتوجد فكرة الأمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الإسلام والمجتمع : جاء الإسلام في زمن تفشت فيه العصبية واتسم بالجبروت والطغيان، وتكالب الناس فيه على الباطل تسوقهم إليه عقائد فاسدة وعادات دنيئة فقضى على العصبية وحل محلها مبدأ التسامح والمحبة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وأزال روح القبلية من بنيه لتوجد فكرة الأمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . أمة أخوة الإيمان فيها فوق أخوة النسب، فترابط الناس وأصبحوا أسرة واحدة تمتد أعماقها في كل جنبات المجتمع الإسلامي، يتألم المسلم لألم أخيه، كما يفرح لفرحه يتعاونون على الخير آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، يسودهم البر والتعاطف "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" يتكافأ الناس فيه في الحقوق والواجبات فلا ميزة لحسب أو نسب، ولا لجاه أو سلطان الكل سواء في العبادات والمعاملات لا يتمايز أحدهم عن الآخر إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وهكذا أوجد الإسلام أمة لا يعيش أفرادها لأنفسهم وإنما يعيشون لأمتهم يفدونها بالروح والمال، والزكاة في الإسلام أكبر مظهر من مظاهر التضامن الاجتماعي، الذي يعمل على توحد القلوب وإزالة الأحقاد، وقد أوجب الدين فيه على كل شخص أن يقدم من ماله سنويا قرضا مكتوبا عليه للفقراء ولبناء المرافق العامة في الدولة، هذا فضلا عن الصدقات التي حث عليها القرآن وآثاب فاعليها ثوابا مضاعفا في الدنيا والآخرة {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وهكذا جعل الإسلام للفقراء حقا معلوما في أموال الأغنياء، ورغب القادرين في التعامل مع الله بالعناية بالضعفاء ومنحهم من أموالهم ما يعينهم على الحياة ويدفع عنهم الحاجة والعوز, وقد تسابق المؤمنون في هذا الميدان حتى رأينا منهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وشاعت في المجتمع الإسلامي روح المحبة، الكل يتسابق لإغاثة الملهوف، وتفريج كربة المكروب، وتأمين الخائف، وإشباع الجائع، والمساهمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الدائمة في إقامة المصالح العامة, وقد حرص الإسلام على تنظيم العلاقات بين الناس حفاظا على الكيان الاجتماعي وصيانة له من التمزق والاضطراب، كالميراث والتجارة والزراعة والصناعة، وثبت على مدى التاريخ الإسلامي سلامة الأسس والمبادئ التي جاء عليها نظام الميراث في الإسلام، وكانت الأوامر الإلهية واضحة في العمليات التجارية، فلا غش ولا خداع ولا استغلال {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقد أوجب للعامل أجرا يتقاضاه جزاء عمله، كما حثه على الإخلاص في العمل والتفاني في إجادته {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} وهكذا تناولت التعاليم الإسلامية كل جوانب المجتمع بما يكفل له الأمن والاستقرار, ولكي تكتمل الصورة الاجتماعية في إطارها الصحيح نظم الإسلام علاقة الرجل بالمرأة، وقد كانت المرأة في الجاهلية مهضومة الحقوق محبوسة الإرادة، ففك الإسلام أسارها، وجعل لها ما للرجل من الحقوق وعليها ما عليه من الواجبات {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} . وجعل كرامة المرأة وصيانتها شيئا أساسيا لبناء المجتمع، فحرم البغاء وشدد في عقاب الزنا إلى حد القتل. ورغب في الزواج وجعله فريضة محببة إلى الله، ونظم تلك العلاقة الزوجية بما يجعلها وحدة متماسكة روحا وجسدا {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} وفي حجة الوداع وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا النداء إلى الناس جميعا "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم, وإن لا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبيتة، فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف, وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، أخذتموهن بأمانة الله. فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا" ووضح الإسلام نظام العلاقة إذا ما انفصلت الحياة الزوجية فللمرأة حقوق لا تنتقص من نفقة وأجرة إرضاع وصداق {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ، وهكذا نجد أن الإسلام قد نظم المجتمع تنظيما دقيقا يكفل له السعادة والأمن، مما يجعله مجتمعا متآلفا ومتعاونا في طريق الخير والسلام والمحبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الدين ومشكلات الفكر والاعتقاد والحياة : مشكلات الفكر متعددة الجوانب: فهناك الفكر المادي، والفكر الروحي. والفكر الذي يجمع بين الأمرين معا. وقد عاشت الأمم قبل الرسالات السماوية في إطار الفكر المادي وحده، تتنازعها الأهواء والرغبات المتعلقة بحياتها المعيشية. وحتى عصرنا هذا توجد أمم تحيا على هذا الفكر؛ ولأنه فكر يتعلق بجانب واحد من جوانب الوجود، أرسل الله الرسل بتعاليم ومبادئ تنتشل الإنسان من هذه الهوة المادية التي تجعله عبدا لترابية الأرض لا سيدا لها، فعرف الفكر الروحي، وسلك الناس فيه مسالك تنوعت واختلفت باختلاف العصور والأفراد. فوجد المغالون والمعتدلون، حتى جاء الإسلام منظما للفكر الإنساني تنظيما يجعله متوازنا بين الروحية والمادية. والدين في حقيقته نزعة فطرية في الإنسان من يوم خلق الله الدنيا وهو أنجح الوسائل لتهذيب الفكر، وجعله فكرا ينشد الغايات الإنسانية العليا بعيدا عن الاضطراب والفوضى، فهو الذي يستغل الميل الفطري في الإنسان في غرس الخلق الكريم في نفسه، وتوجيه سلوكه وجهة الخير، وقد أخذت الأمم الناضجة منذ أقدم الأزمنة أديانا لها تعتمد على تعاليمها في حياتها الخلقية والاجتماعية؛ لأن الدين يدعو إلى صيانة الأمم. وجاء الإسلام خاتما للأديان كلها، فكان أعلاها في كل شيء. فلا عصبية في الإسلام، ولكن رابطة أخوية تجمع بين بني الإنسان، وتوجههم إلى وجهة واحدة، هو الإيمان بخالق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 السموات والأرض والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، وهذا ولا شك يؤدي إلى تماثل في المجتمع، وتوحد في عقيدته, واستقامة في حياته، وقد كانت الأمم الأولى التي شقت طريقها نحو العقائد الدينية الصحيحة من أنضج الأمم وأحسنها مسلكا في حياتها، وأنظمها في العلاقات الاجتماعية بين أبنائها، كما أكسبها الدين قوة مادية ومعنوية جعلتها مرهوبة الجانب مخشية البأس، على العكس من الأمم الوثنية، فقد كانت تعمها الفوضى، وتعتريها الفتن، وتتغير عقائدها بتغير الأفراد والقائمين بأمرها. وفي الدين الإسلامي ما يشيع الخشوع في النفوس لله، والرغبة في ثوابه، والخوف من عقابه فتسلك طريق الهدى والرشاد راضية مختارة، وتنأى عن الغواية والضلال عن يقين وحجة. والدين الإسلامي فوق إنه عقيدة عامة لبني الإنسان هو دين معرفة وسلوك ونظام اجتماعي. ومن هنا كانت "التربية الإسلامية" ليست مادة كباقي المواد الدراسية، المقصود منها هو كسب المعلومات وتنميتها، وإنما المقصود هو إثراء الروح والتأثر بتعاليم الإسلام والسير على هداها. ونحن لا نعتبر مدرس الدين ناجحا بمقدار ما يحصله تلاميذه من آيات وأحاديث وأفكار إسلامية، وإنما يقاس نجاحه بمدى ما انطبع في نفوس تلاميذه من العقائد الصحيحة والأهداف الإسلامية، والمثل والغايات التي جاء بها، وأن يتعلق التلاميذ بهذه الأشياء حتى تصبح منهجهم في الحياة والعمل والسلوك. والمعارف الدينية تفقد قيمتها إذا لم تنعكس آثارها على حياة الطفل وتصرفاته، وإذا لم تصبح له سلوكا عمليا ودائما، يتجلى في يقظة ضميره وسمو وجدانه وتشبثه بالفضائل وتساميه عن الرذائل. والعقيدة في الإسلام قائمة على الإيمان بإله منزه عن الشرك، منزه عن النقائص لا صاحبة له ولا ولد، منزه عن التشبيه الذي تسرب من بقايا الوثنية إلى الأديان الكتابية "من يهودية ومسيحية". ودعمت تلك العقيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بالأدلة العقلية التي تجعلها فوق الشبهات. وقد فتح القرآن الكريم المجال لتلك الأدلة بقوله: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . فالله الذي يؤمن به المسلمون إله واحد، خلق الكون وأبدع صنعه لا شريك له ولا شبيه {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهو رب العالمين خلق الناس جميعا ليتعارفوا ويتفاضلوا بالتقوى، فلا فضل بينهم لعربي على أعجمي ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وهو حكم عدل لا يأخذا إنسانا بذنب إنسان ولا يحاسب أمة خلقت بجريرة أمة سلفت {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فالإسلام دين الرحمة والعدل وتعاليمه توجه بني البشر إلى حياة فاضلة خالية من الأوهام والمخاوف، بعيدة عن الشك وزيفه، وبقدر ما يصنع المرء يسأل ويحاسب {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم} فالإسلام جاء يصحح العقائد البشرية كلها ويتمم ما سبقه من ديانات الأمم الأخرى وحضاراتها ومذاهب فلاسفتها، وقد رسم للحياة الإنسانية طرق النجاة، وجعل لمن يريد السير بتعاليمه صادقا بابا مفتوحا دائما يمحو ما قبله من الخطايا ويزيل ما على الأقدام من غبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الدين والتربية الأخلاقية : حرص الفكر الإنساني منذ أقدم العصور على البحث عن العوامل التي ترفع من قيمة الإنسان. وتجعله سويا أمام نفسه ومجتمعه الذي يعيش فيه ومن خلال هذا الفكر ظهر علم النفس وعلم الاجتماع، ولكل منهما وجهة يحاول أن يحقق من خلالها تلك الغاية التي أشرت إليها، فعلماء النفس يرون أن الشعور الفردي ذو أثر هام في حياة الإنسان، وأن المرء محدود بمزاجه وطبيعته، فلا يستطيع أن يفعل ما يفعل إلا وفق ما يقدر له استعداده وغرائزه، ونادوا بمراعاة الفروق الفردية والعناية في تربية الشواذ بدراسة غرائزهم وعواطفهم في تربية الممتازين على استخراج مواهبهم وتغذيتها عن طريق التسابق والدفع والإغراء والمكافأة والتقدير. وقال علماء الاجتماع إن المجتمع هو كل شيء، والفرد لا تظهر قيمته ولا تتحدد أخلاقه إلا مع الجماعة؛ لأن الإنسان لا يتصف بأنه ذو أخلاق أو بأنه مجرد منها إلا إذا انغمس مع جماعة من الجماعات. وإن المواهب الفردية، طبيعية أو مكتسبة، لا تظهر آثارها إلا في الجماعة. ومن خلال هذه الدراسات النفسية والاجتماعية ظهر "علم النفس الاجتماعي" محاولا أن يوفق بين النظريتين: الفردية والاجتماعية. فهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 يهم بالخصائص الفردية من الذكاء والمواهب إلى جانب الخصائص الاجتماعية التي تستمر في عمل دائب محاولة جذب الأفراد الذين يتمتعون بالقيم الفردية من التفوق والنبوغ ليعملوا مع الجماعة ولخيرها. سواء أكان تفوق الفرد من الوراثة الفردية أو الاجتماعية. ويرى علماء النفس الاجتماعي أن الفرد الممتاز إنما هو نتاج الجماعة. ومحصلة قيمها الأخلاقية والفكرية والاجتماعية. وليست هذه النظريات التي أشرت إليها في إيجاز شديد وليدة إبداع فكر الغرب كما يدعون، وإنما ترجع في أصولها إلى القرآن الكريم ومبادئه الأخلاقية التي جاء يخاطب بها "الإنسان" في مواضع كثيرة {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} كما يخاطب بها الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَه} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} وبعد أن يحرك الشعور الفردي والجماعي بمخاطبة الفرد والجماعة يخص المؤمنين بالنداء تلو النداء الذي يدل على أهمية هؤلاء وامتيازهم وسط المجتمع الإنسان كله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم} ، والقرآن حين يخاطب "الإنسان" لا يريد إنسانا من جماعة معينة، وإنما يريد كل إنسان على الأرض يحمل صفات الإنسانية وسماتها، فدعوته حتى وهي في مظهرها فردية، في حقيقتها جماعية؛ لأنها إنما تخاطب الإنسان أيا كان شكله أو لونه أو منهجه، فهو يدمج الفرد في الجماعة ويدمج الجماعة في الفرد بحيث يشعر الفرد أنه جزء من كل، ويشعر الكل أنه مؤلف من أجزاء متماسكة "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" فالإسلام يربي المؤمنين على التماسك، ويدعوهم إلى الرحمة والمودة ويوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 بينهم الرباط النفسي والمادي الذي يجعلهم كمجموعة من الأعصاب تتأثر ببعضها وتختل باختلال إحداها. ومع رعايته للجماعة وتقريره الدائم لأثرهما الفعال لا يهمل الفروق الفردية، التي يعتمد عليها "علم النفس الاجتماعي" فمن مبادئه "خير الناس أنفعهم للناس" "لأن يهدي الله بك قوما أحب إليك من حمر النعم" ومن مبادئه أن المواهب القوية عليها أمانات تؤديها للناس عملا صالحا تبقي آثاره ويدوم نفعه، فالمؤمن الحق من كان خيره للناس علما وعملا. ونحن نستطيع أن نقول بغير تردد ولا خوف أن النظريات الأخلاقية التي تطورت في عصرنا الحديث هي أثر من آثار ما جاء في القرآن الكريم من المبادئ والأخلاق، وأن العلوم الإنسانية الحديثة أخذت الكثير من القرآن ولم تضف إليه شيئا. وحين يربي القرآن الفرد أخلاقيا، نراه يضع الإنسان أمام نفسه، مبينا ما فيها من خير وشر، محللا للدوافع التي تكمن بينهما وتحث عليهما، ففي الإنسان من دوافع الخير ما يدعوه إلى الطاعة وعمل الصالحات، وفيه من دوافع الشر، ما يسوقه إلى العصيان والتمرد وارتكاب السيئات وله من الإرادة والحرية والعقل ما يحميه من الوقوع في مهاو تنقله من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان, وبه من الشهوات والنزوات ما ينحدر به إلى هذا العالم, وقد منحه الله ميزة العقل وكرمه على كل مخلوقاته، ليكون هذا العقل هو الحكم بين الخير ونزعات الشر ووساوس الشياطين ويتضح ذلك في قول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} . فحرية الفرد في الإسلام واضحة كل الوضوح، حيث إن الغرائز فيه، يقابلها العقل وهو بينهما قادر على تمييز الصالح من الفاسد وله أن يختار. وعلى هذا الاختيار يحاسب وتكون مكانته الإنسانية والاجتماعية, ومن المعلوم أنه لا تكليف من غير اختيار {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والطفل في نظر التربية الإسلامية عنده من الاستعدادات الطبيعية ما يهيؤه لتقبل الصفات الأخلاقية والأنماط الاجتماعية، وإن على الأباء والمعلمين إلزامه بهذه الأشياء في سن السابعة، فإذا قام بها فإنه يكون قد سلك طريقه في الحياة على مبادئ صحيحه، وإلا ضرب على تركها ضربا غير مبرح وهو في العاشرة. وقد أمر الرسول الكريم بذلك فهو يقول "مروهم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر" وعلى المربي أن يستعين بما في الطفل من ميول وعواطف يثيرها لتحرك هذه الأخلاق الإلزامية إلى غايتها الصحيحة, وتعاليم الإسلام ليست منافيه لتكوين الطفل، فالإسلام دين الفطرة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} لذلك كان تقبله لتلك التعاليم سهلا ميسرا, والأمر في ذلك متروك إلى الأسرة أولا ثم المعلم ثانيا ثم المجتمع ثالثا فكل طفل يولد وهو صفحة بيضاء خالية من كل رجس. وآباؤهم هم الذين يحولونوهم إلى هذه الصورة التي نرى عليها المجتمع من اختلاف في الطبائع والسلوك والفكر. والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء -أي: كاملة- هل تحسون فيها من جدعاء" أي: مقطوع بعض أجزائها. وهكذا اعتبر الإسلام الطفل بريئا طاهرا بالفطرة، غير شرير ولا وارث للخطيئة بل هو خير بطبيعته مستهدف لكل فضيلة، واعتبر المساؤئ التي تأتي من الإنسان في مراحله المختلفة إنما مرجعها إلى أصل التربية، سواء أكانت تربية منزلية أو مدرسية أو غير ذلك. ويرى علماء التربية أن سن العاشرة فيها تمييز بين النافع والضار والحسن والقبيح. فإهمال الطفل في هذه السن إهمال لإرادته المميزة، لذلك حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ضربهم في العاشرة إذا لم يصلوا، وبالتالي إذا لم يمتثلوا للمبادئ الأخلاقية والمثل الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الدين والإيمان : الدين كلمة عامة تشمل كل الأديان التي أمر الله بها عباده على مدى الأزمان, منذ هبط آدم إلى الأرض حتى جاء محمد بن عبد الله بالدين الخاتم الذي شمل كل هذه الأديان، بعد أن نضجت البشرية وأصبحت صالحة لتلقي آخر رسالات الله إلى الأرض. وقد جاء الإسلام ناسخا لبعض الأحكام في الأديان الأخرى, التي كانت تصلح لزمن دون زمن ولجماعة دون جماعة لتكون أحكامه صالحة لكل زمان، ولكل بني البشر وارتضاه الله دينا عاما لعباده، لموافقته الأصول الاعتقادية في الاعتراف بوجود الله خالق الأكوان، وتوحيده ووصفه بصفات الكمال, وتنزيهه عن صفات النقص. ولما اشتمل عليه من الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} . ووصفه الله بأنه الدين الحق {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} . وأنه ناسخ لما جاء قبله من شرائع قديمة، وأديان سماوية، طرأ عليها التحريف وأدخل عليها ما ليس منها، ومذاهب وضعية اصطنعها الإنسان لتلائم هواه ورغباته {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} . ووعد أنه سيحفظ هذا الدين ويحفظ كتابه "القرآن الكريم" من التحريف والتغيير والزوال مهما تألبت عليه قوى الشر. وعانده المعاندون {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} وفي الدين الإسلامي ما يحتاج إليه البشر. كل البشر؛ لأنه يشمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 كان الأديان السابقة، وحكى أخبار الرسل مع الأمم السالفة، ودعا إلى الاعتراف بوجود الله، وتوحيده ووصفه بصفة الكمال، من القدرة والإرادة والعلم، وغيرها من الصفات التي تليق بجلال الله، كما دعا إلى الاعتقاد بالبعث والحياة الآخرة، وما يلقى الناس فيها من حساب وجزاء، نظير ما قدمت أيديهم في الدنيا. وألزم المؤمنين الاعتراف بالأنبياء السابقين والرسل وما أنزل عليهم من الكتب. كنوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وهود وصالح ويوسف وموسى وعيسى وغيرهم صلوات الله عليهم. وبين أن لله ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأن هناك مخلوقات أخرى غيبية لا تدرك بالحواس "كالجن" وأن الإنسان كرم بين كل هذه المخلوقات {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} , ورفع الله قدر العقل الإنساني في الدين الإسلامي، فمنحه الحرية والاختيار فيما يعتقد، وبين أن الإيمان الصحيح ما كانت نتيجة للتأمل والنظر، والبحث والإقناع، ولم يجعل للإيمان التقليدي بما كان عليه الأباء والأسلاف أي أثر. ونتيجة لهذا كانت أوامر التكليف، وكان الثواب والعقاب. ومن نظرة الإسلام إلى الأمور الغيبية، كاليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار، والوحي والملائكة والجن، نجده يربط ذلك بصحة العقيدة، فإذا صحت العقيدة، رأى صاحبها أن هذه الاشياء ليست مستحيلة، بل هي ضرورية، لضبط السلوك الإنساني وتوجيهه إلى الخير، والاطمئنان إلى عدل الله، وهي ليست أغرب من القوى الخفية الموجودة على الأرض والتي يكتشفها العلماء كل حين، كالجاذبية، والكهرباء، والذرة، والنتروجين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وغير ذلك مما هو أسرار هذا الكون، وما زال العقل البشري يجد من أجل معرفته وكشفه. والدين الإسلامي في بساطة ووضوح، هو الدين الذي جاء مطابقا للرسالات الإلهية السابقة عليه. وإن خالفها في بعض الأحكام نتيجة عبث الأمم السابقة بتعاليم السماء، وخلطها بعناصر ليست منها، ونتيجة للظروف التي اقتضتها أحوال الأمم والبيئات في تطورها خلال القرون المتطاولة. وهو يتلخص في كلمتين هما قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. يقولهما العبد معترفا بوحدانية الله، مصدقا بما جاء به رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، عاملا بمضمونهما فكرا وقولا وفعلا. والإيمان في جوهره ليس عمل اللسان والبدن والذهن، وإنما هو عمل نفسي يبلغ أغوار النفس، ويحيط بجوانبها كلها من إدراك وإرادة ووجدان، يبلغ هذا الإدراك حد الجزم واليقين الذي لا يزلزله شك ولا تعتريه شبهة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} . ومع تمام الإدراك لا بد وأن يصحبه إذعان قلبي، وانقياد إرادي، يتمثل في الخضوع والطاعة لأحكام الله الذي آمن به مع الرضاء والتسليم {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . والإدراك، ثم الإذعان لا يكتملان إلا إذا كان مستقران في وجدان الإنسان ليتصرف على هدي العقيدة, ويلتزم بمبادئها الخلقية والسلوكية، ويلتزم بأحكامها عن يقين قلبي، وشوق روحي؛ لأنه يرى الله بقلبه وينطلق إليه من ضميره {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} . فليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الإيمان عملية تصور كآراء الفلاسفة والعلماء والباحثين، وإنما هو عملية يقين تزيل كل الأوهام والشكوك وتحول الإنسان إلى طاقة فاعلة للخير. قادرة عليه؛ لأن الخير كله في الحق، ولا حق من غير إيمان صادق {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ولست أتصور كلمة الإيمان في غير هذا المعنى، فما يذكره بعض الناس من قولهم إيمان، بالرأسمالية أو الشيوعية أو الوجودية أو غير ذلك من المذاهب والمبادئ التي يضعها الناس، ويصورون أن فيها صلاحهم، وهي في الحقيقة ما خرجت عن فكر إنساني بشري له من الأهواء والأغراض والدوافع ما نزعه إلى هذا الفكر أو ذاك. إن هذا لا يسمى إيمانا وإنما هو رأي معرض للصواب والخطأ، والنظر فيه يجب أن يكون بحذر ودقة. أما الإيمان بالله. فهو ذلك الإيمان الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب. ويجب أن يكون قائما على تصديق القلب بالله ورسوله، تصديق المطمئن المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، والذي ينبثق منه العمل الصالح والجهاد الدائب في سبيل الله، والقلب متى تذوق حلاوة الإيمان واطمأن إليه، اندفع لتحقيقه في دنيا الناس، محركا صاحبه إلى التضحية بالمال والنفس من أجل هذا الإيمان الذي لا يطيق الصبر على مفارقته في نفسه وفي نفوس الآخرين. لذلك رأينا المؤمنين في كل عصر يصنعون في مجتمعاتهم صنعة الكهرباء تنطلق من مركزها فتصنع الضوء والحرارة والعمل. وليس الإيمان الحق الناتج عن عقيدة صحيحة كالرأي الذي يراه الإنسان في لحظة من لحظات فكره، يمكن أن يتحول عنه أو أن يبدل فيه أو يغير تبعا لظروف الحياة ومقتضيات الأحوال، إنما هو جزء من كيان الإنسان، بل هو الإنسان كله، يموت في سبيله وهو راض، ويتحمل من أجله أقصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ألوان التضحية وهو سعيد. يقول الدكتور أحمد أمين1: "فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده. إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك وسرى في مخ عظامك، وتغلغل في أعماق قلبك. ذو الرأي فيلسوف يقول: إني أرى صوابا ما قد يكون في الواقع باطلا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم، وقد تقوم الأدلة على عكسه غدا، وقد أكون مخطئا فيه وقد أكون مصيبا. أما ذو العقيدة فجازم بات لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم، وهي الحق غدا، خرجت عن أن تكون مجالا للدليل وسمت عن معترك الشكوك والظنون. ذوي الرأي سهل أن يتحول ويتحور. أما ذو العقيدة فخير مظهر له ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته". الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات ويصف الأماني، ويثير الشبهات، ويبعث على التردد، والعقيدة تقتحم الأخطار، وتزلزل الجبال، وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ وتنسف الشك والتردد، وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لمراد الروح". وهكذا كانت عقيدة الإسلام، وكان الإيمان بها لدى المؤمنين مما غير وجه الأرض. وصنع في الفكر الإنساني صنعة قضت على الوثنية، وعبادة الأوثان، والخضوع للفرد واستعباد الشر، والتسليم لغير الله، وسيظل صنيعها قائما ما بقي المؤمنون بها؛ لأن فيها من القوة ما يدفع إلى الجهاد الدائم بالنفس والمال، واسترخاص العذاب والمحن في سبيل الله.   1 انظر فيض الخاطر جـ1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الدين والعلم : تطور العلم عبر عصور الحياة في مختلف فروعه، تطورا يتفق وحاجات الإنسان الملحة الدائمة، وبمقدار نضج البشرية كان تقدم العلم وتنوعه، وما زال أمام العلم الكثير -الكثير جدا- يبحث فيه وينقب ليكتشف الجديد مما هو مخبوء في هذا الكون، صنعته القدرة الإلهية ليكون في خدمة الإنسان أكرم مخلوقات الله، وليكون دليلا على أن هذه القدرة العالمة لا حدود لها، وإنها باقية دائمة لها السلطان والقوة، وإليها المستقر والمنتهى. وليس العلم ضد الدين، بل هو دليل يهدي إليه، ولو استعرضنا تاريخ العلم والعلماء بدون تحيز أو أحقاد، لوجدنا أن العلم منذ أقدم العصور كان وما يزال في خدمة الدين، وأن العلماء الراسخين المنصفين من مختلف الأجناس والملل، هداهم علمهم إلى الدين، وإلى الإيمان بأن وراء هذا الكون قوة عليا تديره وتنظمه، وترعى كل شيء فيه بميزان وحساب. وما ذلك إلا لأن العالم أقدر من غيره على استبانة ما في هذا الكون من ترابط وتناسق وأحكام، يتضح في كل جزء من أجزائه، وفي كل خلية من خلايا أحيائه، وذرة من ذرات جماداته، في نفس الإنسان وعقله في تعدد المخلوقات وتنوعها. في نظام خلق السموات والأرض. في اختلاف الليل والنهار. في الجبال والبحار والأنهار. فيما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها. فيما بث الله في الأرض من الدواب والأحياء في تصريف الرياح والسحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 المسخر بين السماء والأرض. وغير ذلك مما هو مدار البحث والفكر لدى كل علماء الدنيا منذ عرفت كلمة العلم والتعلم. فلا غرابة إذن أن يكون العلماء هم أساطين الدين وأعمدة الإيمان في مختلف العصور ومن كان منهم على غير ذلك، فهو إما واقع تحت تأثير مال أو سلطان أو قوة غاشمة تتسلط عليه، أو هو دعي وليس من أهل العلم حقيقة؛ لأن علمه لم يسعفه في كشف جوهر وجوده، فلا عجب أن يضل عن دنياه. وقد رأينا في عصرنا هذا، عصر الذرة والفضاء، أن العلم لم يستطع أن يحل المشكلات التي يعاني منها الإنسان في هذه الدنيا، وأنه لا بد من الدين يلقى الإنسان في رحابه الأمن والراحة والسلام؛ لأن هناك حوادث مفاجئة ومآسي تقع على الأرض دون أن تكون لها أسباب مفهومة، والمؤمنون يسندونها إلى القدر وإرادة الله، فلو لم يكن الدين والإيمان به ما استطعنا أن نتعزى عنها أو نحتملها. وكم من مثال على ذلك. طبيعة غاضبة بعد صفاء, كارثة طيران أو سفن بعد سعادة، أعاصير وزلازل وبراكين. متاعب نفسية وعقلية وقلبية وجسدية عجز الإنسان عن إيجاد وسيلة للبرء منها، مئات المشوهين وآلاف المصابين وملايين العجزة. كل هذه الأشياء على كوكبنا، والإنسان بكل ما له من براعة وعلم يعجز عن التخلص منها. والمؤمنون وحدهم هم الذين يرون أن هناك في هذه الدنيا أشياء وتصرفات لا يمكن أن نعيها بما أوتينا من علوم ومقاييس، ولا وسيلة لنا أمامها إلا أن نسلم بوجودها، ونسلم في الوقت نفسه بقصورنا عن إدراك كنهها، ونتجه إلى الله القوي القادر أن ينقذنا مما عجزنا عنه وعجز علمنا المحدود عن إدراكه ومقاومته أو معالجته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وليس معنى هذا أننا نكر العلم ومجالاته، ولكن معناه أننا نؤمن بأن العلم يبحث وينقب وقد يوفق أو لا يوفق، فإن وفق فنحن مؤمنون بما اكتشفه وإلا فالأمر لله وحده خالق العلم والعلماء. وقد جاء الإسلام ومعه منذ اللحظة الأولى الأمر بالقراءة والكتابة والتعلم، وكان أول أمر من السماء إلى الأرض، نزل به جبريل الأمين على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم. {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} . ولا يوجد في الدنيا كتاب دين كالقرآن، يقدر العلم، ويحترم أهله وينادي بانطلاق الفكر في كل جوانب الحياة، ينظر ويتأمل، في النفس والروح والحياة، في السموات والأرض. في تاريخ الأمم وعبر الزمان وسير الرجال. في المعلوم والمجهول. في دقائق خلق الإنسان والحيوان، والنبات، في خالق الكون وصفاته وأفعاله. في حكمة الخلق وعظمة الخالق. وغير ذلك مما يدعو المسلمين إلى البحث والدرس والتأمل في مختلف العلوم. يقول سبحانه وتعالى في فضل العلماء ومكانتهم عنده في "سورة الزمر": {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وفي سورة فاطر: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وفي سورة المجادلة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وفي سورة البقرة: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} وفي سورة سبأ: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} وفي سورة العنكبوت: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} والله سبحانه هو وحده واهب العقل للإنسان، وهو الذي كرمه وجعله أسمى المخلوقات وحباه بصفة العلم، بل وعلمه ما لم يكن يعلم. يقول تعالى في سورة العلق: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وفي سورة الرحمن: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وفي سورة البقرة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وفي سورة البقرة أيضا: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وعن نفس الإنسان وخباياها أورد القرآن آيات كثيرة ففي سورة الشمس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وفي سورة يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وفي القرآن الكريم آيات متعددة في غير موضع تتحدث عن النفس المطمئنة والراضية والمرضية واللوامة والإمارة بالسوء, إلى غير ذلك مما يتعلق بنفس الإنسان وصفاتها. وعن الروح والحياة والموت والبعث يحدثنا القرآن بما لا يدع مجالا للشك يقول تعالى في شأن الروح في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} وفي الحياة يقول سبحانه في سورة الإنعام. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وفي الموت والبعث يقول عز وجل في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} وفي سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وعن دعوة القرآن إلى النظر في خلق السموات والأرض يقول تعالى في سورة "ق": {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وفي سورة يونس: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} وفي سورة الأعراف: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} وفي تاريخ الأمم وعبر الزمان وسير الرجال قص القرآن قصص نوح وإبراهيم وإسماعيل وهود وصالح وعاد وثمود ولوط ويوسف وموسى وعيسى، وضرب الأمثال بأقوام هؤلاء الرسل والأنبياء وما حدث لهم. كل ذلك في سور كاملة في القرآن الكريم. تدعو إلى البحث والتأمل، وتحث على النظر والتفكر. وكان حديثه عن بعض هذه الأمم في أكثر من موضع. من القرآن دلالة على موقفها في الدنيا، وعظم مسئوليتها على ما فعلت خيرا أو شرا. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن القرآن يثير في نفوس المؤمنين حب العلم والتأمل وإطالة الفكر في تاريخ الحياة ليدركوا أبعاد مسئوليتهم العلمية والدينية والتي جعلتهم "أمة وسطا" وجعلتهم شهداء على الناس. وفي المجهول والمعلوم يقول تعالى في سورة النمل آية 88: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} وفي سورة "يس": {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فتلك دعوة إلى البحث في هذه الأشياء والعديد من مثلها مما هو وارد في القرآن للتعرف على حقيقتها وكشف بعض أسرارها. وعن المجهول طال الحديث في القرآن عن القيامة والساعة وأحوالها وكيفيتها. يقول سبحانه في سورة الحاقة آية 13: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} وفي سورة الواقعة: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ، خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ، إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا، فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} وفي دقائق خلق الإنسان والحيوان والنبات يقول سبحانه وتعالى في سورة "المؤمنون": {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وقد أثبت الطب في عصرنا الحديث أن هذا الترتيب الذي جاء في القرآن هو ترتيب تكوين الجنين في الرحم، وأن هذه الصفات والأشكال التي أوردها القرآن هي هي التي اكتشفها الطب الحديث بعد مئات السنين من نزول القرآن، حتى التسمية بالنطفة والعلقة والمضغة إلى آخره لم يستطع الطب أن يغيرها وهي المصطلحات المستعملة اليوم وستظل إلى ما شاء الله. وإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 العلم قد اكتشف دورة التكوين هذه. فهو عاجز عن معرفة الروح. وما هي ومن أين تأتي. وكيف تخرج وما زال التحدي الإلهي قائما على ذلك. يقول تعالى في سورة الطارق: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} وفي سورة الإنسان: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} وعن الحيوان وعظيم خلقته وانتفاع الإنسان منه يحركنا الخالق سبحانه للنظر والتأمل فيقول في سورة النحل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين} والنبات عالم بكامله، فيه الغرائب والعجائب، نموه، مذاقه. تنوعه. حياته, مماته. أليس ذلك جديرا بالبحث والتأمل يقول تعالى في سورة الأنعام: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وفي سورة عبس: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لم تقتصر دعوة القرآن إلى العلم والبحث والتفكر على ما ذكرت من مظاهر الحياة والأحياء في السموات والأرض، بل امتدت إلى أساس العقيدة الإسلامية نفسه، فلا إيمان إلا بالاقتناع والحجة، ولا يقين إلا بالبحث والتأمل. والله الواحد الأحد يقيم الدليل تلو الدليل على وحدانيته، داعيا عباده أن يناقشوا هذه الأدلة بالمنطق والعقل، وأن يؤسسوا إيمانهم على الحجة والاقتناع، وهو لذلك يضرب الأمثلة من واقع حياة الناس ومعاشهم. يقول سبحانه في سورة الأنبياء: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} وفي سورة "المؤمنون". {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} وينتقل القرآن من دليل إلى دليل ليثبت وحدانية الله، وإنه لا شريك له ولا ولد، وأن من يتخذون من دون الله أربابا إنما يعبدون باطلا. والمنطق والعقل يرفضان أن يكون لله شريك، تعالى الله عما يفترون. ومن هذا يقول المولى جل وعز في سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ} وفي سورة فاطر: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أعظم دقة هذه التساؤلات الإلهية إثباتا لوجوده، من سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} تساؤلات إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الإسلام، ما جاء إلا ليخاطب العقل والمنطق، ويحرك الفكر والوجدان، ويبعث في الإنسان الثقة بالخالق، والثقة بنفسه، والثقة في طريقه الذي يسلكه إلى عالم الإيمان والحق. ولم يكن موقف السنة من العلم والعلماء، إلا صورة مما جاء في القرآن الكريم، فالرسول -صلى الله عليه وسلم، حامل الرسالة، ومبلغ الأمانة يحرص في كل موقف من المواقف أن يجعل العلم نهج المسلمين ويقدر الرأي وأهله، وينادي في الناس. "العلماء ورثة الأنبياء". "فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" "لغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غدوة في طلب غيره من الخير. ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشره بالجنة". "إن الملائكة لتضع أجنحتها تواضعا لطالب العلم". "من طلب العلم لله, فهو كالصائم نهاره, القائم ليله, وإن بابا من العلم يتعلمه الرجل, خير من أن يكون أبو قبيس ذهبا له, فأنفقه في سبيل الله". "طلب العلم فريضة على كل مسلم". "اطلبوا العلم ولو بالصين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 "من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة". ومن لطائف ما روى ياقوت في معجم الأدباء. "إن الفقيه علي بن عيسى الولوالجي قال: دخلت على أبي الريحان1 وهو يجود بنفسه، قد حشرج نفسه. وضاق به صدره. فقال لي وهو على هذه الحال: كيف قلت لي يوما حساب الجدات الفاسدة "يعني ميراث الجدات لأم" فقلت له إشفاقا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا، أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا من أن أخليها وأنا جاهل بها. فأعدت عليه تلك المسألة حتى حفظها. وما إن خرجت من عنده حتى سمعت الصراخ". وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن أبناء الأمة الإسلامية في عصورهم المتقدمة، كانوا يدركون أن طلب العلم من المهد إلى اللحد، وأنهم اتبعوا سنة رسول الله حيث يقول: "اطلبوا العلم ولو في الصين" "لا بارك الله في يوم لا ازداد فيه علما". ولقد وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهل العلم بصفات كثيرة تتفق وجلال العلم في نظر الإسلام. وفي بعض أحاديثه أوصلهم بالقرب من درجة النبوة يقول: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، واما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل". وقد عرف المسلمون هذه القيمة العليا للعلماء والمتعلمين فحددوا لهم آدابا وقيما لا بد وأن يتمسكوا بها، وإلا خرجوا من دائرة العلماء أو ابعدوا من صفوف المتعلمين. ومن هذه الآداب والقيم. أن يكون علم العالم من أجل الله والحق. لا من أجل الدنيا والمغانم والجاه والسلطان، وأن يخلص في تعليمه للغير متحرين   1 هو ابن الريحان البيروني. عالم مؤرخ. فلكي. انظر معجم الأدباء لياقوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الدقة والصواب، متجنبا التحريف والخلط. وأن يعمل على تهذيب المتعلم، وحثه على الفضائل، وزجره عن الرذائل، وأن يتقبل النقد ومخالفة الرأي، وأن يكون صبورا ذا حلم وعدل. وأما المتعلم فهو مطالب، بحسن الخلق، وطهارة النفس ومقاومة الهوى، والتغلب على الشهوات، وأن يخلص في طلب العلم، ويصبر على البحث في مشكلاته، ويجد في تحصيله واثقا أن العلم لا ينتهي، وأن طلبه دائم ومتصل من المهد إلى اللحد. ومجمل القول أن الدين الإسلامي، دين علم وثقافة وتقدم وأنه نقل الإنسانية من الظلمات إلى النور، وحضها على التزود الدائم من المعارف الدينية والدنيوية، وقد ترك العلماء المسلمون للبشرية تراثا ما زالت الأمم تغترف منه وتقتبس ولم تعرف أمة قبل الإسلام أو بعده أنتجت ما أنتجته الأمة الإسلامية في مختلف فروع العلوم والآداب، ومن يرد إحاطة ببعض ما خلفته هذه الأمة. فليقرأ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، والذخيرة في محاسن الجزيرة, وجزيرة الأندلس لابن بسام، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب، ونفح الطيب للمقري وابن خلكان، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، والضوء اللامع في رجاء القرن التاسع للسخاوي، وغير ذلك من كتب تاريخ البلدان وتراجم الأعيان التي لا يتسع المجال لحصرها هنا. ويكفي أن نعلم أن كتب العرب وحضارتهم ظلت مصدر العلم والمعرفة في جامعات أوروبا إلى أواخر القرن السابع عشر الميلادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الدين وأسلوب المعاملة : حاولت المجتمعات الإنسانية منذ ميلادها، أن تضع لها أسلوبا للمعاملة يكفل لها الأمن والتضامن والمحبة، وحرص أهل الرأي والفكر فيها أن يبينوا الحدود التي يقف عندها الفرد, ليكون مقبولا من الآخرين ووضعوا الموازين والقيم التي يجب أن تسود في المجتمع ليتعاطف معه الفرد، ويشعر بالولاء له التفاني في خدمته. ولهذا تنوعت القيم الأخلاقية والسلوكية بتنوع الأمم وتعددها. حتى جاءت الأديان السماوية فخرجت هذه القيم من صناعة الإنسان ورغباته، إلى أوامر الإله وتشريعاته. وكانت بعض الأمم متفهمة للأوامر الإلهية متبعة لها فحصلت على حياة فاضلة ومجتمعات سعيدة راقية. والبعض الآخر ما لبث أن غير وبدل فيما جاءت به الرسل والأنبياء فضلت مجتمعاتهم وتاهت في دروب من الظلم والقسوة والاستعباد. وقد جاء الإسلام إلى الأرض وأهلها يعيشون على هذه الصورة الأخيرة من ذل واستعباد وقهر وجبروت. فساوى بين الناس، الغني والفقير, المرأة والرجل، الصغير والكبير, الحاكم والمحكوم. جميعهم في الإسلام متساوون. لا عصبية ولا حسب ولا جاه ولا سلطان. الكل أبناء آدم وحواء وإن اختلفوا في الموطن والبيئة والشكل. فلا تفاخر بالأنساب ولا تباهي بالألقاب. إنما الجميع أمام الله سواسية لا يتفاضلون إلا بالتقوى وفعل الخيرات يقول تعالى في سورة الحجرات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . وتحديد الإسلام للمساواة بين الناس يحقق أقصى درجات العدالة الاجتماعية. فهو يرى أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات. وإن دماءهم وأعراضهم وأموالهم مصانة الحق بدرجة واحدة, بصرف النظر عن مكانتهم الاجتماعية وحسبهم ونسبهم. ساوى بينهم في عملية القصاص {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} على عكس ما كان سائدا قبل الإسلام من التغالي في الدماء والجور في الأحكام. يقول تعالى في سورة المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . والمتتبع لتاريخ الأمم القديمة، كالإغريق والرومان والفرس واليهود، يجد أنها جميعا كانت تعترف بالعبودية وتؤمن بتفاضل الدماء، فلما جاء الإسلام وألغى العبودية وحرص على الحرية وحرم العصبية القبلية وجعلها من علامات الجاهلية المنفرة يقول -صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى عصبية فليس منا". واتبع المسلمون ذلك النهج في حياتهم الخاصة ومع الأمم التي عاشت معهم. ومن العجيب أننا بعد هذا التاريخ الطويل نرى بعض الإمم ما زالت تعتبر أفرادها من جنس مفضل على الأجناس الأخرى. وأن أصلها يرتقي على أصول الآخرين. وقصة التفرقة العنصرية السائدة في بعض بلاد العالم الآن من أمثال زنوج أمريكا وجنوب إفريقيا وروديسيا وغيرها تمثل تلك الردة الجاهلية التي قضى عليها الإسلام ومجها منذ أربعة عشر قرنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وقد حرص الإسلام على توجيه الناس دائما إلى أوجه الخير، فدعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك واجبا على كل مسلم ومسلمة ليوجد بذلك المحبة بين الناس ويزيل أسباب العداوة والبغضاء من قلوبهم؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم في المجتمع مقام الوقاية من الأمراض في جسم الإنسان، وقد تحقق ذلك في صدر الإسلام، فعلى الرغم مما كان عليه المجتمع العربي قبل الإسلام، من انحلال أخلاقي، وتفكك اجتماعي، نراه بعد الإسلام تحول تحولا جذريا، فبعد أن كان قبائل متنافرة، أصبح أمة تحررت عقولها من الأوهام ونفوسها من الشهوات. ومن البغي والعدوان والظلم، واستطاعت أن تفرض وجودها على العالم، وكانت عند الله خير أمة قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . لم يكتف الإسلام بدعوة الناس إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل شرح لهم أساليب المعاملة التي تحقق هذه الغاية فقال تعالى في سورة المائدة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وفي سورة الأنعام: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وفي سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ} وتحقيقا لأقصى درجات المحبة في المجتمع الإسلامي، نادى القرآن باتباع أساليب معينة في التعرف على الحقائق، واجتناب الظلم وقول الزور والتجسس والسعي بالغيبة والنميمة بين الناس. يقول تعالى في سورة الحجرات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} وليس هناك ما يفرق بين الناس، ويوقع العداوة في قلوبهم أكثر من سوء التعامل المادي، سواء أكان عن طريق البيع والشراء، أم عن طريق الإجارة والقرض. وليحمي الإسلام مجتمعاته من ذلك، وجه المسلمين إلى قواعد العدل في المعاملة فقال تعالى في سورة الأنعام: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} وفي سورة الأعراف: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} وفي سورة الإسراء: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} . وفي سورة الرحمن: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} وفي سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون} . والتعاون في الإسلام هو من أوفى أساليب التعاون التي تعمل الدول الآن -على مختلف عقائدها واتجاهاتها- على تحقيقه، وتقيم لذلك المنشآت والجمعيات والمؤسسات الضخمة، وتحرص على أن تضع لها الأسس والمبادئ التي تكفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 لها النجاح في تآلف المجتمع والمحافظة عليه من الغش والخداع والمضاربة. ودعوة الإسلام تعتبر أقدم دعوة تعاونية في تاريخ البشر؛ لأن المجتمعات الأوروبية لم تعرف النظام التعاوني إلا في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر. أي: بعد مضي ثلاثة عشر قرنا على دعوة الإسلام للتعاون. والتعاون معناه وجود مجموعات متآلفة متحابة تعمل في الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو المعمار أو غير ذلك من أوجه الحياة. وقد وضح ذلك القرآن الكريم في أرقى صوره يقول تعالى في سورة المائدة آية "2": {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . وفي سورة آل عمران: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} . وفي سورة البقرة: {ويسئلونك عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} . والرسول -صلى الله عليه وسلم، يوضح أسس المجتمع المتعاون القائم على الرحمة والمودة والحب فيقول في وصية لمعاذ بن جبل: "أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، ووفاء العهد وأداء الأمانة، وترك الخيانةن وحفظ الجار، ورحمة اليتيم، ولين الكلام، وبذل السلام، وخفض الجناح"، وينادي بالصفاء والمودة قائلا: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ويحث على العفو والتواضع، وعدم ظلم الناس واحتقارهم فيقول: "ما نقصت صدقة من مال. وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة". ودعوته إلى الحب والإخاء في المجتمع بلغت حد تحريم الهجر بين المتشاحنين فوق ثلاث ليال. يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ السلام". وحرم إيذاء الجار ودعا إلى التعاون معه حتى لكأن الجار شريك جاره في رزقه وماله يقول: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه": "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". تلك نبذة عن أساليب المعاملة في الإسلام، وهي الأساليب التي غيرت كل شيء في جزيرة العرب، وفي البلاد الإسلامية التي دخلها نور الله، ومستها يد الهدي الإسلامي وبها تطهرت النفوس من العدوات والأحقاد، ومن الشرك الظاهر والخفي ومن النقائص التي كانت فاشية في كل ربوع الدنيا. وصار المسلمون أمة واحدة متراحمة. بعد أن كانوا قبائل وشعوب متعادية. وأصبح التراحم بينهم صفة غالبة في أقوالهم وأفعالهم، فرفع الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ذكرهم، وأعلا شأنهم، وعلت كلمتهم ومكانتهم بين الأمم. وصدق قول الله في سورة التوبة: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الدين والمؤسسات الاقتصادية والسياسة الدين والمؤسسات الاقتصادية ... الدين والمؤسسات الاقتصادية والسياسية: أ- الدين والمؤسسات الاقتصادية: المؤسسات الاقتصادية في أبسط صورها البدائية، وأعقد صورها العصرية، لا تخرج عن أعمدة الحياة الثلاث: التجارة، والزراعة، والصناعة, والوسائل المستخدمة لتطوير وتقدم هذه الأعمدة، تدخل ضمن هذه المؤسسات. سواء كانت شركات، أو معامل، أو معاهد، أو بنوك. ولو أردنا تتبع نظرة الدين -في إيجاز- إلى هذه المؤسسات فإننا نرى أن الإسلام يدعم وجودها، ويدفع المرء إلى العمل فيها، ويوضح أسس العدالة التي يجب أن تسود في كل منها، حيث إنها عماد الحياة ومدار التكاليف الشرعية التي يقوم عليها، فمن أحسن فيها حسن دينه ومن أساء فسد دينه "إنما الدين المعاملة". وكلما كانت معاملة الإنسان قائمة على الصدق والوفاء والاجتهاد والصبر والتضحية كلما كان الإيمان الحق أقرب وألصق. وكلما كان على غير ذلك، كلما بعد عن الإيمان وأفسده شيطانه، فلا يجني إلا الخسران والضياع، وتركبه الهموم والأثام، ولا يجد لذة في دنياه وإن كان له مثل مال قارون سعة وعظمة. والإسلام لم يمنع معاملة بين الناس تنفعهم وتخلو من الضرر بهم والغبن بغيرهم. وإنما منع إجحاف الناس حقوقهم والضرر بهم، لذلك رأيناه يحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 البيع ويحرم الربا. {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . وحل البيع مقرونا بما يجب على المتابعين من صدق في المعاملة، ووضوح في الشيء المباع حتى لا يقع غش ومخادعة بين طرفي البيع والشراء. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من غشنا فليس منا" وآيات القرآن الكريم واضحة في ذلك {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [سورة الأعراف: 85] وتحريم الربا في الإسلام جاء من منطلق العدالة، التي تحرم على الغني أن يستأثر بماله وأن يحرم الفقير من العون والمساعدة على مواجهة مشاكل حياته، أو أن يغل يده عن المساهمة في إقامة المصالح العامة، فلا يقدم ماله للفقير أو للدولة إلا نظير زيادة على رأس ماله الذي أقرضه إياهم. وهذا الفعل إنما يؤدي إلى أن يزداد الفقير فقرا، والغني غنا، وأن تكون المجتمعات مليئة بالأحقاد والفتن والاضطرابات، والإسلام يبني المجتمع على أسس من العدالة والمحبة كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك في موضوع "الدين وأسلوب المعاملة". لذلك حرم الربا تحريما قاطعا. والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} [سورة البقرة الآية: 275] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُون} [سورة البقرة الآيتان: 278، 279] ولا شك أن تحريم الإسلام للربا، قضى على كثير من منابع الشر التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 كانت منتشرة في مجتمعات ما قبل الإسلام. تلك المجتمعات التي كان يأكل فيها قويهم ضعيفهم، ويستغل غنيهم فقيرهم ولا فضل للغني إلا أنه ذو مال، ولا ذنب للفقير سوى أن ظروف حياته لم تساعده على كسب المال وتوفره. وحل الجشع مكان الرحمة، فتقاضى الأغنياء ممن يداينونهم زيادة على رءوس أموالهم نظير تأجيل قضاء ديونهم. ومن هنا نشأت جماعات الثروة الفاحشة. وتكونت الرأسمالية الباغية، التي كان من نتيجتها الاستعباد والاسترقاق والإذلال بمختلف صنوفه وأخذت كل طائفة تتربص بالأخرى، فالغني يتربص بالمحتاج ليسلبه حريته ووجوده، والمحتاج يتربص بالغني ليسرقه أو يقتله أو يفسد عليه حياته، وأصبح المجتمع أشبه بغابة ليس فيها إلا الناب والظفر والتربص والغدر. وكان لا بد من القضاء على ذلك، ليحل محله التعاون والتراحم، فحرم الإسلام الربا بكل أشكاله وألوانه كما حرم كل كسب -فيه شبهة- يحصل عليه الإنسان, وبذلك نقل المجتمع إلى صورة العدالة والمحبة والإخاء تلك الصورة التي تتضح كاملة في قول الله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} . [سورة الروم الآيتان: 38، 39] وأحب أن أشير إلى أن الربا محرم أيضا في اليهودية والمسيحية، وقد جاء ما يدل على ذلك في الكتب المنسوبة إلى موسى عليه السلام, ففي الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التثنية. "لا تقرض أخاك ربا. ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وظل هذا التحريم عاما لليهود وغير اليهود حتى عصر "نحميا" الذي قال في الإصحاح الخامس من كتابه. "إن بكت العظماء والولاة وقلت لهم إنكم تأخذون الربا كل واحد من أخيه" وكأنه يريد أن يقول إن اليهودي لا يتعامل بالربا مع اليهودي, ولكنه يتعامل بالربا مع غير اليهودي. وكذلك نسب اليهود إلى موسى عليه السلام في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التثنية قوله: "للأجنبي تقرض بالربا ولكن لأخيك لا تقرض بالربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك". وهذا من صنع اليهود الذين يبيحون لأنفسهم ما يحرمون على غيرهم. ويرون أنهم شعب الله المختار، فلهم أن يفعلوا ما لا يجوز لغيرهم أن يفعله. ومن هنا نجد تفسيرا واضحا لسيطرة اليهود على البنوك ورءوس الأموال في العالم، وتكالبهم على التعامل بالربا، والسعي الدائب لجعله نظاما للمؤسسات الاقتصادية في معظم بلاد الدنيا. والإسلام يرفض كل هذه النظم التي تدخلها شائبة الربا، ويدعو إلى أن يكون التعامل مع البنوك والمؤسسات الاقتصادية قائما على نظام الربح والخسارة. بمعنى المشاركة والمساهمة لتقوم تلك البنوك أو الشركات أو غيرها بالاتجار لحسابها وحساب الآخرين, والعائد مهما عظم أو قل يكون من نصيب المساهمين. وبهذا ينتفي الربا وتتحقق العدالة. وفي المسيحية أيضا ظل الربا محرما منذ عهد المسيح عليه السلام حتى جاء "مارتن لوثر" فشدد في تحريمه وبين الكثير من الوجوه التي يحرم فيها في رسالته عن "التجارة والربا" وهو يقول: "إن هناك أناسا لا تبالي ضمائرهم أن يبيعوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 بضائعهم بالنسيئة في مقابل أثمان غالية تزيد على أثمانها التي تباع بها نقدا، بل هناك أناس لا يحبون أن يبيعوا شيئا بالنقد ويؤثرون أن يبيعوا سلعهم جميعا على النسيئة ... وإن هذا التصرف مخالف لأوامر الله مخالفته للعقل والصواب". وجاء الإسلام ليمنع كل كسب ينطوي على استغلال الآخرين, وكان تحريمه للربا؛ لأن فيه استغلال الضعف الإنساني من جانب, وانعدام المجهود البشري في تحصيل الماء من جانب آخر. والربا مع أنه استغلال لضعف ذي الحاجة، فإنه يحيل الإنسان إلى مستهلك فقط بدل أن يكون منتجا في الأصل ومستهلكا تبعا لذلك. وهذا مما يشيع البطالة ويقلل الإنتاج البشري ويؤدي في النهاية إلى انقراض المجتمع وفنائه. والإسلام أصلا يرى أن المال مال الله, وأن الناس مستخلفون عليه، فعليهم أن يبتعدوا عن كل شائبة في تحصيل المال وإنمائه. وأن ينظروا إلى "امتلاك المال" على أنه وظيفة اجتماعية يسخر فيها المال لخدمة الجماعة.؛ لأن مرد المال في النهاية إلى مالكه الأصيل خالق الفرد والجماعة معا. والله تعالى يوضح ذلك في مواضع كثيرة من القرآن ففي سورة البقرة آية 29 يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} . وفي الأنعام آية 165: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} . وفي الأعراف آية 10: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بضائعهم بالنسيئة في مقابل أثمان غالية تزيد على أثمانها التي تباع بها نقدا، بل هناك أناس لا يحبون أن يبيعوا شيئا بالنقد ويؤثرون أن يبيعوا سلعهم جميعا على النسيئة ... وإن هذا التصرف مخالف لأوامر الله مخالفته للعقل والصواب". وجاء الإسلام ليمنع كل كسب ينطوي على استغلال الآخرين, وكان تحريمه للربا؛ لأن فيه استغلال الضعف الإنساني من جانب, وانعدام المجهود البشري في تحصيل الماء من جانب آخر. والربا مع أنه استغلال لضعف ذي الحاجة، فإنه يحيل الإنسان إلى مستهلك فقط بدل أن يكون منتجا في الأصل ومستهلكا تبعا لذلك. وهذا مما يشيع البطالة ويقلل الإنتاج البشري ويؤدي في النهاية إلى انقراض المجتمع وفنائه. والإسلام أصلا يرى أن المال مال الله, وأن الناس مستخلفون عليه، فعليهم أن يبتعدوا عن كل شائبة في تحصيل المال وإنمائه. وأن ينظروا إلى "امتلاك المال" على أنه وظيفة اجتماعية يسخر فيها المال لخدمة الجماعة.؛ لأن مرد المال في النهاية إلى مالكه الأصيل خالق الفرد والجماعة معا. والله تعالى يوضح ذلك في مواضع كثيرة من القرآن ففي سورة البقرة آية 29 يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} . وفي الأنعام آية 165: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} . وفي الأعراف آية 10: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وهو يدعو الإنسان أن يكون منفقا لماله في وجوه الخير عن رضا واختيار، لا عن جبر وقهر، ويعتبر الإنفاق عن طريق الإلزام كأن لم يكن، يقول تعالى في سورة التوبة آية 54. {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} وقد أطلت الحديث حول موضوع الربا؛ لأنه من القضايا الهامة في الإسلام التي تتعلق بالمال وطرق استعماله في وجهه الصحيح، وأحب أن أعرض هنا رأيا للأستاذ العقاد رحمه الله يتعلق بهذا الموضوع يقول1: "ونحن لا نريد أن نقارن هنا بين الإسلام والديانات الكتابية في قضية الربا بأنواعه، ولكننا نريد أن نقارن بينه وبين المذاهب الاقتصادية التي يظن أصحابها أنهم يحيطون بحكمة التشريع العامة في جميع العصور؛ لأنهم حسبوا أن فترة من فترات الزمن تستوعب هذه الحكمة وتفرغ منها على نحو لا يقبل المراجعة والتعديل. فإذا خيل إليهم في وقت من الأوقات أن الحضارة مرهونة بنظام معلوم في المصارف والشركات خطر لهم أن يفرضوا هذا النظام بعجره وبجره على الماضي والحاضر والمستقبل في المشرق والمغرب وبين جميع الملل والأقوام، وطلبوا إلى أصحاب العقائد أن ينسخوها وإلى أصحاب الشرائع أن ينقضوها، وإلى أصحاب المبادئ الخلقية والفكرية أن يقتلعوها من جذورها، واجترءوا على من يناقضهم وينظر إلى مما فوق أنوفهم فاتهموه بالجمود والنكسة, وألقوا عليه تبعة الفساد والرجعة بالعقول إلى الوراء. وها هي ذي قواعد الحضارة التي يتعللون بها تتطلب اليوم من نظم الاقتصاد ما لم تكن تتطلبه قبل خمسين سنة، وسوف تتطلب بعد خمسين سنة   1 انظر حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص186 وما بعدها للأستاذ العقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ما لم تتطلبه اليوم، فما هو الميزان العادل الذي تصح فيه الموازنة بين هذه المذاهب وبين الدين؟ هل نبيح لهذه المذاهب المتقلبة أن تفرض سلطانها على الذي لا مزية له إن لم تركن من ضمائر الأمم إلى قرار مكين ثابت على تقلب الزعازع والأحوال؟ هل ننتظر من الدين أن يعرقل هذه المذاهب ويأخذ الصواب منها بذنب الخطأ فيحرم الصواب والخطأ على السواء. لا هذا ولا ذاك: بل يمضي كل مذهب إلى مداه المقدور، ويتسع الدين لأحداث الزمن فلا يتصدى لها في مجراها ولا يمنعها أن تذهب إلى مداها، وأن تضطرب اضطرابها لمستقر لها تمحصه الأيام". {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} سورة الرعد. وفي حديث الإسلام عن "الزراعة" حث للإنسان على النظر والتأمل وإدراك أن كل ما ينبت من الأرض، إنما هو من صنع الله الخالق المبدع، وأنه على الرغم من مجهود الإنسان وتفننه في الأعمال الزراعية، فإنه هو وحده الذي ينزل الماء ويسوقه عيونا وأنهارا فيشفق الأرض ويخرج النبت. ويبعث فيه الحياة. وعلى الإنسان أن يعمل ونظره على مبدع الكون ومصرفه. فلا يبخل، ولا يستأثر بما منح الله وأعطى, وأن يكون أمينا على ما رزقه الله، فيخرج زكاته، ويطهره بالصدقة ويصونه بالإنفاق في وجوه الخير. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [سورة عبس الآيات: 24-32] . وفي كتب الفقه الإسلامي تفصيل أوفى عن نظم الإيجار والمشاركة والعمل والعمال في الزراعة. فمن أراد التعمق فليرجع إليها. أما عن الصناعة وهي من أقوى الأسس في بناء الأمم وتقدمها، فقد أشار القرآن الكريم إلى موادها الأساسية، مبينا أهميتها للناس والحياة، فهو يقول عن الحديد عصب الصناعة {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} 1 وعن الملابس وما يرتديه الإنسان قال: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا} 2. وفي البناء والمعمار {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِير} 3. وهي وإن كانت إشارات عابرة في القرآن الكريم، إلا أنها تدل على احتواء القرآن للأعمدة الثلاثة للحياة من تجارة، وزراعة، وصناعة. ومسلك المسلمين في تطبيقها إنما يقوم على الأخلاق الإسلامية التي وضحتها في مسلك الفرد والجماعة في غير موضع من هذا الكتاب. وللفكر الإنساني في نظمها وأوجه العمل فيها كامل الحرية كما هو شأن الإسلام في كل أمور الدنيا، بشرط أن يظل منطق الحق والعدالة هو الحكم في سلوك المرء فيه، وأن يكون القصد منها تنمية المصالح العامة وعمارة الكون، لا الاستئثار واكتناز الأموال واستغلال الآخرين.   1 سورة الحديد الآية 25. 2 سورة الأعراف الآية 26. 3 سورة النمل الآية 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} من سورة البقرة. وقد بينا ذلك في موضوع الدين وأسلوب المعاملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ب- الدين والمؤسسات السياسية : تتألف الدولة كما يرى الفقه السياسي الحديث من عناصر ثلاثة: أرض وشعب وحكومة, وهي في نظر الإسلام تتكون من هذه العناصر الثلاثة مشمولة بكيان روحي يرفع من قيمة الإنسان فيها؛ لأن الإنسان مركب من مادة وروح، والدول والأمم مجموعات من الناس فإذا لم تقم في بنائها على العنصرين معا -المادي والروحي- كانت غير متوازنة في أمورها؛ لأن الإنسان لا يستقيم أمره إلا إذا توازن هذان الجانبان فيه: جانب الغرائز الفطرية التي غرسها الله فيه لعمارة الأرض، وجانب الضوابط الروحية التي تحول دون انقلاب هذه الغرائز إلى معاول مدمرة للإنسان والمجتمع1. وهذا ما تغرسه العقيدة الإسلامية في وجدان كل مسلم، وهو ما تقوم عليه الدول الإسلامية بناء وتطبيقا، وتتبعه في تكوين مؤسساتها السياسية والاجتماعية, فالإسلام يأمر بأن تقوم في كل مجتمع هيئة تتولى زمام تنظيمه السياسي {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} و"المعروف" الذي يجب أن تدعو له جماعة من جماعات المسلمين هو ذلك المنهج الإسلامي الذي يتصل بالأصول الكلية التي فرضها الإسلام لصالح المجتمع الإسلامي, وكل ما يترتب عليها من أحكام ومواقف و"المنكر" هو كل ما نهت عنه هذه الأصول الكلية، وكل ما يقاس عليها في إلحاق الأذى بالمجتمع. وفي الغالب تكون هذه الهيئة هي المسئولة عن نظام الحكم وما يتصل به من شئون السياسة والاقتصاد،   1 انظر نظام الحكم في الإسلام جـ2 ص12 وما بعدها للدكتور محمد عبد الله العربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وتكوينها في الإسلام يقوم على الشورى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} فالمجتمع الإسلامي يجب أن يستشار في تكوين هذه الهيئة. في كل ما يتصل ببنيانها ونظامها ووظائفها وأهدافها، وفي كل ما يتفرع عن الأصول الكلية التي أتى بها الإسلام وليس لهذه الهيئة سيادة على المجتمع بالمعنى المعروف في الفقه الغربي بل السيادة لله وحده. والناس جميعا سواسية، لا سيد ولا مسود فالأمة وحدها مصدر السلطات، والحاكم ملتزم بما تراه الأمة في شئون الحكم؛ لأن الشورى أثرها إلزامي في كل ما يقام من نظم حكومية، والأمة وحدها صاحبة السيادة في ذلك. وإذعان أفرادها لما يصدر عن الهيئة الحاكمة إنما هو إذعان لأمر المجتمع، الذي هو في حقيقته النائب وحده عن الله، وهو في إذعانه هذا يذعن بطريق غير مباشر لأمر الله. فالسيادة في الإسلام كما يقول الدكتور محمد عبد الله العربي1 "لله وحده لا لملك أو رئيس من البشر على عكس ما زعمه بعض الغربيين من ثيوقراطية الدولة الإسلامية. وليس أدل على ذلك من أن النبي نفسه وهو الذي يلتقى الوحي, ولا ينطق عن الهوى أمره الله بالاستشارة في شئون الدنيا التي يحرص على إسعاد البشر فيها؛ لأنها مزرعة الآخرة إنفاذا لفلسفة الإسلام الشاملة في التوفيق بين المادية والروحية في الإنسان. فقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} 2 {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 2. وقد اتبع المسلمون هذه المبادئ في إقامة الدولة الإسلامية, فرأينا العالم ينصح الجاهل والكبير يرشد الصغير، والمرءوس يوجه الرئيس، والحاكم يعلم   1 انظر النظم الإسلامية جـ2 نظام الحكم في الإسلام ص37 وما بعدها للدكتور محمد عبد الله العربي. 2 سورة آل عمران. 3 سورة الشورى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 المحكوم، والقوي يلين للضعيف. كل ذلك بقلوب مطمئنة، ونفوس راضية تحقيقا لدعوة الحق "بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وساروا في كل أمورهم على الشورى، فلم تعرف دولة الإسلام في أول أمرها حكما صدر من مركز السيادة والقيادة، بل كان الرسول نفسه وهو الملتقي الوحي عن الله لا يبرم أمرا من أمور الدنيا إلا إذا جمع أكبر عدد من الصحابة وقلب الأمر بينهم، فإذا ما أجمعوا على شيء نفذ رأيهم ولو كان مخالفا لما يراه هو، وكثيرا ما جاء القرآن الكريم مؤيدا لآراء الصحابة فيما رأوه متصلا بأمور دنياهم، وكان ذلك تأكيدا من الله لنبيه وللناس من بعده، أن جماعية الرأي بعد التشاور والبحث والتقصي تعصم الأمم من الزلل وتحميها من الوقوع تحت رغبات ماجن أو عابث أو مجنون أو مضلل، وقد صان هذا المبدأ الدولة الإسلامية في عصر النبي وعصور الخلفاء الراشدين من بعده. واستطاعت في فترة قليلة من الزمن أن يمتد سلطانها الروحي والفكري في ربوع المشرق والمغرب. وكان الناس في الأمم الأخرى يدخلون إلى الإسلام عن اقتناع ويقين، أن هذا هو الدين الحق، وأن مبادئه هي التي تكفل لهم الأمن والاستقرار، وترفع عن كاهلهم تسلط السادة واستبداد الحكام. ولم تستطع أمة النيل من المسلمين إلا بعد أن تركوا هذه المبادئ وتفشت فيهم رذائل شهوات الحكم، وتغلب عليهم الهوى الشخصي, ووجد الحكام المستبدون، وضعفت روابط الإيمان في قلوبهم فقل شعورهم بالمسئولية، ونظر بعضهم إلى بعض كوحدات مبعثرة لا يربطها رابط، وابتعد أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن ميادين الحياة، إما خوفا وإما يأسا من اتباع ما يقولون وحق على الجميع قول الله تبارك وتعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [سورة هود الآية: 116] وقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين من هذا اليوم فقص عليهم قصة بني إسرائيل قائلا: لما وقع بنو إسرائيل في المعاصي ودخل النقص عليهم في دينهم نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم ولم يمنعهم العصيان عن مخالطتهم، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ففرق كلمتهم وأذلهم وشتت شملهم. ثم قرأ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة الآيتان: 78, 79] ولكن المسلمين بعد عصر الخلفاء ما لبسوا أن تناسوا هذه التحذيرات والأوامر الإلهية, وتكالبوا على الحكم والسلطان, واتخذوا من شهواتهم وأهوائهم مادة بها يتفاخرون ويتكاثرون, وترك أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمتهم وانصرفوا إلى مادية الحياة ينغمسون فيها كغيرهم، فضعفت دولة الإسلام، وتداعت الأمم عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, ورأينا في عصرنا كل دول الإسلام محتلة من الأجنبي. تنتهبها أفكار غريبة على الإسلام وأهله، وتحركها مبادئ وقوانين تتنافى مع مبادئ الشرع وقوانيه، وسقطت هيبة المسلمين بسقوط حكامهم وعلمائهم وفقهائهم في متاهات الشهوات والرغبات. ولن تعود هيبة المسلمين ويقوى سلطانهم إلا بعودتهم مرة أخرى إلى نظام الحكم الإسلامي القائم على العدل والشورى والمساواة. ذلك النظام الذي يعاتب فيه النبي، ويحاسب ذو الجاه ويخشى الحاكم المحكوم، ويمتثل الظالم لأمر المظلوم. وكم هي واضحة الدلالة تلك الحادثة التي وقعت مع رسول الله حين اتبع رأيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ورأي أبي بكر بشأن أسرى بدر، وخالف رأي عمر ومن وافقه من جمهور الصحابة، فنزلت آيات من الله تعاتب النبي, وتقسو عليه في أنه لم يأخذ برأي الآخرين, وهو كما علم الله أوفق بحالة المسلمين في ذلك العصر قال تعالى في سورة الأنفال1: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وقد اتبع أبو بكر الخليفة الأول نهج الرسول فكان يستشير الصحابة فيما يعرض له من شئون الأمة، وكان يأخذ برأي الجماعة. وأحيانا برأي غيره حين تبدو آيات الحق في جانبه، وكان عمر يجمع كبار الصحابة بالمدينة ويمنعهم من الخروج منها ليتمكن من استشارتهم في أمور الدين والدنيا. وكم هو عظيم ذلك الحاكم الذي يقف ليخطب الناس في الجمعة فترده امرأة فيقول على الملأ: أصابت امرأة وأخطا عمر. والحادثة أشهر من أن تروى. وقد كانت ولاية هؤلاء الخلفاء بعد رسول الله بالبيعة العامة، ولا يمكن لأحد أن يدعي حقا في ولاية المسلمين بغير البيعة، التي هي في مصطلح العصر الحديث "الانتخابات الحرة". ولا يستطيع الحاكم الاستمرار في حكمه إلا إذا امتثل لرأي أصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يمثلهم في عصرنا الحديث ممثلو الشعب في مجالس "الأمة والنواب والشعب" وغيرها من هذه المسميات وهما معا "الحاكم، والنواب" لا يمكنهم الاستمرار في إدارة أمور الدولة إلا إذا كانت الغالبية العظمى من أفراد الأمة تؤيدهم وتؤازرهم؛ لأنه لا مصدر للسلطة العامة   1 الآتيان 66، 67. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 في الإسلام غير الأمة. ولا مرجع فيه للمسئولية العامة غير الأمة أيضا, وتنظيم هذه الهيئات الحاكمة قد ترك عاما في الإسلام، حيث عهد به إلى جهود العمل الإنساني يمضي فيه باجتهاده ليصطفي أكثر الأوضاع ملاءمة لاحتياجات الزمان والمكان، على ضوء المبادئ العامة التي يستخرجها عقل الإنسان نفسه من كتاب الله وسنة رسوله الكريم وأحوال الصالحين من السلف. وليس أولوا الأمر، الذين أمر المؤمنون بطاعتهم كما يقول الشيخ شلتوت1 "هم الرؤساء والحكام كيفما كان شأنهم، وما سلب المسلمين مبدأ الشورى سوى هذا التخريج الذي اتخذ في كثير من الفترات سبيلا لإخضاع الأمة للحاكم ولو كان غاشما ظالما، أو جاهلا مفسدا، وكذلك ليس "أولو الأمر" خصوصا المعروفين في الفقه الإسلامي باسم "الفقهاء أو المجتهدين" الذين يشترط فيهم أن يكونوا على درجة خاصة من علوم اللغة وعلوم الكتاب والسنة، فإن هؤلاء -مع عظيم احترامنا لهم- لا تعدو معرفتهم في الغالب هذا الجانب، ولم يألفوا البحث في تعرف كثير من الشئون العامة، كشئون السلم والحرب والزراعة والتجارة والصناعة والإدارة والسياسة، نعم، هم -كغيرهم- لهم جانب خاص يعرفونه حق المعرفة وهم أرباب الاختصاص وأولوا الأمر فيهم وهو ما يتصل من التشريعات العامة بأصول الحل والحرمة في دائرة ما رسم القرآن من قواعد تشريعية وتشريعات جزئية". والحقيقة أن الإسلام قد كرم العقل الإنساني، وأطلق حريته في الإبداع وتصور ما يتفق مع متطلبات الحياة في كل عصر ومكان واستطاع فقهاء الإسلام بناء على هذه القاعدة أن يستخلصوا من كتاب الله وسنة رسوله معايير عامة يهتدى بها في تفصيل جميع تعاليم الإسلام الكلية من خلقية واقتصادية وحكومية، واستطاعوا أن يضعوا الأسس الصالحة للمجتمع الإسلامي،   1 انظر الإسلام عقيدة وشريعة ص464 وما بعدها للشيخ محمد شلتوث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 متفقين فيما رأوه مع العقل والمنطق، مستنيرين بما أمر الله به، وبما ثبت باليقين عن الرسول والصحابة من بعده، واتخذوا من القياس والاستحسان ما أعطى آراءهم المرونة والقدرة على مواجهة كل جديد في أحداث الحياة غير المحدودة وتطوراتها غير المتناهية، ولم يعد للمسلم في مجال العبادات غير الامتثال والتنفيذ وأما في المجالات الأخرى، فإجماع الأمة على شيء منها لا يخالف نصا من نصوص الشريعة يعد حكما صالحا قابلا للنفاذ والامتثال له. {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} من سورة آل عمران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الفصل الثاني: طرق تدريس القرآن الكريم والعبادات تدريس القرآن الكريم مدخل ... الفصل الثاني: طرق تدريس القرآن الكريم والعبادات تدريس القرآن الكريم: القرآن الكريم ذو بناء فريد وتركيب معجز، لا يضاهيه كتاب في الكون كله. تأتي الكلمات فيه وكأنها بناء محكم بحيث لا نستطيع حذف كلمة ووضع أخرى موضعها، كما أن أسلوبه فيه من البيان ما يضطر الإنسان للتسليم به. وإذا ما نظرنا إلى الشكل في القرآن وجدناه غاية في الأهمية بحيث لو تغير شكل ووضع آخر موضعه اختل المعنى كلية، فلو قرأنا قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} بفتح لفظ الجلالة كما هو النص القرآني، كان المعنى أن العلماء هم الذين يخشون الله ويخافونه، ولو تغير الشكل بضم لفظ الجلالة بدل فتحه تغير المعنى وأصبح أن الله هو الذي يخاف العلماء ويخشاهم تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ومن هنا كانت طريقة تدريس القرآن الكريم، لا بد فيها من العناية بمخارج الحروف حتى تدل على ما نزلت من أجله، وإيضاح الشكل حتى لا يختل المعنى، ووصل الكلمات حتى يكون المعنى مترابطا. ولتحقيق ذلك لا بد وأن يدرك المعلم هذه الأشياء. 1- مخارج الحروف: "حلقية، لسانية، شفهية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 2- الربط بين الكلمات ربطا يتفق والمعنى المراد منها. 3- فهم المعنى إجمالا. 4- استخراج الحكم الشرعي، والهدف الاجتماعي والديني. 5- القصد إلى تجويد الأسلوب لدى الأطفال، وتعلقهم بأساليب القرآن. 6- القراءة الجيدة القائمة على الفهم واستخراج النتائج. ولا شك أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا إذا استطعنا أن نفهم التلاميذ ما تنشده الآيات الكريمة من الحكم والأهداف والمثل والغايات، وعملية الإفهام في تدريس القرآن عملية ضرورية وقد شددت عليها المدرسة الحديثة، بخلاف المدرسة التقليدية القديمة التي كانت تعتمد على مجرد الحفظ ولا تعتني إطلاقا بعملية الإفهام. والحقيقة أن المفهوم من المقروء في القرآن الكريم لا يأتي إلا بجهد من المعلم، وذلك الجهد في أبسط صورة يقوم على أسس ثلاثة: 1- فهم المعنى فهما إجماليا. 2- إجادة عملية الحوار حول هذا المفهوم مع التلاميذ، وضرب الأمثلة على ذلك من الأشياء التي تتعلق بخبرة التلاميذ. 3- الاعتماد على تمثيل المواقف والأهداف القرآنية تمثيلا يتفق وقدرات التلاميذ العقلية. ومن الملاحظ أن التلاميذ في المرحلة الابتدائية يتعلقون بالأشياء التي تمثل أمامهم والتي تصور تصويرا مشاهدا وواقعيا. فإذا ما بدأ المعلم بعد ذلك في عرض النص وقراءته كانت أذهان التلاميذ قد أعدت لتلقي هذا النص القرآني بألفاظه ومفاهيمه وأهدافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 والذي لا شك فيه أن كل ما ننشده من تعليم القرآن الكريم. هو تثبيت الأهداف الإسلامية في أذهان التلاميذ لينشئوا نشأة قائمة على تعاليم الإسلام، وأن نجود أسلوبهم وليس هناك في العربية أسلوب يعادل أسلوب القرآن. والطفل الذي يتعود تذوق أساليب القرآن وعشقها، يستطيع في مستقبل أيامه أن يكون جيد الأسلوب منظم الفكر، كما يستعذب الفكر العربي الإسلامي وأدبه، ولا يستثقل اللغة. فدراسة القرآن تخدم اللغة والأدب واللسان. ويجب علينا أن نجعل طريقة تدريس القرآن مشمولة بنقاط ثلاثة: 1- ربط الأفكار التي ترد في القرآن بالأفكار الإنسانية التي نعيشها كأمة مسلمة. 2- توضيح أن القرآن إنما هو دستور إلهي لبني البشر يجب أن يطبق في الحياة اليومية والعملية، فليس القرآن وثيقة يتبرك بها، أو يتندر الناس بأحكامها، أو يتغنى بآياتها كما هو حادث الآن في عالمنا الإسلامي. 3- يجب أن نلاحظ نقل هذا المفهوم من أذهان التلاميذ وطرحه جانبا. وأن نبث في قلوبهم أن القرآن دستور عملي يمارس في حياة الفرد كل يوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الحفظ وأهميته : قلنا قبل ذلك إن القرآن الكريم دستور المسلمين في حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لذلك فهو جدير بالحفظ والعناية به. ولا يمكن صيانة القرآن الكريم كما ثبت على مدى التاريخ إلا بالحفظ الجيد المضبوط بالشكل المدقق في النطق المحدد مخارج الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 لذلك فنحن نعلم أبنائنا طريقة حفظه والعناية به ليكون لهم منهجا في التعبد والحياة، وليتعرفوا عليه، ويتخذوا من أحكامه وأساليبه غاية لهم. ولا شك أن طرق الحفظ بالنسبة للأطفال تحتاج إلى مجهود وتنظيم من المعلم. فالطفل في الحلقة الأولى: "السنة الأولى والثانية الابتدائية" لا يستطيع قراءة القرآن معتمدا على المصحف أو الكتاب أو السبورة؛ لذلك راعى واضعو منهج هذه المرحلة أن يكون من السور القصيرة حتى يسهل على الطفل حفظها وتتبع ألفاظها. وعلى المعلم أن يسلك في تدريس القرآن الكريم لهذه الحلقة الخطوات التالية: 1- التمهيد: يمهد المدرس للسورة بحديث سهل في موضوعها. ومن المستحسن أن يناقش التلاميذ بأسئلة تمس الموضوع وتتعلق بالسورة ومعانيها. 2- القراءة النموذجية: على المدرس أن يقرأ السورة وحده قراءة نموذجية "ومعنى نموذجية" خالية من الأخطاء، واضحة مخارج الحروف. والتنوين والربط. يقرأ مرة ومرتين مراعيا ما يليق بالقرآن من الخشوع والتأني، والأطفال منصتون، ويمكن أن يكرر القراءة مرات عدة حتى يشعر أن التلاميذ جميعهم قد تأثروا بقراءته وأدركوا مخارج الحروف وصحة النطق. 3- القراءة الجمعية مع المدرس: يقوم المعلم بتهيئة التلاميذ إلى أنه سيعيد قراءة السورة أو النص جزءا جزءا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وعليهم أن يعيدوا بعده كل جزء يقرأه، ثم يقرأ المدرس السورة مجزأة ويراقب الأطفال وهم يقرءون بعده، ويرهف سمعه لنطقهم ويرشدهم إلى الصواب إذا أخطئوا. 4- المنافسة في القراءة الجمعية: يحاول المدرس أن يجعل مجموعة من الأطفال تعيد ما يقرأه, ثم يطالب مجموعة أخرى بالإعادة، ثم يطالب مجموعة ثالثة وهكذا. ويمكنه أن يثير التنافس بينهم لإجادة القراءة. 5- القراءة الفردية: بعد أن يتأكد المعلم من أن القراءة الجمعية قد أدت الغرض المرجو منها، ينتقل إلى القراءة الفردية، فيطلب من أحد التلاميذ أن يقرأ الدرس، ثم يطلب من تلميذ آخر وهكذا حتى يقرأ أكبر عدد من التلاميذ. والذي لا شك فيه أنه سيجد أكثر الأطفال قد تمكنوا من حفظ السورة كلها أو أغلبها وعليه حينئذ أن يجعل الحفاظ يقرءون معتمدين على أنفسهم, وأن يثير المنافسة بينهم، مع ملاحظة قراءة كل واحد منهم، وتصويب ما يقع فيه من أخطاء. وقبل نهاية الحصة سيجد أن معظم الأطفال قد حفظوا النص، وأصبح الأمر ميسرا على الآخرين. 6- أهمية المعنى وطريقة مناقشته: للمعنى في آيات القرآن الكريم أهمية عظمى، حيث إن القرآن لا يعني شيئا إلا إذا فهم معناه، وعرف من خلال هذا المعنى: ماذا يريد الشارع، وإلى أي شيء يهدف لذلك على المدارس أن يناقش أطفاله في معنى النص بأسئلة سهلة وهادفة، وإذا كان النص طويلا عليه أن يقسمه إلى وحدات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ويعالج كل وحدة بالشرح على حدة؛ لأن القرآن الكريم وإن كان يعطي أحكاما كلية متصلة ومترابطة، إلا أنه إذا ما قسم إلى وحدات سهل على الطفل إدراكه وربط أحكامه في مستقبل أيامه. 7- متابعة المعلم للتلاميذ: على المعلم أن يدرك أن الطفل مجموعة من الانفعالات تتأثر بما حولها، وأن يومه مشحون بأشياء متعددة، فإذا ما ترك لنفسه خلط بين الأشياء وضاع منه محفوظه. لذلك على المعلم قبل أن يبدأ في درس جديد من دروس القرآن الكريم أن يختبر تلاميذه فيما حفظوه قبل ذلك، حتى يتثبت من أنهم يحتفظون بما علمهم إياه. وأحب أن أشير إلى أن المعلم له حرية الاختيار فيما يراه مناسبا لتعميق المحفوظ لدى تلاميذه, وما يدل عليه من إرشادات وأحكام. وهو وحده الذي يستطيع أن يحدد الطريقة التي تناسبه وتناسب أطفاله لإيصال المعلومات وتثبيتها. هذا بالنسبة للصف الأول والثاني من المرحلة الابتدائية. وفي الصف الثالث والرابع، يمكن أن يسير المعلم على الخطوات التالية، مع مراعاة أن له الحرية أيضا في اختيار أنجع الوسائل -التي تتفق مع هذه الخطوات أو تخالفها- لإيصال المعلومات إلى التلاميذ وتثبيتها في أذهانهم، وتعميق المفهوم لديهم: 1- يمهد للدرس بأسئلة تثير انتباه التلاميذ وتشوقهم للموضوع الذي سوف تتناوله الآيات الشريفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 2- يكتب المعلم النص على السبورة بخط واضح وجميل مع مراعاة الضبط بالشكل، وأن تكون الكتابة بلون مخالف حتى يجذب انتباه تلاميذه، ويحرك مشاعرهم وأثناء كتابته للنص عليه أن ينبه التلاميذ إلى موضع السورة أو النص من الكتاب حتى يتابعه التلاميذ، وينشغلوا بقراءته والتقاط بعض الكلمات والمعاني منه. 3- يقرأ المدرس السورة أو الآيات من على السبورة قراءة دقيقة وخاشعة، ثم يعيد قراءتها من الكتاب كذلك والتلاميذ يتابعونه، حتى إذا ما انتهى من القراءة، طلب من بعض التلاميذ قراءتها، على أن يقرأ كل تلميذ جزءا محددا، ثم يليه غيره، تكرر هذه القراءة، وتصحح الأخطاء فور وقوعها، ويحسن إعادة القراءة من المعلم إذا وجد أن الأخطاء كثيرة وشائعة بين التلاميذ. 4- يمكن للمعلم أن يجعل التلاميذ يقرءون قراءة جماعية بأن يطلب من الفصل كله الترديد خلفه، أو أن يقسمه إلى مجموعات كل مجموعة تردد خلفه، والأخرى تستمع وتتابع في الكتاب، مع ملاحظة: الشكل، والوقف، والفصل، والتنوين. وذلك لا يكون في الصفين الثالث والرابع إلا في حالة تعذر النطق الصحيح للآيات من الأطفال، كأن تكون الألفاظ غريبة عليهم أو تحتاج في نطقها إلى إيقاع وضبط معينين. 5- إن المقصود من هذه الخطوات كلها، جعل التلاميذ يقرءون قراءة صحيحة وواعية، وأن يستطيعوا بعدها الاعتماد على أنفسهم ولذلك على المعلم أن يعود إلى القراءة الفردية مرة ثانية ليتأكد من أنه حقق مراده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 6- القراءة وسيلة للفهم، فهي ليست غاية في ذاتها، لذلك على المعلم أن يشرح الآيات شرحا مبسطا يجعل التلاميذ يدركون الأهداف والأحكام التي تدل عليها، ويكون ذلك بطريق الأسئلة ومناقشتها، ولا داعي للوقوف طويلا عند اللغويات، بل يكفي أن تفهم من السياق إن كان يمكن فهمها، وإلا فعليه شرحها بأبسط الطرق، ومن المهم أن يدرك التلاميذ أن هذا الذي يتعلمونه يتعلق بموضوع ديني يتصل بعقائدهم وحياتهم، وأن يفهموا تطبيق النص القرآني على هذا الموضوع. وبذلك نكون قد حققنا الربط بين آيات القرآن الكريم وواقع الحياة التي يحياها التلاميذ، وهذا يجعلهم يتعلقون بالقرآن ويستسهلون فهمه وإدراكه، بل ويعشقونه ويقبلون على دراسته بحب وشوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 تلاوة القرآن الكريم : تلاوة القرآن الكريم عمل تعبدي يصفي الروح ويهذب النفس، ويمنح المرء قدرة خارقة لمجابهة الحياة بلا خوف ولا ملل، كما يهيؤه لرحلة الآخرة بصورة تجعله مطمئنا لمستقبله واثقا منه كحاضره وماضيه تماما، لذلك كانت دروس تلاوة القرآن في المرحلة الابتدائية دروسا لا تقل أهمية عن دروس الحفظ والفهم والتبصر. وعلينا في دروس التلاوة أن نتأدب بآداب القرآن من رحمة ورقة وصفاء، حتى تشتمل تلاوتنا على الخشوع الذي ننفذ به إلى قلوب التلاميذ، والوصول إلى موقف يتفق وجلال القرآن وعظمته، ليتعود الأطفال على ذلك، ويصبح أمر التلاوة بالنسبة لهم موضع حب وشوق. وقد أشرت فيما مضى إلى كيفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 القراءة السليمة للقرآن، وأوضح هنا بعض ما أجملته هناك من أصول التلاوة. 1- يراعي المعلم وضوح الألفاظ، وإخراج الحروف من مخارجها، ومد الحروف والحركات المد المناسب حتى لا يختل المعنى بالإطالة أو الحذف. 2- مراعاة أحكام الوقف، فلا نقف إلا حيث يجب الوقوف، على ساكن، أو مد، أو هاء إن كان الحرف الأخير تاء مربوطة، وغير ذلك من أحكام الوقف المنتشرة في علوم القراءات. 3- الدقة في الفصل والوصل، والحرص على جعل الصوت معبرا عن المعاني، حتى يكون الإيقاع على أذن السامع متفقا وما تدل عليه الآيات من سلام أو حرب من وعد أو وعيد، ومع السلام يحسن خفض الصوت ورقته ومع الحرب رفعته وغلظته، وهكذا في الوعد والوعيد وغير ذلك من المعاني والأحكام الكثيرة التي يشملها القرآن الكريم. 4- للشكل في القرآن أهمية قصوى، لذلك على المعلم أن يلاحظ الضبط بالشكل ملاحظة دقيقة في قراءته، وكذلك في قراءة التلاميذ؛ لأن اللحن يغير المعنى ويفسد القراءة فسادا يصل في بعض الأحيان إلى جعل الإيمان كفرا، والحقيقة باطلا، ونحن نريد أن يعود أطفالنا على تلاوة القرآن تلاوة صحيحة تكسبهم فوق حب القرآن جودة في أسلوبهم وانطلاقا في ألسنتهم، لهذا فعلى المعلم أن يتابع قراءة التلاميذ, وأن يصوب أخطاءهم ويتبع في تصويبه طريقة الحوار والاستنتاج الذي يؤدي في النهاية إلى اكتشاف التلميذ للخطأ بنفسه. ويجب أن لا يقاطعه أثناء القراءة بل يتركه يتم الجملة أو الآية، ثم يبحث مع التلاميذ عن الخطأ فإذا اكتشفه أحد التلاميذ واصل القراءة، وإلا طلب إعادته مرة أخرى مع لفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 نظر التلاميذ إلى أن هناك خطأ ما ونحن بصدد البحث عنه واكتشافه فإذا فطنوا إليه ولم يدركه التلميذ القارئ، أوقف التلميذ عند الخطأ وجعل مكتشفه من زملائه يصوبه له. فإذا كان التلميذ قد اكتشفه بنفسه أشار إليه إشارة عابرة وواصل السير في القراءة. ومن التجارب المفيدة تقييد الأخطاء الشائعة في دفتر أو على السبورة ومحاولة تصويبها في معظم الحصص عن طريق الحوار والمناقشة مع التلاميذ، حتى تقضي على هذه الأخطاء وتستقيم الألسنة، ويستحسن أن نحتفظ بالعبارات المصوبة فقط وأن نمحوا الخطأ منها. حتى لا يعلق بأذهان التلاميذ إلا ما نتمناه من عبارات سليمة ونطق صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 القرآن والضمير : إن الأصل في الأخلاق الإسلامية يرجع إلى سلطة خارجية هي سلطة الدين، وأساس هذا الدين "القرآن" الواجب تعليمه وتعلمه. وقد شمل القرآن أبعاد الضمير ومظاهره، وارتقى به ليكون الدافع والمحرك نحو الكمال الأخلاقي في الإنسان، والصلة بين الدين الإسلامي والأخلاق عظيمة تبلغ حد التوحيد بينهما، فالدين وسيلة لتكوين الخلق، والأخلاق مظاهر تطبيقية لأسس الدين ومبادئه. ومنذ أقدم العصور والإنسان يتطلع فيما وراء الأفق يبحث عن شيء يستمد منه العون، ويركن إليه في ساعات اليأس والمتاعب والمحن، وهو في سبيل ذلك أرهف حسه وارتقى بشعوره، ذلك الشعور النفساني الذي هو بالنسبة للإنسان كالمرآة تنعكس عليها أعماله، فيرى فيها تقدير هذه الأعمال، ويتسنى له أن يحكم عليها بالخير أو الشر، وقد عبر علماء الأخلاق عن هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الشعور "بالضمير" وقالوا إنه هو الذي يقف من المرء موقف الرقيب، يحثه على أداء الصالح، وينهاه عن فعل الضار، ويعاوده بعد أداء الأعمال مستنكرا منه سوء عمله، مرضيا له عن جميل فعله "وهو ما يسمى براحة الضمير"، فلا توجد أخلاق بلا ضمير، سواء اعتبرنا أصل الأخلاق سلطة خارجية دينية أو اجتماعية أو قانونية، أو اعتبرنا أصل الأخلاق هو هذه السلطة النفسية الصادرة عن النزعات الذاتية والأفكار الباطنة، وليس من المتصور فصل الضمير عن الأخلاق، وبالتالي فصلهما معا عن الدين. إذ إن الدين هو محور الشعور الإنساني منذ الطفولة، ومن هذا الشعور يبنى الضمير الذي تقوم عليه دعائم الأخلاق, وما دام الضمير مكتسب من الدين فإننا نرى أن الإسلام يحل الضمير الديني محل الضمير الخلقي بحث يكون محور الشعور ومركز التساؤل "الرقيب" إنما هو الدين، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن الإحسان قال: "أإن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". والقرآن الكريم أصل الدين ومنبع فكره يبين أن الله تبارك وتعالى مطلع على ضمائر الناس. وأنه محاسبهم على ما في ضمائرهم. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فالضمير له قوة الحث على العمل الصالح، والنهي عن ارتكاب السيئات، ووظيفته الاطلاع والرقابة على الأعمال. والله يعلم السر والجهر، كما يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو سبحانه الرقيب على الضمير أيضا، ولا يكون الضمير سليم التوجيه والفعل إلا إذا كان مستمدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قواه من الدين ملتمسا هديه من القرآن ويرى القابسي1 أن إحياء الضمير لا يكون إلا بوسيلتين تتفرعان عن أصل واحد "وهو الإيمان الخالص بالله القوي العليم الغفور" والوسيلة الأولى "أن تعبد الله كأنك تراه" وهذا يقتضي من العبد أن يكون ملتزما بالطاعة والفضائل في كل أحواله؛ لأنه يشاهد الله في أعماقه كلما أقدم على فعل، وهذا يجدد إيمانه في كل لحظة، والوسيلة الثانية الاعتصام بالله؛ لأن الانزلاق الخلقي مرجعه اتباع الشهوات، ولا عاصم للإنسان من نفسه الأمارة بالسوء إلا الله. فإذا ما أردنا أن تكون مجتمعاتنا قائمة على الضمير، فلا بد وأن نعتني بتعليم القرآن، ذلك النبع الذي يفيض بالأخلاق السامية، والذي حدد في خطوات سهلة ميسرة سبل الإيمان بالله، والاعتصام به، وهي الوسائل التي تحيي الضمير، فتستقيم الأخلاق. وعلى المعلم أن يحرص في دروس القرآن على تعليم التلاميذ مبادئ الإيمان الصحيح، والعبادات المختلفة، ومراقبة النفس، والترفع إلى مرتبة الصالحين، والتوجيه إلى الله بالدعاء {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وليكن صوب عينيه أن العبادة في الإسلام ليست عبثا، وأنه مسئول أن يجعلها كالغذاء والهواء في حياة التلاميذ، فالصلاة وهي جوهر الإسلام عبادة الغرض منها معرفة الله، وذكره في كل وقت، ودوام الذكر هو السبيل إلى يقظة الضمير. لهذا   1 انظر "أ" نقد العلم والعلماء أو تلبيس إبليس لابن الجوزي - والرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين - للقابسي. الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتردية. التعرف لمذهب أهل التصوف للكلابازي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 كانت الصلاة المفروضة على المسلمين تؤدى في خمسة أوقات متفرقة من كل يوم ليدوم ذكر الله بامتداد اليوم والليلة، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} ، إذا استطاع المعلم أن يصل بهذا المفهوم وغيره من المفاهيم الإسلامية إلى عقول التلاميذ فقد حقق الغرض المرجو منه وإلا كان كمن يحرث البحر أو يزرع في الهواء. وقد كان أثر القرآن في المسلمين كبيرا، وظهر ذلك في أحاديث رسول الله ومأثور المؤمنين، وكلاهما يبين أن إحساس الضمير بالرضى والسكينة عند فعل الخير وإحساسه بالسوء والقلق عند مقارفة الشر، إنما هو من علامات الإيمان, روي عن عمر "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن"1. وفي الحديث ما يجعل فعل الخير موازيا في الأجر لأداء فريضة من فرائض التكاليف, بل لأداء ركن من أركان الإسلام، أو يجعله كفيلا عند الله بمغفرة فيها صلاح أمر المرء كله يقول -صلى الله عليه وسلم: "من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة، واحدة فيها صلاح أمره كله، واثنتان وسبعون له درجات يوم القيامة" 2. وفيه ما يجعل فضيلة من فضائل الخلق والضمير جهادا من أعظم الجهاد عند الله؛ لأن المرء له ميادين عدة يجاهد فيها، منها ما هو في سبيل العيش، والعمل والبقاء، ورد الظلم، وأعظمها ما كان في سبيل الله والرسول يقول: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" 3 ويرى -صلى الله عليه وسلم- أن التراخي في دفع الظلم والتهاون في الدعوة إلى البر والخير والمعروف،   1 مسند أحمد جـ1 ص18 طبع الحلبي. 2 رواه الشعبي عن أنس في الجامع الصغير شرح الحفي ص313، 314 جـ3. 3 رواه أنس بالجامع الصغير ص356 جـ3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 يكون سببا للعنة الله في الآخرة وفساد الأمر في الدنيا فيقول: "والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا أو لتقصرنه على الحق قصرا. أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم" 1 أهو كما لعن "اليهود". وفي الحديث ما يدل على أن النفاق فردي أو اجتماعي يكون سببا من أسباب الخذلان والفناء "إأن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كانه الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض" 2. والنفاق في المجتمع من الأمور القاتلة له والتي تؤدي به إلى الهلاك، والمنافق مرذول في الدنيا معذب يوم القيامة. يقول الرسول "ليلة أسري بي مررت على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء؟ -سائلا جبريل عليه السلام- فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" 3. ويدل على ذلك أيضا قوله: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه4 فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون. يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ... ؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه. وأنهى عن المنكر وآتيه" 5.   1 أخرجه أبو داود كتاب الملاحم باب الأمر والنهي/ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. 2 كت الملاحم ص36. 3 مسند أحمد جـ3 ص120 "الحلبي". 4 الأقتاب. الأمعاء. واحدها قتب. 5 صحيح مسلم 53 كتاب الزهد والرقائق حديث 51 طبع الحلبي تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 لأن الضمير مخفي وهو مركز الثقل في أعمال الإنسان, وربما يتوب المرء توبة تبدل سيئاته حسنات، وفي حديث الرسول ما يبين مقدار ترغيبه في الأوبة إلى الضمير والإنابة على الذنب؛ لأن هذا المذنب الذي يعاود الذنب مرة بعد مرة ثم يحاسبه ضميره في كل مرة فيتوب ويرجع إنما هو في حقيقة أمره يتعامل مع الله، ويقظة ضميره هذه هي التي تجعل الله يغفر له هذه المعاودة، ونفت عنه وصف الإصرار يقول: "لم يصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة"1 ويقول: الإمام الغزالي "المؤمن مفتن تواب. وهو بعيد عن الإصرار والإكباب"2.   1 من تفسير الفخر الرازي جـ1 ص311. 2 المنقذ من الضلال ص101 ط دمشق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أثر العبادة في تربية الإنسان : العبادة في الإسلام وسيلة للقاء العبد بربه، ذلك اللقاء الذي يتكرر كل يوم في الصلاة خمس مرات، وفي الزكاة والصدقة في كل لحظة، وفي الصيام شهرا من كل سنة، وفي الحج مرة في العمر. هذه اللقاءات بأشكالها وألوانها المختلفة، متقاربة ومتباعدة إنما تعمل على تأديب النفس، وتصفية الروح، وتثقيف العقل وتقوية الجسم. فهي تربي الإنسان تربية روحية، وأخلاقية وعلمية وجسدية، وتحثه دائما على الإيمان بالله. والإقرار بوجوده، والاعتراف باطلاعه على أعماله. وخشيته من جزاء الله العادل على ما يرتكب من خير أو شر. ومع اتصال العبد بربه ومداومته على طاعته. والتقرب إليه في عبادته، يتمثل في ذلك القول "رأس الحكمة مخافة الله" فلا يقدم على عمل أو قول إذا وثق أن في هذا رضا الله ورحمته. ومن هنا يبنى ضمير الفرد وينشأ معه نشأة تدفعه إلى التمييز بين الحلال والحرام، بدون حاجة إلى طقوس معينة أو تعاليم محددة تفرض عليه من خارج إرادته. لهذا كان الإسلام في بنائه للفرد متفقا مع فطرة الله التي فطر الناس عليها، ما إن يلتزم به الإنسان، ويتمسك بأركانه، ويتبع خطواته، ويهجر ما يخالفه، حتى يشعر وكأن هذه الأشياء متلازمة مع تكوينه، ملتصقة بوجوده وكيانه، لا يحس أدائها بتعب ولا عناء، ولا يشعر في القيام بها بتكليف أو إرهاق، وإنما هي التي تسيطر على وجدانه أو يسيطر وجدانه عليها. فيقبل على الخير في قناعة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ويبتعد عن الشر إيمانا وطاعة، كما يعمل على البر بأهله وبالناس، يساعد الضعيف، وينصف اليتيم، ويطعم المسكين. لا تجده أبدا في دائرة نفسه، بل يتجاوزها إلى المجتمع بأسره يعطيه ويأخذ منه، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يرتقي به ضميره مع كل حركة وقول وفعل من أقوال العبادة وأفعالها, فتشتد مخافته من الله في السر والعلانية. فيحيا حياة طيبة، متكاملة في جوانبها الإنسانية، فهو سعيد في نفسه، محترم من أبناء جنسه، موثوق به في قوله وفعله، مرضي عنه من ربه. وبذلك تكتمل سعادته في الدنيا، ويحظى بالأجر العظيم في الآخرة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وليس هناك شيء في الحياة "كالعبادة" يرفع عن الإنسان هموم الدنيا، ويزيل كرباتها ويخفف من ضيق الصدور عندما تشتد المحن، وتأتي الأيام بما لا قبل للإنسان بمعرفته أو إدراك سره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 العبادات وآثارها النفسية والاجتماعية : الآثار النفسية والاجتماعية للعبادات أكثر من أن تحصى. ويكفي أن أشير هنا، إلى أن العبادات تربي الضمير الديني عند الإنسان، وذلك الضمير يستمر مع الإنسان يساعده على طرد ما يخالف فطرة الإنسان الطاهرة النظيفة، حتى يصبح هو "أي: الضمير الديني" أساس الضمير النفساني والخلقي. فلا يرى الإنسان في نفسه ومن نفسه إلا ما يرضي ربه، ولا يرى في خلقه إلا ما يتفق وما يقوم به من عبادات تربطه بخالقه. لذلك كانت التربية الإسلامية بالنسبة للأطفال هامة جدا لكي نبني عندهم هذا الضمير الذي منه ستنبثق النفس الإنسانية وتنطلق إلى مجتمعها، تنشر فيه الخير والمحبة والرحمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وتأخذ منه الرضا والسعادة والثقة. ومن هنا أطلق العرب قديما على المعلم لفظ "المؤدب" لأنه هو الذي يطبع الطفل على العبادات، ويزرع في نفسه العادات، ويغرس في وجدانه طرائق السلوك الأخلاقي. وأدب السلوك في الإسلام مستمد من الدين نفسه علما وعملا، عقيدة وعبادة. ذلك أن الطهارة ركن أول في كل عبادة. والطهارة منها ظاهرة، ومنها باطنة، منها مادية، ومنها روحية. والعبادات في الإسلام تشمل الجانبين معا؛ لأن جوهر الإسلام الصحيح يجعل الدنيا سبيل الآخرة ولا يحرم زينة الله. وإذا ما نظرنا إلى الوضوء كطهارة، وإلى الغسل كذلك. لرأينا أن تلك الطهارة إنما الراد منها أن يكون العبد طيب الجسد، كما فعل العبادة نفسه يجعله طيب الروح، ففي النية في العبادة طهارة القلب كما في الإعداد لها من نظافة طهارة للجسد. وفي الزكاة طهارة للمال وفي الصوم طهارة للروح، وفي الحج طهارة شاملة للمال والروح والبدن، وتعويد الأطفال من الصغر على العبادات الإسلامية، يطبعهم على طهارة النفس وتصفيتها من شوائب الدنيا. لينطلقوا إلى الحياة بنور الله يهديهم ويدفعهم إلى الحق والفضيلة. والعبادات تعلم الطاعة والنظام. فالطاعة واجبة بنص الدين على الأبناء للآباء، وعلى الزوجة لزوجها، وعلى المأموم للإمام وعلى المتعلم للمعلم، وعلى الصغير للكبير، وهذا يؤدي إلى تناسق اجتماعي، وإلى بناء نفسية سوية لا تشعر بالضيق والملل من الأوامر والنظم الاجتماعية. والمعلمون والآباء والمؤدبون والناصحون والأئمة حين يقومون بتربية الشعب، صغارا كانوا أم كبارا، إنما يأمرون بما أمر الله به على لسان نبيه، وينهون بما نهى عنه. ولا تصلح تربية بغير طاعة، ولا تقوم جماعة بغير انقياد. ويتعلم المسلمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 النظام من العبادات. فالصلاة تؤدى في أوقات معلومة، وينتظم المسلمون في الجماعة وراء الإمام صفوفا متلاحمة كصفوف الجند. ويمسك المسلم في الصوم عند السحر، ويفطر عند آذان المغرب. وهكذا الشأن في كل عبادة. تؤدى في نظام ودقة، بطريقة محددة وفي وقت معلوم ... وإذا استطاع المسلم فهم العبادات فهما قائما على الوعي والتدبر انتظمت أسرته واستقام أمرها. وبها يستقيم أمر الشعب، ويقوم المجتمع ويحيا الناس حياة راضية مطمئنة. وكانت الأمة في مجموعها راقية، فلا فسوق ولا فجور، ولا جرائم ولا أحقاد، ولا أطماع ولا أنانية، ولا تجبر ولا تكبر؛ لأن الدين يدعوهم إلى أن يكونوا أخوة متحابين، يشكلون مجتمعا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وبذلك ترقى الأمة وتقوى جوانبها، فلا ينتقص منها عدو، ولا يطمع فيها طامع، ويشعر الناس بالسعادة والرضا، وينجو المجتمع من شرور النفس الإنسانية الحاقدة الطامعة. التي ما إن بعدت عن الدين والعبادات، حتى أصبح لا يرضيها شيء مهما كان، وإن بلغ مثل جبال الأرض ذهبا وفضة، وبالجملة فإن طهارة الجسد والروح بالعبادات، خير علاج للأمراض النفسية والاجتماعية، التي نراها اليوم تجتاح العالم مشرقه ومغربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 العبادات : الصلاة من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية : الإسلام في بنائه العام ينقسم إلى قسمين: عبادات، ومعاملات، وقد سبق الحديث عن مضمون هذه المعاملات من الوجهة الأخلاقية والنفسية والاجتماعية، وسوف أتناول هنا العبادات من هذه الوجهة أيضا، مركزا على طرق تدريسها وخاصة في المرحلة الابتدائية. ومن أول العبادات وأهمها الصلاة. تلك الفريضة التي فرضها الله على المسلمين في اليوم والليلة خمس مرات، في أوقات محدودة، بنظام معين، وترتيب محدد، يتجه فيها المصلي بوجهه -أينما كان- جهة المسجد الحرام بمكة، وهي تبدأ بالتكبير "الله أكبر" ثم قراءة الفاتحة، وبعض آيات القرآن الكريم إن أمكن، ثم يركع المصلي منحنيا حتى يستوي ظهره ممسكا ركبتيه بيديه ويقول في سره أثناء ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع رأسه حامدا لله قائلا: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ثم يخر ساجدا واضعا جبهته على الأرض، ويقول في أثناء سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع رأسه مكبرا، حتى يطمئن في جلسته، ثم يعود إلى السجود كالمرة الأولى، وتسمى هذه الأعمال "الركعة" يكررها المصلي مرتين في صلاة الصبح، وأربع مرات في الظهر والعصر والعشاء. وثلاث مرات في المغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وقد أمر الله بإقامتها لوقتها وفرضها على المسلمين فقال تعالى في سورة النساء الآية 103: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وفي سورة هود آية 114: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وفي سورة طه الآية 132: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} وفي سورة البقرة آية 238: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وفي سورة إبراهيم آية 31: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ووعد الله المؤمنين الذين يؤدونها بأعظم الجزاء، وبالفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة فقال تعالى في سورة "المؤمنون" 1، 2 {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} , وفي سورة المعارج 34، 35 {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} كما توعد الغافلين، وأنذرهم بأشد أنواع العقاب في الدنيا والآخرة قال تعالى في سورة الماعون 4، 5: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} وفي سورة المدثر 42، 43: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} والصلاة في حقيقتها خلوة قصيرة لمناجاة الله تشتمل على تفكر وتأمل وعلى ذكر ودعاء وعلى تلاوة القرآن، وهي وسيلة لتذكير الإنسان بربه. تنقله إليه، وتقربه منه، على الرغم من استغراقه في الأعمال اليومية الدنيوية التي توجه ذهنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 عادة إلى الكسب والربح أو إلى ملذات الحياة أو متاعبها ومشاقها، وأداة الصلاة والحرص عليها، مع اليقين والخشوع فيها، يمنع الإنسان من الاسترسال في الشهوات أو ميله إلى الظلم والشر والباطل وتقاوم فيه ضعفه النفسي وشعوره بالعجز. وتصله بمصدر القوة والحق والخير والعدل "الله الخالق الرازق, من له الحكم وإليه المصير". وأول ما يفعل الإنسان منها "صلاة الصبح" يؤديها فيما بين الفجر وشروق الشمس، ركعتان، يجلس في الثانية، ويقرأ التشهد ثم يسلم على اليمين وعلى الشمال بتحية الإسلام "السلام عليكم ورحمة الله" وتأتي بعدهها "صلاة الظهر" ووقتها ما بين الظهر ومنتصف المدة التي بينه وبين غروب الشمس. وهي أربع ركعات. ثم "صلاة العصر" ووقتها ما بين هذا المنتصف وبين غروب الشمس وهي أربع ركعات أيضا، يجلس المصلي بعد الركعتين الأوليين ويقرأ التشهد إلى "اللهم صل على محمد" ثم يأتي بالركعتين الباقيتين ويقرأ التشهد إلى نهايته ويسلم. وتأتي "صلاة المغرب" ما بين غروب الشمس وزوال شفقها من الأفق وهي ثلاث ركعات، يقرأ التشهد بعد الركعتين الأوليين. ثم يقوم واقفا ويكمل بركعة أخرى ويقرأ التشهد ويسلم. وخامس الصلوات "صلاة العشاء" ووقتها ما بين زوال شفق الشمس إلى ما قبل الطلوع الفجر، وهي أربع ركعات كالظهر والعصر. والصلاة في الإسلام لا تختص بمكان معين، فكل أرض نظيفة طاهرة، صالحة للصلاة عليها، وفي الحديث الشريف "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا". والمسجد الذي هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مكان الاجتماع للعبادة، ليس وجوده شرطا لصحة الصلاة، وإنما لجمع المؤمنين في صلاة الجماعة التي هي أفضل أنواع الصلاة؛ لأن فيها التعارف بين المسلمين والتآلف والتعاون على البر والتقوى، فالمسجد يجمع المسلمين ويوحد وجهتهم ويقرب بينهم، حيث لا كبير ولا صغير، ولا عظيم ولا حقير. بين يدي الله وفي بيته. لذلك كانت صلاة الجماعة التي يقف فيها المسلمون صفا أو صفوفا متراصة متساوية كوقفة الجند المنظم خلف واحد منهم، يتقدمهم إمام منهم ويتابعونه في أفعاله، كانت هذه الصلاة أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها الفرد وحده كما ورد في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وهناك من الصلوات ما لا تصح إلا في جماعة "كصلاة الجمعة" التي هي عبارة عن ركعتين يصليهما المسلم في كل أسبوع في جماعة، مع استماعه للموعظة، وتهيؤه لها بالنظافة والتطيب وليس أحسن ما عنده من الثياب، ووقتها وقت الظهر من يوم الجمعة، وكذلك صلاة العيدين "عيد الفطر" في أول يوم بعد شهر رمضان. "وعيد الأضحى" في اليوم العاشر من ذي الحجة. هذه الصلوات في مجملها تتخلل ساعات الليل والنهار، فتذكر الإنسان بموقعه من الكون وخالقه، وتذكره برسالته في هذه الأرض التي استخلفه الله فيها. وبما أمره الله به، وبالمثل العليا التي رسمها الله لحياته، وهي تزكي في المرء نفسه وأعماله، وفي الحديث الشريف $"مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم كثير الماء يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى عليه من الدرن شيء". وتسبق الصلاة بتطهير لأطراف الجسد أو الأعضاء البارزة من الإنسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وهي نفسها أعضاؤه التي بها يفعل الخير والشر, تطهيرا بالماء النظيف الطاهر الذي يرمز إلى تطهيرها من الإثم والشر والعدوان قال تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} . وإذا تعذر التطهير المادي بالماء لعدم وجود الماء أو لعذر طبي يستحيل معه وضع الماء على هذه الأجزاء أو بعضها، اكتفى المرء بما يدل عليه من التطهير الرمزي بتراب الأرض النظيف الطاهر وهو ما يسمى بالتيمم1. وهيئة الوضوء: تكون بغسل الوجه، واليدين إلى مفصل الذراعين والرجلين إلى مفصل الكعبين، ومسح الرأس، وإذا كان المرء جنبا وجب غسل البدن كله. والصلاة في الإسلام ليس بها طقوس معينة، ولا شكليات غامضة إنما هي عبارة عن قيام وقعود وركوع وسجود. وهذه حركات طبيعية تدل على مختلف أحوال الإنسان في الحركة والسكون. ولا تحتاج الصلاة إلى رجل معين من رجال الدين لا تصح إلا به كما هو الحال في الأديان الأخرى. وإنما كل مسلم يحسن الصلاة ويعرف كيفيتها وأحكامها يمكن أن يكون إماما للناس في صلاة الجماعة، ويمكن أن يصلي وحده في أي مكان طاهر من الأرض؛ وذلك لأنه لا وسيط بين الله والمصلين كما في الأديان الأخرى، والإمام عند المسلمين للقدوة وتوحيد الرأي والتجمع والتعارف. واستعلاء المثل العليا على المال والمنصب والجاه والقوة. إذ كل المصلين على اختلاف أحوالهم المالية والاجتماعية يكونون على صعيد العبودية لله، وإن كان إمامهم فقيرا لا سلطان له ولا مال ولا جاه.   1 والتيمم عند الفقهاء معناه "القصد والتوجه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وللوضوء فوائد نفسية وطبية: أما فوائده النفسية، فهو يشعر المرء بالراحة والسكينة، ويزيل عنه الكثير من المتاعب، وينقله إلى حالة من نظافة القلب بعد نظافة الأعضاء؛ لأن المرء به يكون قد استعد للقاء ربه. وبثه شكواه، إن كان له شكوى، أو شكره على نعمه الدائمة التي لا تنتهي. وهو يطفئ غضب الإنسان وثورته ويحل في قلبه الأمن والراحة، ويزيل عنه الأوهام والمخاوف. أما فوائده الطبية فهي كثيرة منها كما ذكر عدد كبير من الأطباء أن الوضوء الذي يوصى فيه باستعمال الماء البارد يؤدي إلى تقبض العروق الشعرية السطحية، ثم تعود إلى حالها بعد الوضوء، فيستفيد الجسم من ذلك فوائد متعددة. إذ يرتفع الضغط الدموي أولا، وتزداد حركة القلب، ويزداد عدد الكريات الحمراء، وتنشط المبادلات في الجسم وتقوى الحركات النفسية، فيزداد مقدار الأكسجين الداخل، وتكثر كمية ثاني أكسيد الكربون الخارج، وغسل الأجزاء المكشوفة بالوضوء له تأثير عام على الجسم إذ يفرز البول ويكثر من إفراغ السموم وتزداد الشهوة إلى الطعام وينشط الهضم وتتنبه الأعصاب الجلدية والأعصاب المحركة، وينتقل هذا التنبيه إلى جميع الأعصاب الوريدية والرئوية والمعدية، ومنها إلى جميع الأعضاء والغدد. وفيه الوقاية من أمراض الأسنان واللثة؛ لأن المضمضة والغرغرة والاستنشاق التي هي من سنن الوضوء تؤدي إلى القضاء على الأمراض التي تنتشر عن طريق الجهاز التنفسي أو الفم. وقد وضح ذلك في تقرير طبي للدكتور عبد الواحد الوكيل1 قال: "يؤدي الجلد للجسم وظيفة هامة جدا وهي إفراز العرق من آلاف غدد العرق   1 انظر "علم الصحة" للدكتور عبد الواحد الوكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الموجودة فيه، ويحتوي العرق على مواد دهنية وأملاح فإذا تبخر الماء بقيت الأملاح الدهنية وتراكمت على الجلد ... فإذا كان الجلد قذرا من تراكم هذه الأملاح والمواد الدهنية عليه انسدت مسام الغدد العرقية، وينتج عن ذلك أن عملية العرق لا تؤدى كما يجب، ووجود القذارة على الجلد قد يؤدي إلى حدوث عدوى الأمراض المعدية، وأن نظافة الجلد والأظافر هي من أهم لوازم الصحة الشخصية، فيجب غسل الوجه واليدين عدة مرات في اليوم، وبالأخص قبل النوم وبعده، وغسل اليدين قبل الطعام وبعده وبعد استعمال المرحاض، وإذا صافح الإنسان مريضا بمرض معد أو جلدي، أو إذا صافح شخصا قذرا. كما يجب على الإنسان أن يعنى يغسل مخارج الإفرازات، أما نظافة الفم فمن أهم الضروريات؛ لأن إهمال ذلك يؤدي إلى ازدياد الميكروبات بالفم وإلى تسوس الأسنان وإلى تقيح اللثة من بقايا الطعام, ويصير صديد الإنسان واللثة مصدر خطر كبير على جسم، لذلك يجب غسل الأسنان على الأقل مرتين في اليوم. هذا تقرير طبيب عالم بأحوال أعضاء الإنسان، ويضع الوقاية لها من الأمراض عن طريق النظافة، ولو نظرنا في تقريره. لوجدنا أن الوضوء للصلاة يؤدي ما أشار إليه وزيادة، ففي الوضوء غسل لجميع هذه الأعضاء التي أشار الطبيب إليها خمس مرات في اليوم والليلة، وهذه حكمة إلهية وكفى بالله عالما وطبيبا. وبالنسبة لبناء الأعضاء وتقويتها في الجسم، فقد سبق الإسلام بالصلاة كل أنواع التمارين الرياضية؛ لأن الصلاة فيها تمرين لكل عضو من أعضاء الجسم، وتأتي أوقاتها والجسم في أمس الحاجة إلى هذه التمارين فهي صلاة الصبح حيث نقاء الجو. والجسم ما زال مسترخيا من النوم، يقوم المرء بتمرين خفيف في ركعتين، وحين يحل بالإنسان التعب يأتي الظهر فيقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 بتمرين أكثر في أربع ركعات، وفي العصر حيث قارب يوم العمل على الانتهاء وزاد في الجسم التعب والعناء يقوم بتمرين ثالث لينشط الجسم ويعود إلى طبيعته فإذا ما جاء الغروب ومال الإنسان إلى الاسترخاء والراحة يقوم بتمرين رابع أخف من سابقه في صلاة المغرب. وقبل النوم حيث قد امتلأت المعدة بالطعام واستسلم المرء للراحة التامة. يقوم بتمرين خامس في صلاة العشاء ليذهب إلى النوم بعد ذلك، وقد أخذ كفايته من الحركة والنشاط، مما يجعل دورته الدموية في نشاط دائم وعضلات الظهر والمعدة، والفخذين والساقين في كامل قوتها من فعل الركوع والسجود. وهكذا تعتبر الصلاة أفضل رياضة بدنية يستفيد منها الجسم. وفي الصلاة كما في الوضوء فوائد نفسية متعددة؛ لأن الإنسان في الصلاة يتذكر ربه، ويدرك دائما رعاية الله له وأنه مشمول بعنايته، فلا يخاف ظالما ولا جبارا ويتقدم في أعماله بثقة ويقين أن أمره بيد من تقوم السموات والأرض بأمره، وإذا ضاقت به الحياة أو اشتد عليه حالها وجد في وقوفه بين يدي الله السلوى والعزاء, ولجأ إليه يطلب منه العون والمساعدة. وهذا فوق أنه يريح النفس ويطهرها. فإنه يوجد للإنسان مخرجا من كل ما هو فيه؛ لأن الأمر بيد خالقه وحده، وقد لجأ إليه فلن يرده خائبا. والصلاة فوق هذه الفوائد الصحية والنفسية والرياضية تعد عنصرا من عناصر البر والحق، الذي حث الله عباده عليه. قال تعالى في سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ولأن الصلاة فيها اجتماع على محبة من الله ورضوان، وفيها محو لفروق الطبقات. يكون الرجل بجوار الرجل على سواء، لا فرق بين غني وفقير، وأمير وسوقة، وحاكم ومحكوم، بل الكل سواء أمام رب العالمين، وفي بيت الله، فقد جعل الله إقامتها أول عمل بعد الإيمان، يدل على صدق المؤمن، ويستحق بها المرء أخوة المؤمنين وحبهم ورعايتهم قال تعالى في سورة التوبة1: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وهي أول دليل على إيمان المرء وتمسكه بتعاليم الله، واتباعه لأحكامه، والوسيلة العظمى للتقرب إلى الله والحصول على الأجر والثواب قال تعالى في سورة الأعراف: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} وليس في الحياة شيء يهذب النفس ويرتقي بها كالصلاة، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتطهر الأفئدة من غرائز الشر التي تفسد على الإنسان حياته، وتجعله مبغضا من الله، منبوذا من الناس، معذبا في معاشه وعمله قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} وفي سورة المعارج: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}   1 انظر في تفسير هذه الآية وما يتعلق بها, الكشاف جـ2 ص177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وقد اعترف بذلك المنصفون من أهل الرأي من غير المسلمين ففي المجلة الإسلامية الإنجليزية كتب "هراس ليف" يقول: "ما كان شيء في العالم ليقنعني بأن أي دين من الأديان يدعو إلى المساوة بين الناس، ولو أن بعضها يتظاهر بهذه الدعوة: فقد زرت كثيرا من الكنائس والمعابد فرأيت التفريق بين الطبقات داخل المعابد كما هو خارجها، وكان اعتقادي بالطبع أن الأمر لا بد كذلك داخل المساجد الإسلامية. ولكن ما كان أشد دهشتي حينما رأيت الشعور بالمساواة على أتمه بين المسلمين في عيد الفطر في مسجد "ووكنج بلندن" هنالك وجدت أجناسا مختلطين على اختلافهم في المراتب اختلاطا لك أن تسميه بحق أخويا، ولم أكن شاهدت مثل ذلك. ترى في المسجد نبويا من بلاد ممباسا يصافح عظيما من رجال الأعمال المصريين أو سياسيا من بلاد العرب. وقد ارتفعت الكلفة بين الجميع فلا يأنف أحدهم مهما عظم قدره من أن يجاوره في الصلاة أقل الناس شأنا, وإنك لا تجد أقل محاولة لتخطي الصفوف إلى مكان ممتاز بالمسجد؛ لأنه ليس هنالك أي مكان ممتاز. فالكل عند الله سواء لا فضل لأحد على سواه، وعندما صرح لي إمام المسجد بأن المسلمين يعتقدون رسالة جمع الأنبياء ويؤمنون بما أنزل إليهم كدت لا أصدق أذني. وكان هذا جديد استفدته عن الإسلام لذلك لم أعد أشك في أن هذا الدين يصلح لأن يكون دينا عاما". وإذا كان هذا رأي رجل غير مسلم، فحري بنا أن نعلم لماذا جعل الله ترك الصلاة عنوانا على الانغماس في الشهوات وطريقا للوقوع في الغي والضلال، وسبيلا للهلاك في الدنيا وسببا من أسباب الخلود في النار. قال تعالى في سورة مريم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وفي سورة المدثر: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} وعرفنا أيضا أن ترك الصلاة وعدم تدبر معناها، والامتثال لها عملا وروحا يعد علامة من علامات التكذيب بيوم الدين. قال تعالى في سورة الماعون: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وإذا اشتد الضيق بالإنسان، وأتته المحن من حيث لا يدري وتكالبت عليه الأوهام، وأصبح لا يجد لنفسه مخرجا فعليه بالصلاة، فإن فيها العزاء والفرج، والمناجاة والأمل. ولا عجب فهي لقاء مع الله الذي بيده العمر والرزق والصحة والسعادة. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "جعلت قرة عيني في الصلاة": ويقول تعالى في سورة البقرة آية 153: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} وفي الآيتين 45 و 46 من البقرة أيضا يقول عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وقبل أن أنهي حديثي عن الصلاة أحب أن أشير إلى أن الصلاة عبادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 لم تخل منها شريعة من الشرائع، فهي قديمة قبل الإسلام وكل الأنبياء والرسل أمروا بها. وعلموا قومهم إياها, وإن كانت تختلف بعض الشيء عن صلاة المسلمين. ولكنها تضم في معناها وهدفها ما تضمه الصلاة في الإسلام. وجاءت تعاليم الصلاة لرسول الله في رحلة "المعراج" وهو بين يدي ربه وأمر بنظامها وعددها وهيئتها وأوقاتها على رأي معظم الفقهاء والمفسرين ورواة الحديث. وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على قدم هذه الفريضة، كقول سيدنا إبراهيم يدعو الله تعالى أن يأخذ بيد ولده اسماعيل وأمه بعد أن تركهما في الصحراء عند بيت الله الحرام. في سورة إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وحين أمر الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة ناداهما {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة البقرة آية: 125] . وحدثنا المولى عز وجل عن عظمة إسماعيل وقيمته عند الله فقال تعالى في سورة مريم: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} ونبي الله لقمان يوصي ابنه فيقول له [سورة لقمان آية: 17] . {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ويأتي موسى عليه السلام، ويشتد الحوار بينه وبين بني إسرائيل فمرة يطيعون، ومرات يكفرون، حتى يأتيه أمر الله بميثاق وعهد يأخذه عليهم، ومن نصوص هذا الميثاق الصلاة. قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وفي سورة المائدة: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ويبث الله الطمأنينة في قلب مريم، ويخبرها بأنها طاهرة صادقة أم لنبي، وعليها أن تشكر الله على ذلك فتصلي له وتركع وتسجد، ويأتيها الخطاب بذلك من ملائكة الله الموكلين بها: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} . وحين أنطق الله عيسى وهو في مهده. كان نطقه بنبوته ثم بوصية الله له بالصلاة. التي هي عماد الدين كل دين. قال: كما جاء في القرآن الكريم على لسان عيسى عليه السلام من سورة مريم: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ومن هنا يتبين لنا قيمة الصلاة عند الله، وجعلها عصب الإيمان في كل دين، وروح العقيدة في كل رسالة، وأقرب الأفعال للتقرب إليه، وأسمى الأعمال لتطهير النفس والروح، وأسهل الوسائل وأيسرها للقاء الله ورفع حاجات المرء إليه بلا خوف ولا فزع، ومن أوامر الله إلى محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . ولهذا كله كان تدريس الصلاة في مدارسنا عملا علميا وتعبديا، يرفع مكانة المعلم والمتعلم، ويجعلنا في موقف من يحافظ على أديان الله كلها، ويصون كلمة الحق، ويحفظ لنفسه المكانة عند ربه ليلقاه طاهر النفس والروح والبدن. طريقة تدريس الصلاة في المرحلة الابتدائية: هي تلك الطريقة التجريبية القائمة على التدريب في المصلى، ومحاكاة التلاميذ لأستاذهم بعد أن يتوضأ أمامهم أكثر من مرة، ثم يطلب من بعض التلاميذ أن يحاكوه واحدا بعد واحد، ثم مجموعة بعد مجموعة، حتى يطمئن إلى أنهم قد أدركوا جميعا كيفية الوضوء. وأثناء قيام بعض التلاميذ بالوضوء يشرح المعلم للباقين ترتيب استعمال الأعضاء وكيفيته، ويناقشهم فيما يفعله زملاؤهم مبينا لهم الصواب من الخطأ، ويجب أن يكرر ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من حصة. حتى يطمئن إلى أن التلاميذ جميعا أصبحوا يجيدون الوضوء. وفي درس الصلاة يصلي المدرس أمام التلاميذ مرة أو أكثر، ويشرح قبل أن يصلي نوع الصلاة التي سيؤديها صبحا أو ظهرا، وكيف سيؤديها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ثم بعد الأداء يطلب من أحد التلاميذ ممن يجيدون الصلاة أن يصلي أمام زملائه، ويقف المدرس مع الآخرين في موقف خاضع. ثم يشرح لهم ما يفعله زميلهم، ثم يطلب من آخر أن يصلي ويلاحظه بدقة من حيث الركوع والسجود والقيام والقعود، ويصلح له خطأ كل فعل أولا بأول أمام التلاميذ حتى يدركوا مواقع الصواب والخطأ، وهكذا يتابع عملية التعلم من واحد إلى آخر حتى يصلي الجميع أمامه. وعليه أن يوجههم إلى أن هذه الصلاة تقرب العبد من ربه وتسهل له أمور دينه ودنياه، وتساعد على النجاح والفوز والسعادة. ويحثهم على أدائها في المنزل وفي المساجد في أوقاتها. ثم يتابع ذلك في حصص متفرقة حتى يطمئن إلى أن التلاميذ أجادوا أداء الصلاة وأصبحوا يحرصون عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الزكاة من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتهادية مدخل ... الزكاة: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية الزكاة في الإسلام فريضة تذكر الفرد بحق الجماعة في ماله الذي منحه الله إياه، سواء كان إرثا، أو عن طريق كده وكدحه وكفاحه، وهي في جوهرها وسيلة لتعليم الإنسان أن يعمل لغيره كما يعمل لنفسه، وقد جعلها الله إحدى دعائم الإسلام الخمس ليمتحن المؤمنين فيما تهواه أنفسهم من المال والمتاع، وهي واجبة الأداء على المسلمين في أموالهم النقدية، وأعيانهم التجارية، وفي المواشي والزرع والثمر بنسب محددة لا تعجز صاحب المال، وفي نفس الوقت تقوم بحاجة الجماعة وتزيل عن الغير همه، وتساعد على إنشاء المصالح العامة في الأمة وتقرب بين القلوب، وتزيل أحقاد الطبقات، وتبني مجتمعا متحابا متعاونا. تلك هي فريضة الزكاة التي جعلها الله قرينة الصلاة في غير موضع من القرآن الكريم, والتي يطهر بها العبد ماله، كما يطهر بالصلاة روحه. وقد قاتل المسلمون من ارتدوا عنها، واعتبروا في نظرة الإيمان خارجين منه. وأبو بكر الخليفة الأول يقول: "والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة". والله تبارك وتعالى يقول في شأن الكافرين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} . {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} 1.   1 الآيتان 5، 11 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 والإنسان بتأديته الزكاة يحس باشتراكه في النشاط الاجتماعي، ويشعر بأنه يؤدي للمجتمع نفعا وبأنه عضو عامل في هذا المجتمع، وأنه يسعى دائما لخدمته فيدفعه ذلك إلى الانصهار مع الناس والابتعاد عن التعالي الذي هو من ويلات المجتمعات غير الإسلامية، وبالتقارب بين الغني والفقير بهذه الصورة تتوحد الإرادة وتتآلف القلوب، فينطلق المجتمع في بنائه وتقدمه من غير عقد ولا خوف. ويحل السلام في النفوس محل الحسد والحقد والضغينة. وفوق هذا فإن الغني المعطي يشعر براحة نفسية تزيل عنه حب المال وعبادته، ذلك الحب الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى أن يصبح مالك المال عبدا له، بدل أن يكون المال وسيلة لتحقيق مصالحه. ومما يدل على قيمة فريضة الزكاة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين أرسل معاذا إلى اليمن أوصاه وصية ربط فيها بين شهادة التوحيد وبين الزكاة قال: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 1. وأمر الله بالزكاة واضح لا يحتاج إلى اجتهاد أو خلاف فهو تعالى يقول في سورة البقرة آية 43: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة}   1 انظر السيرة النبوية لابن كثير، تحقيق مصطفى عبد الواحد جـ 4 ص192 ط الحلبي 1966. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وفي سورة البينة آية 5: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 مقادير الزكاة : والزكاة واجبة على كل مسلم، ولو لم يبلغ الحلم، ولو كان محجورا عليه أو موكلا من يقوم بشأنه في ماله. فيجب على الوصي والوكيل أن يخرج زكاة هذا المال الموصى عليه أو الموكل فيه. وتؤدى كما يقول الشيخ محمود شلتوت1 "في الذهب والفضة. والنقد التعاملي كيفما كان والزرع والثمار، والمواشي، وعروض التجارة، وكل ما يتموله الإنسان في هذه الحياة". وهي تؤدى مرة كل عام، وفي الزروع والثمار عند تمام نموها، وكمال نضجها. ومقدارها كما جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة2 من غير تفصيل أو إسهاب كما هو موضح في كتاب الفقه. الإبل: إذا ملك الإنسان خمسا منها يزكي عنها بشاة من الضأن أو المعز، فإذا ملك عشرا أخرج شاتين. وهكذا كلما زاد العدد زاد المطلوب إخراجه من الزكاة على تفصيل محدد في كتب الفقه. البقر وفصيلته: إذا ملك الإنسان منها ثلاثين، اخرج عنها بقرة صغيرة تابعة لأمها   1 انظر الإسلام عقيدة وشريعة ص117. 2 انظر الفقه على المذاهب الأربعة جـ1 ص597 وما بعدها لعبد الرحيم الجزيري طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1970. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أي: بلغت من العمر سنة واحدة، فإن ملك أربعين أخرج بقرة عمرها سنتان, وهكذا كلما زاد رأس المال زادت النسبة المطلوب الزكاة بها على تفصيل موضح في كتب الفقه. الغنم ضأنا أو معزا: إذا بلغ ملك الإنسان منها أربعين زكى عنها بشاة من الضأن أو المعز إن كانت ضأنا، فإن كانت معزا فالإخراج من المعز، وإن كانت الغنم ضأنا ومعزا فإن كان الغالب أحدهما فالشاة المخرجة تكون منه وإن تساويا مثل أن يكون عنده عشرون من الضأن، وعشرون من المعز كان محصل الزكاة بالخيار في أخذ الشاة من أي الصنفين شاء، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان. وهكذا كلما زاد العدد بقدر محدد زاد العدد المطلوب التزكية به. وأما في المال: فمن يملك اثني عشر دينارا أو جنيها أو غير ذلك من العملة المقدرة بالذهب والفضة وجب عليه أن يخرج ربع العشر إذا مضى على ملكيته لهذا المبلغ عام كامل وعلى هذا النحو تقدر الزكاة مهما بلغ مقدار المال ما دام قد مضى عليه عام كامل, وهو في حوزة صاحبه أو في البنك أو مودعا لدى آخر أو غير ذلك من الوجوه المتعارف عليها في التعامل، وهناك تفصيل أوفى عن هذا الموضوع بكتاب الفقه على المذاهب الأربعة1. وفي عروض التجارة: القماش والحديد والأخشاب والساعات والأدوات الكهربائية وغير ذلك   1 المرجع السابق ص601-605. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 مما يتاجر فيه الناس في كل زمان ومكان فيجب أن تخرج زكاتها "ربع العشر" بعد مضي عام كامل من وقت ملك مواد التجارة بشرط بلوغها النصاب الذي تجب فيه الزكاة, وتتكرر زكاة التجارة بتكرر الأعوام ما دام النصاب كاملا، وكيفية إخراجها كما عند الشافعي1: "أن تقوم آخر العام بما اشتريت به من ذهب وفضة، أما إذا اشتراها بغير نقد فتقوم بالنقد الغالب في البلد, ولا بد في التقويم آخر الحول من عدلين؛ لأنها شهادة بالقيمة، والشاهد في ذلك لا بد من تعدده، والواجب فيها ربع العشر". ويضم الربح الناشئ عن التجارة إلى أصل المال في نهاية العام. وكذلك المال الذي استفاده من غير التجارة، وتخرج من ذلك كله. الزرع والثمار: قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} . وقال -صلى الله عليه وسلم: "ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقى غرب "دلو" أو دالية "دولاب أو آلة". ففيه نصف العشر". وذلك إذا ما بلغ النصاب وهو مقدر عند الشافعية بأربعة آرادب وكيلتين إذا تحصل للإنسان هذا القدر من زرعه وجب عليه إخراج الزكاة العشر إن كانت أرضه تروى بالمطر أو نصف العشر إن كانت تروى بالآلة, وفي الزروع والثمار التي لا تكال، يخرج الزكاة بالطريقة السابقة إذا بلغ إنتاجه ما يعادل 750 كيلو من الوزن الحالي. وذلك في مثل التمر والعنب والبرتقال، والخيار، والباذنجان، والرياحين، والورد، وقصب السكر وغير ذلك مما هو معروف في الزراعة الآن. وهناك تفصيل أوفى عن ذلك يرجع إليه2.   1 المرجع السابق ص607. 2 المرجع السابق ص615-620. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 والله تعالى قد بشر من يؤدي الزكاة بالفوز في الدنيا والآخرة, فقال سبحانه في سورة "المؤمنون". {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} وهذا الجزء الإلهي الذي أعده لمخرجي الزكاة، وتقديره تعالى لفعلهم يرفع الزكاة عن أن تكون إحسانا أو صدقة يتكرم بها الغني على الفقير. إنما هي حق معلوم فرضه الله ليصون كرامة الفقير، فلا يشعر بأنه موضع الصدقة والإحسان، بل صاحب حق قرره الله الذي أعطى هذا ومنع ذاك, وبهذا فإن الزكاة ليست وسيلة لمحاربة الفقر، قدر ما هي وسيلة لمحاربة جرائم الفقر، وليست منحة بقدر ما هي حق، وكل مجتمع تؤدى فيه فريضة الزكاة يشعر بالأمن والمحبة، وتزول منه دواعي الثورات المدمرة، وتمتد يد الفقير خدمة وعملا وجهادا لتنمية مال الغني، ولا تصبح الثروات مالا يكتنز في يد واحدة، بل يصبح خيرا سائلا يشد أزر الجماعة ويبني المجتمع وقد توعد الله من يمنع الزكاة بأشد عقاب وأرهبه، وسماه مكتنزا للمال. قال تعالى في سورة التوبة آية 34: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} والمراد بالكنز في الآية هو كل مال لا تؤدى الزكاة فيه, وإن لم يكن مدفونا في باطن الأرض. وأما الأموال التي تؤدى زكاتها فهي ليست مكنوزة وإن كانت مكنوزة فعلا. وإن كان ذلك أيضا مكروه؛ لأن فيه حبس المال عن المنفعة التي تعود على جميع أفراد الأمة غنيها وفقيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 من تصرف لهم : وأما عن الذين تصرف لهم الزكاة فقد حددهم الله سبحانه وهو عليم بعباده. وذلك في سورة التوبة آية 60: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} والفقراء والمساكين: هم الذين لا يجدون ولا يستطيعون أن يحصلوا ما يقوم بحاجتهم وحاجة من يعولونهم. وقد دعانا الله في مواقف كثيرة أن نمد أيدينا إلى هؤلاء الناس, وأن نزيل عنهم حاجاتهم، فجعل معظم الكفارات تصرف لهم، كما حدد لهم أيضا حقا في الغنيمة والفيء، ووصف الذين لا يمدون العون لهم بأنهم مكذبون بالدين, قال تعالى في أول سورة الماعون: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وليس الفقراء أو المساكين هم الذين يتصنعون ذلك في الشوارع وأمام المساجد وبين وسائل المواصلات، إنما هم الذين يعرفون بحالتهم الاجتماعية ولا يسألون الناس إلحافا. والعاملون عليها: هم الموظفون الذين تسند إليهم أمور تحصيل الزكاة من مصادرها في مواعيدها وبالمقدار الذي حدده الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد كانت الدولة الإسلامية في أول عهدها تقوم على هذا النظام حتى جاء الوقت الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أهمل الحكام فريضة الزكاة، وعمل الجشع من الناس عمله فهجروا هذه الفريضة وأصبح الفقراء ضياعا وسط اللئام، وهؤلاء الذين كانت تنطبق عليهم هذه الصفة لم يعد لهم وجود الآن. المؤلفة قلوبهم: هم ضعفاء الإيمان الذين يخشى المسلمون عليهم أن يرتدون عن الإسلام لحاجتهم أو تحت إغراء ما، وتنطبق هذه الصفة أيضا على الداخلين في الإسلام حديثا، أو من يقوم بقضاء مصالح المسلمين الهامة. وإن كان بعض الفقهاء قد رأى إسقاط هذا الصنف من دائرة الاستحقاق؛ لأن عمر رضي الله عنه أسقطهم بموافقة الصحابة جميعا، فإن ذلك وإن اتفق مع عصر عمر، فإنه لا يتفق مع عصرنا الحال الذي نحن فيه في أمس الحاجة إلى تأليف القلوب حول الإسلام والمسلمين لرد كيد الأعداء، ولسد الطريق على من يريدون شراء ذمم ضعاف الإيمان وتحريضهم على الخيانة والغدر, وإفساد روح الأمة بالكلمة أو بالفعل, والقرآن الكريم قد أمرنا بذلك وحرضنا عليه، وما جاء به القرآن لا يلغى بقول أو فعل أحد مهما مهما عظم شأنه، ولكن ظروف الحياة وتطبيقاتها تتغير حسب أوضاع الأمة ومكانتها. وفي كل الأحوال لا تخرج على دائرة القرآن, وإن كان عصر عمر رضي الله عنه كان من القوة بحيث لم تعد حاجة إلى المؤلفة قلوبهم فإن عصرنا نحن في أمس الحاجة إلى تطبيق هذا النداء الإلهي, ويا حبذا لو استعملناه في تأليف قلوب الملايين ممن لا دين لهم في إفريقيا وآسيا، وأشعرناهم بأن الإسلام دعوة الحق والخير لكل الناس، وإن دين الإسلام دين "الإنسانية" الذي يدعو أبناءه أن يمدوا أيديهم إلى كل الناس ولو كانوا من أقصى بقاع الأرض، إن هذا المبدأ لو طبق لقاوم بعثات التبشير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 التي تنتشر في هذه البلاد الإفريقية والأسيوية, ولكنا بذلك نقوم بنشر دين الله الذي هو مسئولية كل مسلم ومسلمة. وفي الرقاب: والمراد بذلك عتق العبيد، ذلك المبدأ الذي كان الإسلام أول دين يدعو إليه ويحرض الناس على فعله، ويقدم في كفارة الذنوب دائما عتق رقبة. وقد انتهى هذا الوضع في العالم، وإن كان هناك رق غير واضح, ويمكننا أيضا أن نستخدم المال في إزالته تحقيقا لأمر الله. ومن أمثال هذا الرق المستور، وجود كثير من الفقراء والمحتاجين الذين يعيشون تحت سلطان الأغنياء وكأنهم عبيد لهم وإن كان لهم بعض الحرية الشخصية. والغارمين: وهم الذين لحقتهم ديون لا يستطيعون أداءها بسبب تحملهم لتبعات مالية لبعض المصالح العامة كإصلاح ذات البين، أو لحقتهم بسبب ضياع تجارتهم أو خسارة كبيرة فيها أو في مصانعهم التي كانت تنتفع الأمة بها، وهذا الصنف من الناس موجود في كل زمان ومكان ونشاهد منهم في حياتنا الكثير. وليس منهم من لحقته الديون لفساد خلقي أو سوء تصرف أو إسراف وتبذير, وهذا التطبيق يؤدي إلى أن يشعر الناس بمعنى التضامن الإسلامي ولا يخشى أحد إلا الله فيما يقول ويفعل؛ لأنه يثق في أمته وفي كفالتها له عند الشدائد. وفي سبيل الله: وسبيل الله يعني المصالح العامة للمسلمين المتمثلة في هيكل الدولة الصحي، والتعليمي، والحربي، والمرافق العامة والطرق وشق الترع وإقامة الجسور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وسد الثغور وغير ذلك مما يحفظ للأمة قوتها المادية والروحية، ويساعد على بناء الفرد جسديا وتعليميا ويقوي من هيبة الأمة أمام الأعداء فيجعلها مرهوبة الجانب محفوظة المكانة. والله تعالى ليس في حاجة إلى مال الدنيا كله؛ لأنه هو خالقه وواهبه لعباده ولكن ما ينفق في هذه الوجوه يتقبله الله تعالى وكأن عبده قد قدمه إليه, قال تعالى في سورة التوبة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع عن بلده وبعد عنه ماله، واحتاج إلى مال ليقضي حاجته ويقوم بشئونه حتى يعود إلى وطنه، ومن هؤلاء من يذهبون في رحلات طويلة إما لقضاء حاجات الناس، أو للتعرف على أحوال المسلمين، وليس منهم من يكون في نزهة أو رياضة أو عمل غير مشروع مهما كان شكله أو لونه. وبنظرة دقيقة إلى هذه الأحكام والمواقف الإسلامية يتضح لنا أن الإسلام بمبادئه الإلهية قد حقق الأمان لجميع الناس, وقضى على المغالات في كل شيء, فعلى الرغم من أنه لا يعادي رأس المال إلا أنه يمنع طغيانه واستبداده ولا يعادي الملكية الفردية، ولكنه يمنع تجاوز أصحابها حدودهم، والاستئثار بمالهم. والإسلام يصون الملكيات، وفي نفس الوقت يخفف من الفوارق بين الطبقات بالزكاة والصدقة دون الالتجاء إلى مصادرة الأملاك, ويرى الإسلام أن المساواة المطلقة بين الناس شيء لا يتفق والنواميس الطبيعية؛ لأن من الناس الزكي والغي والقوي والضعيف، وحسن التصرف وسيئه، هذا غير ما هو معروف من اختلافهم في العلم والتعلم وطرق اكتساب الرزق. لذلك لا بد وأن يختلف الناس غنى وفقرا. ولكن ما يشدد عليه الإسلام هو أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 يتعاون الجميع على البر والتقوى، وأن يأخذ غنيهم بيد فقيرهم. ومن هنا كان قول الله تعالى في سورة الزخرف: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} . وهذه المبادئ الإسلامي ترفض مطامع أصحاب رءوس الأموال وجشعهم في الحصول على الثروة باستغلال الضعفاء، واستخدام الربا وعدم إخراج الزكاة، والتهرب من الصدقات الواجبة, كما ترفض أيضا مبادئ الشيوعية في الاستيلاء على الأموال وغير ذلك من المبادئ التي تقوم على المغالاة يمينا أو يسارا وإن ذلك ليحقق قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً} فالإسلام بحق هو الذي يحقق التوازن بين الشيوعية والرأسمالية، وهو دين العدالة والكفاية والرحمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 كيف تدرس الزكاة في المرحلة الابتدائية : من الضروري قبل أن نتكلم في طريقة تدريس الزكاة كأحد عناصر المنهج الديني في المدارس الإسلامية، أن نلقي نظرة على الأهداف التربوية لهذا المنهج. إن الزكاة في الإسلام كما سبق تمثل عنصرا هاما من عناصر بناء المجتمع الإسلامي، وهي فوق أنها ركن من أركان الإسلام فإنها تعد فلسفة تربوية ذات هدف محدود يتعلق بمشكلات الحياة، ذلك الهدف الذي رسمه الإسلام لتحقيق العدالة الاجتماعية والأمن والمحبة بين أبنائه، وعمد أن يجعل من هذا المبدأ الاقتصادي الهام وسيلة للحد من سيطرة المال على نفوس الناس، وبالتالي من سيطرته على المجتمع، وكان الإسلام بذلك سابقا لكل النظريات والأراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الاقتصادية التي جاءت بعده محاولة تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من سيطرة رأس المال، كما في النظريات الاشتراكية وغيرها من النظريات. وإن كانت الحاجة ماسة في كل منهج تربوي، أن يكون مرتبطا بالأهداف التربوية وبمشكلات الحياة. فإن الزكاة في المنهج الإسلامي يجب أن تعد فلسفة اجتماعية وهدفا تربويا تتخذ له كافة الوسائل المعينة على نقل المنهج إلى مجال التطبيق، ولن يتم ذلك عن طريق الحوار والمناقشة بين المعلم وتلاميذه، أو عن طريق عرض القيم والمثل التي تعمل الزكاة على إبرازها في المجتمع الإسلامي. إنما يتم عن طريق تحديد طبيعة السلوك المناسب للحياة الإسلامية: ومن أجل هذا يجب: 1- أن تقام في كل صف دراسي جماعة تسمى "جماعة الزكاة" يشرف عليها معلم يتحلى بتلك القيم الإسلامية، بقصد توجيه سلوك التلاميذ نحو التعامل مع هذه الفريضة في نطاق ما يملكون، وأما ما يتصورونه مستقبلا، وأن يعودهم أولا على الصدقة والإحسان، وثانيا على الهدف الأهم من الزكاة وهو التعاون, وثالثا على مواجهة الميول والحاجات طبقا لفلسفة إنسانية هي فلسفة الزكاة. 2- تكوين مدركات ومفاهيم وتعميمات حول الزكاة وطريقة أدائها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة على الفرد والمجتمع. 3- محاولة الوصول إلى التوافق الشخصي والاجتماعي عن طريق التعود على العطاء والمنح، والرضا أيضا بالقبول والأخذ من غير وجود حساسيات بين المعطي والآخذ، لنصل من خلال ذلك إلى المفهوم الإسلامي عن الغني والفقير وحاجة كل إلى الآخر. 4- العمل الصادق من خلال المدرسة على تكوين عادات حسنة تنتشر بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 التلاميذ, لا يكتفى لخلقها على الحصص الدراسية، وإنما يجب أن يحدد لها وقت من أوقات الدراسة، يقوم فيه التلاميذ بالممارسة العملية تحت إشراف رائد ممتاز، يراقب ما يجري هناك بعيدا عن التدخل أو فرض إرادته، ثم يلتقي بهم بعد ذلك ليبين لهم أوجه الصواب والخطأ, متخذا من المبادئ الإسلامية الدليل والبرهان. 5- التركيز في دروس الزكاة على خلق فلسفة للحياة تمس وجدان الطفل وميوله، وبيان تلك الفلسفة بالطرق العملية والوسائل الموضحة التي تساعد على تكوين سلوك محدد، وصور من التفكير والتعليل قائمة على الفهم والتقدير لهذه الفريضة الإنسانية "فريضة الزكاة". ولو تصورنا درسا نظريا عن الزكاة بالمدرسة الابتدائية فإنه يجب أن يتخذ هذه الخطوات: 1- التمهيد: ويكون بأسئلة توضح قيمة التعاون وأثره في حياة التلميذ مع أسرته وزملائه والمحيطين به. 2- بيان الهدف المقصود من الدرس. 3- الغرض: ويمكن أن يكون على النحو التالي: أ- قصة رمزية أو واقعية تبين جزاء الله لمن زكى عن ماله ومكانته بين الناس، وحرص الناس على معاونته والتقرب إليه، وكثرة الخير بين يديه، وأمانه على ماله ونفسه. ب- تمثيل عملية الزكاة بين مجموعة من التلاميذ, وبيان أثر ذلك فيما بينهم حين يتحقق فعلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 جـ- ذكر بعض آيات القرآن الدالة على الزكاة وتوضيحها بصورة مبسطة. 4- الحوار والمناقشة: ويكون ذلك في القصة التي عرضها المعلم، ثم في معنى الآيات الدالة على الزكاة، مع ربط المناقشة بما هو واقع في حياة الطفل من وجود فقير وغني وضعيف وقوي, وصلة الزكاة في الربط بينهم. 5- التقويم: ويكون بمحاولة معرفة إن كان الهدف من الدرس قد تحقق أم لا. وعلى المدرس أن يحاول من خلال ذلك كله أن يبين الحكمة من تشريع الزكاة، وأن يوضح الآثار الاجتماعية لها، وأن يربطها بالحياة الواقعية، هذا مع الحرص على التعامل مع جماعة الزكاة التي تكون في كل صف، حتى تتأكد تلك القيمة الإسلامية العليا في نفوس التلاميذ وتصبح مسلكا لهم في حياتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الصوم: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية الصوم في الإسلام رياضة روحية يدل عليها الضمير، ذلك الحارس الوحيد الذي يجعل من هذه الرياضة حقيقة واقعة بين العبد وربه. وهو مرتبط بالحاسة الخفية في الإنسان، تلك الحاسة التي تميز الحق من الباطل والزائف من الصحيح, وترتقي بالإنسان فوق رغباته وشهواته، ليدخل طائعا في منطقة الروح حيث الطهر النابع من حريتنا الداخلية العميقة الباطنة، التي أراد الخالق أن تكون طليقة من كل قيد من قيود الهوى، وحفظها من كل دنس، وجعلها مركز الثقل في صاحبها، يحيى بها، ويموت من غيرها، تلك المنطقة هي "روح الإنسان" حيث سريرته، ومناط تفكيره، ومنبع ضميره، ومحور أعماله، وهي مركز المساءلة التي عن فعلها قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" , والله وحده هو الرقيب عليها، يعلم سرها، ويدرك بعدها ويعرف كل صغيرة وكبيرة من فعلها. لهذا كان الصيام عبادة هامة؛ لأنها تنبع من هذا السر وتتصل به، وتدل عليه وكانت قيمتها عند الله عظيمة حيث يقول في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". وكما أن للصوم فوائد تتعلق بالروح، فإن له فوائد تتعلق بالجسد لذلك كانت فرضيته عامة على الأغنياء والفقراء معا، فليس المراد من الصوم إشعار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الأغنياء بحاجة الفقراء حين يحسون بمرارة الجوع والحرمان فحسب، وإنما المراد هو تطهير النفس وترقيتها، وتنقية الجسد من علائق كثيرة تتراكم عليه من تتابع الطعام كل يوم، ويقول الأستاذ عبد الرزاق نوفل في معرض حديثه عن الصيام1: "تقول أحدث نظريات علم الصحة أنه من الواجب -لا سيما على المتقدمين في السن- أن يصوموا يوما على الأقل كل أسبوع ... أو أسبوعا كل شهر, والأفضل شهرا كل عام .... إذ قد ثبت أن الإنسان غالبا ما يصاب ببعض البؤرات الصديدية التي تتكون داخل جسمه, وتصب إفرازاتها السامة في الدم ... ولا يشعر الإنسان بها إلا إذا زاد ذلك الإفراز.. فإذا الإنسان يمرض فجأة بأمراض قد يكون التسمم أقلها ... وقد عرف أن الصوم خير وسيلة لتجنب الإصابة بهذه البؤرات ... إذ عندما تقل المواد الغذائية في الجسم يبدأ الجسم في استهلاك أنسجته الداخلية ... وأول ما يستهلكه منها الخلايا المصابة التي تكون قد ضعفت نتيجة الالتهاب كما يذهب الصيام أية أورام صغيرة في أول تكونها ... ويمنع تكوين الحصوات والرواسب الجيرية ... إذ يحللها أولا بأول. وفي ذلك يقول الدكتور روبرت بارتولو: "لا شك في أن الصوم من الوسائل الفعالة في التخلص من الميكروبات وبينها ميكروب الزهري لما يتضمن من إتلاف للخلايا ثم إعادة بنائها من جديد". والصوم عبادة قديمة فرضها الله على الأمم السابقة على الإسلام قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وقد ثبت أن بعض الحيوانات تصوم أيضا "كالجمل" الذي يعرف الكثير من خواص صيامه من يقوم بتربيته والعناية به سواء كان من أهل البادية أو من   1 انظر الإسلام والعلم الحديث ص174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الفلاحين أو غيرهم وصيامه يؤدي إلى زيادي قوته وقدرته على العمل، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن أثر الصوم الطبي الذي أشرنا إليه إنما يتعدى من الإنسان إلى الحيوان أيضا. والوثنيون يعرفون الصوم طريقا من طرق الرياضة النفسية، وبه يتدربون على مقاومة الشهوات وتربية الروح وترقية الوجدان، وصوم الزعيم "غاندي" الشهور الطوال ليس بخاف على أحد، ولست مغاليا إذا قلت أن الصوم معروف عند كل كائن حي حتى النبات فالأرز مثلا له فترة "يصوم فيها عن الماء" ولو فرض وأصابه ماء في هذه الفترة قل الإنتاج إن لم يتلف نهائيا, وكذلك القمح وغير ذلك مما هو معروف لدى علماء النبات والحيوان. وهذه حكمة إلهية اقتضتها تعادلية الكون، واتساق بنائه وتكوينه. وفي يقيني أن الصوم عملية فطرية يشعر المرء بالحاجة إليها في فترات مختلفة ... وقد أخذت بها أشهر مصحة في العالم الآن "مصحة الدكتور هنريج لاهمان في درسدن في سكسونيا" حيث يقوم العلاج فيها بالصوم. ومن هنا نستطيع أن نقرر أن الصوم أحد أركان الإسلام الأساسية عبادة إنسانية راقية تقوي الجسد، وتصلح النفس وتهذب الروح، وتساعد على غرس الأمانة في نفوس النشء، وإن كانت التربية الحديثة تعمد إلى طرق عملية في تعويد الطفل الأمانة, فليست هناك طريقة تماثل الصوم، حيث يترك طعامه وشرابه بوحي من ضميره، ووازع من نفسه يجعله يخشى الله في كل ما يقول ويعمل؛ لأنه بالصوم يتعلم أن الرقيب الأسمى على كل شيء إنما هو الله خالق الكون ومانحه العافية والقدرة. وصوم المسلمين ليس هو الإمساك عن الطعام والشراب والجنس, وإنما هو الإمساك عن كل ما يخالف الإيمان والفضيلة والخلق وما لا يتفق وفضيلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 التقوى ومراقبة النفس قولا وإرادة وعملا. فالذي يتجه إلى غير الله كما يقول الشيخ شلتوت1: "بالقصد والرجاء لا صوم له، والذي يفكر في الخطايا ويشتغل بتدبير الفتن والمكائد، ويحارب الله ورسوله في جماعة المؤمنين لا صوم له. والذي يطوي قلبه على الحقد والحسد والبغض لجمع كلمة الموحدين، والعمل على تفريقهم، وإضعاف سلطانهم لا صوم له. والذي يحابي الظالمين، ويجامل السفهاء ويعاون المفسدين لا صوم له. والذي يستغل مصالح المسلمين عامة ويستعين بمال الله على مصالحه الشخصية، ورغباته وشهواته، لا صوم له، وكذلك من يمد يده أو لسانه أو جارحة من جوارحه بالإيذاء لعباد الله أو إلى انتهاك حرمات الله لا صوم له، فالصائم ملاك في صورة إنسان، لا يكذب ولا يرتاب ولا يشي ولا يدبر في اغتيال أو سوء. ولا يخادع، ولا يأكل أموال الناس بالباطل". وفي حديث رسول الله بيان ذلك كله فهو يقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وقوله: "ليس الصيام من الأكل والشرب. وإنما الصيام من اللغو والرفث". ذلك هو صيام المسلمين. الصيام الذي يخلق في المرء الصبر، ويعلمه القدرة على مواجهة الشدائد والمحن ويسلب من بين أنيابه غرائز الشر، ويرفعه فوق ترابيته ليرتقي درجة في عالم الروح، والصبر فضيلة يتعود عليها الإنسان فإن استعملها أصبح قادرا عليها، وبقدرته عليها تهون كل أمور الدنيا؛ لأنه ليس أيسر على الصابر من الحياة نفسها، ولا نعرف شيئا يعادل صبر الإنسان على الجوع والعطش والشهوة، يرى كل هذه الأشياء بين يديه وهو في حاجة إليها، ولكنه لا يقربها إيمانا   1 انظر الإسلام عقيدة وشريعة ص137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بالله وامتثالا لأوامره وثقة في عزيمته وإرادته ذلك هو صوم المسلمين ولا صوم يعدله. وقد جاءت آيات الله بفرضية الصوم واضحة كل الوضوح في أوقاته ونظامه وعلى من يجب، ولمن يجوز الإفطار مع القضاء قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . والآيات تبين أن صوم شهر رمضان مقصود بذاته؛ لأنه الشهر الذي بدأ فيه نزوله القرآن، وأن هنالك صوم تطوع في غير شهر رمضان يثاب به العبد وينتفع صحة وتربية وخلقا. وبينت أن للمريض والمسافر الإفطار في رمضان وعليه القضاء في أيام الصحة والإقامة، والمقصود بالإقامة هنا: الإقامة في بلده الذي سافر منه، أو المكان الذي يقصده بالسفر، بمجرد وصوله إليه يعود إلى الصوم؛ لأن رخصة الإفطار إنما هي للمشقة والمشقة تزول بزوال سببها وهو السفر نفسه. وتيسيرا من الله على عباده أباح للمقيمين والأصحاء الذين يشق عليهم الصوم ويسبب لهم جهدا شديدا، أو يعرضهم للخطر، كالشيوخ والحوامل والمراضع، الإفطار في رمضان، وعليهم أن يطعموا مسكينا واحدا عن كل يوم يفطرونه. وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ومعنى "يطيقونه" يتحملونه بشدة ومشقة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 حيث إن الإطاقة لا تكون إلا في الشيء الصعب، فلا يقال فلان يطيق الاستحمام في بيته ولكنه يقال يطيق عبور المانش مثلا. وإن كان الصوم كله أمانة بين العبد وربه فمرجع المشقة أو عدمها إنما هو مسئولية الفرد وحده، وله أو عليه تقع التبعة والله تعالى يقول: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} كمال قال سبحانه تماما: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وهذا شأن الدين الإسلامي دائما، يحرر الإرادة ويطلق العقل، ويعلم الحرية، وبها يحاسب، وعليها مدار التكليف. ولا نجده أبدا في فرض من فرائضه أو حكم من أحكامه يقصد الإرهاق أو العسر، وإنما يقصد التقوى والتطهير وصلاح الفرد والمجتمع، والصوم في أدائه ورخصه مثال على ذلك. كيف ندرس الصوم في المدارس الابتدائية: لكي نعرف كيف نعلم أطفالنا فريضة الصوم تطبيقا ومعنى وأثرا، فإنه يجب أن يدرس المعلم الانفعالات الخاصة بالطفل، وأثرها على تقبله لنوع من المعلومات، وكذلك معرفة حاجات التلاميذ ومشكلاتهم؛ لأن هذه الأشياء لها تأثير كبير في عمل المخ الإنساني ووظائفه، وكذلك في الجهاز العصبي بكل تعقيداته، فإذا أدرك المعلم أثر هذه الانفعالات وتبين حاجات التلاميذ ومشكلاتهم أمكنه اختيار الوقت المناسب لينقل لهم لونا ما من ألوان المعرفة يتفق مع انفعالاتهم ومشاكلهم. وتلميذ المرحلة الابتدائية غالبا ما يكون عند دخوله المدرسة في سن السادسة ويستمر بها حتى سن العاشرة أو الثانية عشرة على حسب النظام التعليمي السائد في المجتمع، فقد تكون المرحلة الابتدائية أربع سنوات، وقد تكون ستا. ولكن معظم البلاد، ترى أن سن السادسة أو السادسة والنصف هي السن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الملائمة لبدء الطفل تعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب وبعض المعارف الدينية. لذلك كان بدء المرحلة الابتدائية هو في هذه السن، وفكرة التلميذ عما حوله في هذا العمر تدور حول خبراته السابقة في دور الطفولة ورياض الأطفال، ويستطيع تحديد المدركات الكلية، وتزداد قدرته على هذا مع انتقاله في صفوف المرحلة، حتى إذا ما وصل إلى نهايتها عرف بصورة ما النظام والمساواة والحرية والحق والواجب، وأدرك معنى كلمة الدين والفرض والسنة، واستطاع أن يفرق بين أمر يأتيه من قبل إنسان وأمر مركزه السلطة الإلهية، وعرف أبعاد الطاعة والمعصية، ومعنى التقرب من الله أو الابتعاد عنه, وتتكون لديه قدرة على الاستيعاب والفهم وحل المشكلات، كما يستطيع أن يدرك شيئا من العلاقات بين الأشياء، وتتكون له ميول محددة أكثر موضوعية، كما يميل إلى الاهتمام بالعالم الخارجي، والتعرف على كثير مما يجري فيه، وبخاصة على أشياء معينة تستهويه ويميل إلى معرفتها وينتج من هذا كله الإطار العام لبناء شخصية هذا الطفل الذي نعلمه في المدرسة الابتدائية، لذلك يجب على معلم الدين أن يعمل جهده لمساعدة تلاميذه على إعلام دوافعهم، والسيطرة عليها وتكوين ما يسمى بالضمير الخلقي عندهم. وأن يوجه ميولهم نحو الدين، وأن يعمل على تنمية هذه الميول بالمثل الصالح والتطبيق الفعلي في سلوكه ومنطقه وتصرفه. والصوم كرياضة روحية عالية يجب أن يعالج بطريق المناقشة, وأن يهتم المعلم بتوضيح حكمة الصوم، وآثاره الدينية والخلقية وأن يذكر الآيات الكريمة المتعلقة به, موضحا مفهومها في إيجاز, وكلما كان درس الصوم في شهر رمضان كلما كان أوقع وأثبت في نفوس التلاميذ, حيث يكون المدرس نفسه صائما وحيث يكون بعض التلاميذ صائمين وعندئذ يمكنه أن يناقشهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 في أحاسيسهم بالصوم وآثاره في نفوسهم وفي أجسامهم. وعليه أن يشير إلى بناء الأخلاق والسلوك وأهمية الصوم في هذه العملية, وأن يقوم بدور التوجيه والإصلاح بين المتخاصمين أو المتنازعين من تلاميذه في هذا الشهر بالذات, مبينا لهم أن الصائمين لا يتشاتمون ولا يتخاصمون؛ لأنهم في صومهم يرتقون إلى درجة الملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتنازعون. وينتقل معهم من حالة المعرفة بالصوم وأحكامه ومبطلاته إلى بيان الحالة الروحية التي يمر بها الصائم. تلك الحالة التي تمنح المؤمنين القدرة على التأمل والصبر، وتدعوهم إلى التخلص من أخطائهم والسعي نحو الكمال وإرضاء ربهم في الفعل والقول. ولا يتم ذلك مهما حاول المعلم إلا إذا كان قدوة لهم واعيا بآمالهم وأحلامهم. مدركا لانفعالاتهم ومشكلاتهم العاطفية والوجدانية. ويجب أن يكون التمهيد للدرس شاملا لبيان: أ- قدرة الله ووحدانيته. ب- حتمية الإيمان، وضرورة التسليم لخالق الكون ومبدعه. جـ- أثر الفرائض في الربط بين العبد وربه. د- أهمية الصوم في نقاء النفس، وطهارة القلب، وسلامة الجسد. هـ- كمال العقيدة في السر والجهر؛ لأن الصائم لا يطلع عليه إلا خالقه وحده. و الحث على مراقبة الله في كل شيء. وأما بالنسبة لعرض الموضوع. فيرجع إلى المعلم ومهارته في إدارة الحوار والمناقشة مع تلاميذه, ليصل إلى الأهداف التي ينشدها، والمعاني السامية التي تتضمنها فريضة الصوم عقيدة وعملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الحج من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية مدخل ... الحج: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية تعد فريضة الحج أعظم دعوة للإخاء الإنساني والمساواة بين بني البشر، تجتمع فيه وفود المسلمين من كل أنحاء الدنيا في بقعة واحدة، لا يدفعهم لهذا الاجتماع طمع في مال، أو رغبة في سلطان، أو سعي إلى مغنم. إنما تدفعهم روحانية مجردة تنقلهم من دنيا الأهواء والشهوات إلى عالم من الصفاء تتجه فيه الأبصار -كل الأبصار- إلى خالق الكون، تدعوه بقلب خاشع، ويقين مطلق، وثقه لا حدود لها في الثواب والعطاء والأمن. وفي الحج رمز واضح لوحدة المسلمين على اختلاف أجناسهم، وفيه إثبات المساواة الاجتماعية المطلقة، إذ يكون المسلمون جميعا بلباس واحد ومن نوع واحد، وعلى شكل واحد، وليس كهذا الوضع شيء يدل على محو فوارق الجنس واللون والطبقة. إذ إننا نعرف أن اللباس ونظمه وتقاليده من أكبر مظاهر التفرق بين الأجناس والطبقات, وبمحو الفروق في الملبس، يتساوى الجميع، فلا يعرف الأمير من الفقير والغني من المحتاج، إذ يشعر الجميع بالوحدة الإنسانية والوحدة الإسلامية، وعندما يقف الجميع على عرفات مناديا "يا رب" لبيك اللهم لبيك، تنصهر تلك الوحدة الإسلامية في وحدة بني الإنسان, إذ كل من على الأرض يقول يا رب، وكأني بقول الله تعالى آمرا نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنداء الناس -كل الناس- إلى السعي لحج بيت الله الحرام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وتأدية ما يجب له من الجلال والعظمة والتقدير، وجاء الأمر بذكر "الناس" لا يذكر المسلمين ليبين أن الإسلام فوق أنه دين عام شامل لكل بني البشر، فهو دين الإخاء والمساواة والاجتماع والألفة, قال تعالى في سورة الحج مخاطبا إبراهيم عليه السلام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} . وكان التعبير الإلهي بقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} بيان لأن الحج فوق أنه عبادة روحية، ينطلق فيها المرء بكليته -ماله وصحته وآماله- إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه يعد مؤتمرا عاما للمسلمين، يباشرون فيه أمور حياتهم، ويناقشون فيه قضاياهم، ويحلون مشكلاتهم، ويدرسون رغبات المسلمين وحاجاتهم أينما كانوا. وإن كان الناس قد انصرفوا عن ذلك, واتخذوا لهم مسلكا خاصا فيما يقولون ويفعلون في الحج فإن ذلك يعد تقصيرا من المسلمين وترك ركن هام من أركان الحج، الذي أتصور أنه من أهم أسباب فرض هذه الفريضة ودعوة كل الناس إليها. وقد تحددت فريضة الحج على المسلمين بقول الله تعالى في سورة آل عمران: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . ففي الآية السابقة من سورة الحج نداء، وفي هذه الآية فرض ولازم. وربط الحج بالاستطاعة إنما يدل على يسر الإسلام وسماحته، وإنه دين لا تشدد فيه ولا تزمت، إنما هو دين الرحمة، الذي يحرص في كل أمر من أوامره على سلامة الإنسان وأمنه وسعاته بدينه ودنياه وآخرته. لذلك كانت فريضة الحج على كل "مسلم بالغ، عاقل، حر، مستطيع" والاستطاعة هنا تعني ماليا. وجود ما يكفي حجه وعودته والإنفاق على من يجب عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 نفقته حتى عودته. وأن يكون ذلك من ماله الحلال الخالي من الشوائب والشبه، وأن يحرص قبل حجه على أداء ديونه ورد الأمانات إلى أصحابها. وصحيا: أن يكون في صحة يستطيع معها تحمل مشقة السفر وأداء مناسك الحج وعناء الرحلة. وبالنسبة للأمن. يجب أن يأمن الطريق إلى الحج، وفي الحقيقة ليست هذه شروط الحج فقط، وإنما هي تتعلق بكل عقائد الإسلام وتكاليفه؛ لأن أوامر الإسلام لا تحمل أي نوع من الإرهاق والعسر؛ لأنها ما شرعت أصلا إلا رحمة بالإنسان ولخير الإنسانية وسعادتها في دنياها وأخراها. وقد حدد الإسلام للحج أشهرا معلومة، كما بين أن له أماكن محدودة وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة من الأشهر العربية, وأماكنه: البيت الحرام، ومنى، وعرفات، والمزدلفة، ومكان رمي الجمار. هي أماكن حرم الله فيها على الحاج أي إيذاء حتى صيد الحيوان أو إزعاجه بأي صورة من الصور {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} كما حرم عليه قطع الأشجار أو إتلاف ثمرها أو أي فعل يضر بها كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يختلي خلالها، ولا يقطع شوكها"، وجعل الله أشهر الحج أيضا من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال وإيذاء الناس أو الاعتداء عليهم. وكأن الإسلام بذلك يدعو الناس جميعا إلى وضع هدنة بينهم مدة أربعة أشهر هي أشهر الحج ومعها "شهر رجب" لكي يلتقطوا أنفاسهم ويراجعوا الحساب فيما بينهم عسى أن يكتشفوا ضلالا في الرأي أو فسادا في الحكم، فيعودوا إلى رشدهم ويبتعدوا عن العداوة والبغضاء والقتال فيما بينهم. وقد فرض الحج في هذه الأشهر؛ لأن في الحج جهادا يأخذ من العبد طاقته البدنية، وينقله إلى حالة من الصفاء الروحي، تجعله يكتشف صواب الأشياء ويتعرف عليها بصورة غير التي كان يراها بها وسط ضوضاء الحياة، وإلحاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الرغبات والمنافع، ويقول الشيخ شلتوت1: "ولما كان البيت الحرام في مكان مخصوص لا يدركه كل مظلوم ولا كل الناس, ولا ينال حظه من الأمن فيه إلا من ارتحل إليه، ولم يكن من الممكن أن يرتحل إليه جميع سكان المعمورة في وقت واحد، لهذا جعل الأشهر الحرم ملجأ أمن عام، تنشر على الناس, وهم في أقاليمهم وأقطارهم ألوية الأمن والاطمئنان، ويدخلون بها في هدنة الرحمن الرحيم، فقرر كذلك في القلوب حرمتها، فيها تكون السيوف في أغمادها، وتتجه القلوب إلى ربها، وفيها يتضاعف الجزاء لمن أحسن أو أساء وفي ذلك يقول تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} . إذا آمن الإنسان بهذه الهدنة الإلهية، وانفعلت نفسه بشرائع ربه، وعالج نفسه في ظلها وهي أربعة أشهر من اثني عشر شهرا صار ولا شك إلى فسحة وراحة واتسع أمامه مجال العمل والسياحة، واستطاع الاتصال بإخوانه بني الإنسان، وكان معهم في أمن واطمئنان، متعاونين على البر والتقوى عزوفين عن الإثم والعدوان. لذلك كان الحج عبارة عن مؤتمر دوري ينعقد في كل عام تحت راية من السلام والمحبة, يناقش أحوال المسلمين في كل أنحاء العالم، ويقربهم من بعضهم، ويجعلهم على بينة من أمورهم. مهما باعدت بينهم الأقطار واختلفت بهم الدروب والأمصار، وهو بذلك يحقق هدفا ساميا من أهداف المجتمع الإسلامي، الذي يقوم أول ما يقوم على التعاون والتراحم والتواد، ولا يكون ذلك أبدا إلا إذا توافر الأمن والسلام بين الناس والله تعالى يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} 2.   1 الإسلام عقيدة وشريعة ص138. 2 الآية 36 من سورة التوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ولا نجد بين الأديان دينا كالإسلام يدعو الناس إلى هجر القتال والجدال، والسب والضرب، وانتهاك الحرمات، والاعتداء على الغير، حتى على الحيوان والنبات, ولو فهم الناس تلك الدعوة لعرفوا حقيقة الإسلام, ولأدرك الكافرون والمنافقون أن تعاليم الإسلام أصح تعاليم للأرض وللإنسان في كل زمان ومكان، وأنها كفيلة لسعادة بني الإنسان، في مجتمعهم، وسياستهم، واقتصادهم، وسلمهم، وحربهم، وأن المنهج الإسلامي في التربية يقوم على فهم الطبائع الإنسانية، ويلائم بين الرغبات والحقائق بين الدوافع والمكتسبات، ولا يترك الإنسان لنفسه تعبث به أبدا، إنما يمدها بالضوء الذي به تهتدي إلى طريق الحق والصواب، ويمكننا لو تصورنا أركان الحج أن نتعرف على نموذج من نماذج التربية الإسلامية خلقا وعملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أركان الحج : فمن أول أركان الحج: الإحرام. وله مكان محدد لكل قادم من جهة من جهات الدنيا، عنده يغتسل الحاج ويقلم أظافره ويقص شاربه وينظف شعر رأسه ولحيته, ويخلع ما كان يرتدي من ثياب، ويتزر بثياب الإحرام، وهي ثياب بيضاء ليست مخيطة، وهو بهذا كأنه خلع كل أمور الدنيا بمشاغلها وآثامها وآلامها، ليقبل بكليته على الله خالقه ورازقه ومالك ناصيته. وتلك النظافة التي يستعملها فوق أنها نظافة للبدن تحفظه وتحميه من الميكروبات والأمراض التي يمكن أن تعلق به أثناء أداء الفريضة وانتقاله من مكان إلى مكان، فإنها تمثل نظافة الروح وتطهيرها من الأدران والخبائث، وتصفيتها من كل علائق الدنيا التي تؤدي إلى الحقد والحسد والبغضاء. وقد ثبت أن هذه النظافة منعت وقوع الأمراض في مواسم الحج على مدار مئات السنين، فلم يثبت على التاريخ الطويل أن حدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 مرض وبائي اكتسح المئات أو الآلاف من بين ملايين الحجاج التي تقصد بيت الله الحرام في كل عام, والفضل في ذلك يرجع إلى النظام الذي حدده الشرع الحكيم للقيام بفريضة الحج، كما يرجع بالدرجة الأولى إلى الإحرام، ذلك الذي يستدعي أن يكون المرء متزرا بإيزار خال من المخيط, ومن الأركان والزوايا التي يمكن أن تلجأ إليها الحشرات التي غالبا ما تكون سببا في نقل الميكروبات والأوبئة إلى جسم الإنسان، وكذلك إلى أنواع النظافة المتعددة التي حددها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمل بها في حجه فأصبحت سنة يتبعها المسلمون مثل الاغتسال لدخول مكة, ثم لطواف القدوم, ثم للوقوف بعرفة, ثم للوقوف بمزدلفة, ثم ثلاثة أغسال لرمي الجمار الثلاث, ثم لطواف الوداع، أي: تسعة اغتسالات تعقب كل فعل يقوم به الحاج ويؤدي إلى اختلاطه بالناس وتحمله شيئا من الغبار والعرق، ولا شك أن هذه النظافة المتتابعة تقي الحجاج شر الأمراض التي غالبا ما يكون أساسها بعض الإهمال في النظافة. ولو عرف غير المسلمين مدى عناية الإسلام بالنظافة لكان رأيهم في الإسلام والمسلمين غير ما نرى ونسمع في هذه الأيام, ولكن للأسف الشديد نسيان المسلمين لفلسفة دينهم وهجرهم لأحكامه وفضائله هي التي تسيء إلى الإسلام، وتحمل البعض على رميه بالتأخر وعدم مجاراة المدنية الحديثة، وقد رأينا هنا لمحة من ذلك تتعلق بنظافة البدن غير تلك النظافة الأهم التي تتعلق بالخلق حيث الجميع سواء فلا سيد ولا مسود ولا غني ولا فقير. ولا قوي ولا ضعيف، رداء واحد، ونداء واحد، وعمل واحد، واتجاه واحد، وتلك النظافة التي تتعلق بالمبادئ، في التوحيد والتقديس لإله واحد لا شريك له، وفي الاجتماع على كلمة الحق والإخلاص والمحبة بين الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وثاني الأركان الطواف بالبيت: وهو يمثل في شكله ووقته عمق التربية الإسلامية، حيث يلتزم الحاج بمجرد وصوله إلى مكة إلى أرض الله الطيبة أن يطوف بالبيت طواف القدوم, فإذا أفاض من عرفات وأكرمه الله بمناجاته على جبل الرحمة طاف طواف الإفاضة، حتى إذا اكتمل حجة وتمتع بأيام الله, وأراد الرحيل طاف طواف الوداع. ومع كل طواف يغتسل ويطهر بدنه وثيابه ويستر عورته ويتوضأ، وهذه الأفعال في جملتها إنما تربي في الإنسان أدب اللقاء والوداع، وتعلمه كيف يتعامل مع الآخرين وهو نظيف القلب والروح والبدن، وتنقله من حالة الغافلين إلى دائرة الذاكرين الشاكرين. وبعد الطواف يكون السعي بين الصفا والمروة: ذلك السعي الذي يمثل في تاريخ الإنسان قصة الصبر والتضحية والفداء والذي يتذكر المرء به قدرة ربه، وأنه وحده مالك أمره فيأتيه باليسر بعد العسر وبالفرح بعد الضيق، وأن رحمة الله قريب من المتقين ولا عجب في ذلك؛ لأن قصة السعي تمثلها تماما، فهاجر أم اسماعيل حين أنجبته ملأت الغيرة قلب سيدتها سارة التي سعت لأن يتزوجها إبراهيم وهي جاريتها لعلها تنجب له ما يؤنس وحدته. ولكنها حين حملت وولدت، عادت طبيعتها الأنثوية إليها تنفث سموم الحقد والبغضاء على أم الوليد الذي سوف يأخذ حب زوجها منها، وأصرت على أن يبعدها إبراهيم مع ولدها إلى حيث لا تراهما ولا تسمع بهما, وتقبل إبراهيم عليه السلام الأمر صابرا محتسبا إلى الله موقفه فألهمه الله أن يذهب بهما إلى هذا المكان المقدس، على الرغم من أنه كان صحراء جرداء لا ماء فيها ولا غذاء ولا إنسان ولا ديار، لتكون آية من آياته، وليعمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 هذا المكان الذي يعلم الله في الأزل أنه من أطهر أماكن الأرض وأقدسها، وأنه سيكون موطن الحجيج إلى آخر الدنيا. ومنبع آخر رسالة يرسلها إلى الأرض، ومنبت خير نبي وأعظم رسول محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم. وتقبلت هاجر الحكم صابرة، واحتضنت وليدها في انتظار أمر السماء فيهما واهتز قلب الأب وراح يدعو ربه في خشوع وتضرع. {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} 1 وتعاقب الأيام على هاجر الصابرة، وأخذ المكان الموحش يفزعها وإرادتها القوية تهتز، وما معها من زاد وماء ينفد، وماذا يفعل لقد ضاقت بها الدنيا ولم يعد لها إلا السماء أملا، وطفلها الصغير يبكي جوعا وعطشا فيزيد ألمها تفجرا، وتتخايل أمامها أسراب وأوهام فتجري إليها متصورة أنها ماء حتى تصل في سعيها إلى الصفا ذلك المكان المرتفع من الأرض فلا تجد عنده بغيتها، فترتد عائدة بعد أن تنظر خلفها فيخيل لها أن الماء في الجهة الثانية على جبل المروة، وتسرع الخطى حتى إذا ما وصلت إلى هناك راعها أنه سراب، فتعود من حيث أتت عند الصفا ثم تقفل مرة أخرى إلى المروة وهكذا سبعة أشواط يمتد طولها وعرضها في أعماق النفس الإنسانية ليبين حرص آلام على وليدها، واستعدادها الدائم لفدائه بنفسها، وفي النهاية تنهار هاجر ويكل جسدها، ولكن عزيمتها لا تضعف، وصبرها لا ينفد، تنادي من أعماقها يا رب، وإسماعيل الصغير يبكي ويبكي ويضرب الأرض بقدميه وإذا بالماء يتفجر من تحت قدميه، ماء عذبا طيبا يملأ الأرض من حوله،   1 من سورة إبراهيم آية 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وينادي الملك هاجر يقول لها: زمي زمي. أي: حوطي الماء بما يجعله عينا، لذلك سميت العين التي ما تزال منذ هذه الآلاف من السنين باقية تروي الحجيج وغيرهم من أهل مكة. سميت زمزم. وكان ذلك النبع مسرى الحياة والعمران لهذه الأرض المقدسة. فقد قصده أول ما قصده الطير الذي يحوم في الفضاء باحثا عن الزاد والماء. وعن طريق الطير عرف الضاربون في الصحراء أن هناك حيث الطير ماء وحياة، فقصدوا المكان وأقاموا هناك، وتتابع القوم يرتوون عابرين أو مقيمين حتى أصبحت تلك البقعة الطاهرة أرض الحجيج ومولد الأمين محمد عليه الصلاة والسلام. وفي هذا المكان الطاهر وقعت قصة ذبح إسماعيل وفداء الله له بكبش من الجنة، وهذا يدل على أن نبي الله إبراهيم كان يزور ولده من حين إلى حين، واطمأن إلى أن الله استجاب دعاه وعمر المكان، وأن ولده أصبح في أمن وبين قوم وعشيرة يحبهم ويحبونه. ثم أتاه يوما بعد غيبة طويلة يفع فيها إسماعيل وأصبح رجلا، ليخبر ولده أن الله أمرهما أن يرفعا قواعد بيت الله في هذا المكان من الأرض, وكما هي عادة إسماعيل قال لأبيه لبيك أبي لك السمع والطاعة وعلي الجهد والصبر. وبعزيمة المؤمنين وصبر المجاهدين أتما ما أمر الله به, وفي هذا يقول القرآن الكريم1. {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . تلك في إيجاز قصة بناء الكعبة وحادثه السعي بين الصفا والمروة وهما   1 من سورة البقرة آية 127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 يمثلان نوعا من التجرد لله تعالى والتسليم لأوامره، تلك الأوامر التي يجب أن يتمثلها المؤمنون في غدوهم ورواحهم ليكون لهم الأمن في دنياهم، والسلام مع أنفسهم، والرضا بقضاء الله وقدره. ذلك القضاء الذي الذي يخفى على الإنسان سره ويعجزه في الحقيقة رده أو دفعه. ويأتي بعد السعي الوقوف بعرفة: ذلك المكان الذي أعده الله ليكون مكان اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، ليتعرفوا عليه وينادونه بما يريدون في يوم كامل من الفجر حتى غروب الشمس، يذكرون فيه شكواهم ويبثونه آلامهم، ويرفعون إليه أحلامهم وآمالهم، بلا تحديد لقول أو فعل فالقلب لله يقلبه كيف يشاء. وله في تلك الساعات أن يهتف بما يريد، وأن يقول ما يشاء بشرط أن يستشعر الخشوع والجلال لله وحده. وأن يتجه بروح صافية خالية من الأحقاد والبغضاء والهوى إلى ربه. وفي عرفات تمثيل ليوم الحشر، حيث كل الناس سواسية، حفاة عراة لا مال ولا أهل ولا ولد، الكل يرجوه ويتوسل إليه لا فرق بين إنسان وإنسان. وبعد عرفات يأتي رمي الجمار ذلك الفعل الذي يشعر الحاج بأنه قد طهر نفسه وروحه، وألقى بذنوبه بعيدا كما يلقي الجمار, وأنه قد تخلص من شيطانه فلم يعد له عليه سلطان، وكأنه بذلك يجدد العهد بينه وبين الله تعالى، أنه سوف يكون نعم العبد الصالح الذي يقاوم مغريات الحياة، ويتغلب على شهواته وهواه، فلا يترك بابا للشيطان إليه؛ لأن رمي الجمار لا يعني فيما يعنيه غير هذا المعنى. وعلى المرء أن يستشعر ذلك حين يذهب إلى رمي الجمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وإذا ما انتهت مناسك الحج حلق الرجل شعر رأسه أو قصره بأي قدر يشاء، ويحل له بعد ذلك ما كان محرما عليه في الإحرام إلا النساء وفي هذا بيان للنفس الإنسانية إنها مطالبة بأن تتجرد من كل أحوالها الدنيوية في وقت من الأوقات لتصفو فيها لله وحده، ولتقاوم النقائص البشرية التي تستهلك الإنسان في صبحه ومسائه. وكان ذلك في الحج أولى وأشد لتتمكن شعائر الحج من نفوس الحجاج وتنقلهم بالفعل من ماديتهم إلى الروحانية المقصودة من تلك الفريضة. وما أعظمه من أدب ذلك الذي يلزم الحاج بأن يغتسل ويتطهر ويطوف طواف الوداع شاكرا الله على ما أولاه من نعمه، وما تكرم عليه به من قدرة وصحة أعانته على أداء الفريضة، وطرح ما عليه من غبار الحياة، ومكنته من رؤية تلك البقاع الطاهرة التي شهدت الوحي وسار على رمالها خير الأنبياء وأعظم الرسل. وبطواف الوداع ينتهي المرء من حجه، وبروح تلك الأداب عليه أن يسلك طرق الحياة وأن يخوض غمارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 كيف ندرس الحج لتلاميذ المرحلة الابتدائية : يجب على المعلم في المدرسة الابتدائية التي هي أساس التعلم ومنبعه أن يكون مدركا لأهداف التربية بوجه عام، وأهداف التربية الإسلامية بوجه خاص؛ لأن ذلك يساعده على السير في دروسه بأسس واضحة تصل به في النهاية إلى تحقيق تلك الأهداف. وأهداف التربية العامة كما هو رأي معظم علماء التربية ليست من الأمور المفروضة, والتي يجب التسليم بها كقضية مقدسة لا تحتمل التغيير أو المناقشة، وإنما هي خلاصة ما يجب أن يكون. ومن هذه الأهداف العمل على تكوين الطفل تكوينا يساعده على فهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مجتمعه الذي هو منه وإليه، ومعرفة تراثه الثقافي وتعلقه به وإدراك التنظيمات والمؤسسات القائم عليها البناء الاجتماعي من حوله. وأن يكون ذلك كله في نمو دائم يساعدنا على بناء شخصية متكاملة، يمكننا في النهاية أن نتعرف على قدراتها وإمكاناتها الفاعلة داخل إطار المجتمع، مع اعتبار القيمة الشخصية للفرد، واحترام ذكائه والإيمان به، وبما يمكن أن يؤديه في موقف من المواقف الاجتماعية، وعلم المعلم -بجانب مراعاته لهذه الأهداف- أن يتجنب فكرة إعداد الصغار من أجل حياة الكبار أو على شاكلتهم؛ لأنه لا هو ولا غيره يستطيع أن يعرف ماذا ستكون عليه الحياة عندما يصبح هؤلاء الصغار كبارا. فالمهمة إذن ليست طبع صورة الكبار على أذهان الصغار ليكونوا مثلهم، إنما المهمة الأعظم أن نبين لهم أن الحياة في تغير دائم، وأن التعليم وسيلة لفهم حياتهم الحاضرة والمستقبلة وتهيئتهم لقبول التغير الدائم في نظم الحياة، ونحن بذلك نساعدهم على التقدم والرقي؛ لأن المجتمع الساكن الهامد الذي لا حركة فيه ولا تغير مجتمع خامل بعيد عن طبيعة الحياة التي هي في حقيقتها دائمة الحركة والتغيير. ونحن إذا استطعنا ذلك نكون قد ساعدناهم على الإلمام بالحركات الاجتماعية والتاريخية، وأعطيناهم القدرة على الانطلاق مع الحياة نموا وتغيرا وحافظنا في الوقت نفسه على تراثهم الثقافي والحضاري. وداخل هذا الإطار تكون مراعاة أهداف التربية الإسلامية التي هي في حقيقتها أهداف منطلقة إلى الأمام دائما, ومتسعة لأهداف الحضارة الإنسانية كلها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وليس في هذا القول تغال؛ لأن التربية الإسلامية في إيجاز شديد تنشد بناء الإنسان: 1- الدائم الاتصال بالله. 2 - المتوازن بين الروح والمادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 3- المتوافق بين نفسه ومجتمعه. 4- القادر على العطاء خلقا وعلما وعملا. 5- المقدر لدور الآخرين في بناء الحياة، وقيمته كفرد بين جماعات متعددة الأشكال والأجناس والأهداف. 6- المؤمن بأن العمل الشريف هو الحياة، وأن غاية الإيمان العمل الدائب القائم على التضحية والإخلاص واليقين بالله. 7- النظافة في الجسد، والروح والفكر. 8- التدبر في القول والنظر والعمل. 9- النظام والدقة فيما يقول ويعمل. 10- الثقة في النفس وتحريرها من عبودية المال والهوى. والعبادات الإسلامية في جملتها تعمل على تكوين الإنسان المتصف بهذه الصفات، والطفل بطبيعته الفطرية مستعد لتقبلها بشرط أن يجد التطبيق والمثل، فلو استطاع المعلم أن يكون هو المثل والنموذج أمام تلاميذه. كان تحقيقه لهذه الأهداف أمرا سهلا وميسرا، وتمكن بعد ذلك من خلال التطبيق العملي أن يجعل تلاميذه حاملين فعلا لروح التربية الإسلامية متمسكين بها سلوكا وعملا. والحج من العبادات الإسلامية التي تمثل نموذجا كاملا لهذه الصفات التي أشرت إليها، ويمكن للمعلم أن يبين لتلاميذه حكمة كل موقف من مواقف الحج عن طريق المناقشة والحوار, وذكر الآيات والأحاديث التي وردت في الحج, وأن يقص عليهم قصصا مشوقة تتعلق بالحج منذ بدء بناء الكعبة حتى عصرنا الذي نحن فيه, وأن يعرض على تلاميذه رسوما وخرائط تبين أماكنه مع التركيز على ما لهذه الأماكن من قدسية وحرمة شرفها الله بها. وعليه أن يبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الهدف من كل عمل من أعمال الحج حتى يشعر التلاميذ بالقيمة الروحية التي ينشدها الإسلام من خلال هذه الفريضة. ويمكن تصور خطوات درس في العبادات تقوم على الآتي: 1- التمهيد للدرس تمهيدا قائما على أساس من الفهم والمعرفة بإبعاد دروس الدين. وذلك بأن يقصد المعلم من التمهيد الربط بين دروس العبادة والعقيدة التي هي مصدر هذه العبادة وسبب قيامنا بها. وكذلك الربط بينها وبين مشكلات الحياة وأثرها في علاج هذه المشكلات، هذا مع الحرص على أن يكون كل درس من دروس الدين مرتبطا بما سبق من الدروس الأخرى؛ لأن الدين وحدة متكاملة. 2- عرض الدرس: ولا يتم بصورة سليمة إلا إذا استطاع المعلم أن يدير الحوار حول الموضوع، وأن يضرب الأمثلة من حياة الرسول وعبادته وطريقة أدائه لها، وكلما لاحت له فرصة ليقص عليهم قصة تتعلق بالعبادة التي هي موضوع الدرس ذكر تلك القصة وناقش تلاميذه فيها ليتمكن في النهاية من الوصول إلى وجدان التلاميذ وتأثرهم به وبالموضوع الذي يتناوله. ويمكنه أن يهيئ نفسه لذلك بالرجوع إلى كتب السيرة والتفسير والحديث. وما يتصل بها من الكتب الإسلامية كإحياء علوم الدين للغزالي والترغيب والترهيب, وزاد المعاد وغير ذلك من الكتب الحديثة التي تظهر في المكتبة الإسلامية كل عام. المهم أن يكون المعلم دائما على صلة بموضوعات الدين المختلفة حتى يتمكن من جعل درسه درسا مؤثرا في بناء شخصية التلميذ, وفي تكوين فكره وعقائده. 3- الحرص على القيام بتطبيق العبادة عمليا، والمناقشة في كل فعل وحركة من حركاتها، والتركيز على الهدف منها، ومحاولة التعرف على وصول هذا الهدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 إلى التلاميذ بأن يتابع بعضهم وهم يطبقون عمليا في دائرة اتصالهم به وبزملائهم وبالمدرسة ككل. 4- التقويم: ويجب أن يشتمل على نماذج من الأسئلة والمواقف التي يمكن الاسترشاد بها للتعرف على مدى نمو التلاميذ في تحصيل وفهم الموضوعات الدينية, واكتساب المهارات والاتجاهات والميول والقيم التي تعمل الفرائض والعبادات الإسلامية على تنميتها في نفوس التلاميذ. ويجب أن يكون هذا التقويم دائما ومتصلا طوال العام. وأن يكون شاملا ومخططا له. حتى يتناول كافة الأهداف الإسلامية التي تناولناها بالشرح والتحليل. وأحب أن أشير إلى أن التقويم لا يعني أبدا معرفة مدى تحصيل التلاميذ لمنحهم الدرجات، وإنما يعني إبراز الأهداف التربوية، والوصول من خلال معرفتها إلى الحكم على نجاح العملية التعليمية أو فشلها، أي: إن التقويم هو عبارة عن عملية تشخيص وعلاج ووقاية للمادة الدراسية التي يقوم المعلم بتأديتها, وهو في مادة التربية الإسلامية ضروري وهام؛ لأن هذه المادة لا تقوم على الوصف والتحليل واكتساب المعلومات، وإنما تقوم على بناء قيم وأهداف وإبراز صفات. وهذا يجعل التقويم الدائم والمستمر هام بالنسبة لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الفصل الثالث: نظرة في العقائد مدخل ... نظرة في العقائد: اقتضى الأمر فيما قدمناه من دراسة، أن نتناول البناء الإنساني في الإسلام. وأن نبين منهج العبادات الإسلامية الذي يساعد على إقامة هذا البناء شامخا وثابتا, لا تدمره الأعاصير ولا تحطمه الزلازل. ولما كانت العبادات قائمة على عقائد يقينية لا يتطرق إليها شك ولا يعتريها خلل، وجدت من الواجب أن أشير إلى هذه العقائد إشارات موجزة تفيد وترشد في عملية التخطيط لدروس العبادة السالفة الذكر. والعقائد في الإسلام تقوم على "الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث، والحساب" وبعض هذه الأشياء غيبي غير مدرك، والبعض الآخر ملموس وإن اختلف الناس حوله منذ فجر حياتهم. وقد جاء الإسلام ليقضي على هذا الاختلاف نهائيا، ويبين كل هذه العقائد بصورة تجعلها كلها وكأنها ملموسة ومشاهدة. فعن الإيمان بالله، بين الإسلام وحدة الله المطلقة التي لا يتطرق إليها شك ولا شرك ولا تشبيه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 1   1 من سورة محمد آية 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وكل الأديان قبل الإسلام سواء كانت سماوية أو اجتهادية أقرت وحدانية الله المطلقة، على الرغم مما نقرأه ونعرفه من تشويه بعضها أو إدخال فيها ما ليس منها، وقد بين القرآن أنهم جميعا -أي: المتمسكون بالتعاليم الحقة منها قبل الإسلام- على صواب وأن لهم أجرهم يوم القيامة. قال تعالى في سورة البقرة آية 62: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ويوضح القرآن أنه لا اختلاف بين الأديان، وأن تربية الله لعباده تتابعت حسب الظروف والحاجات الإنسانية، وأن المختلفين ما أقاموا هذا الخلاف بينهم إلا لغاية دنيوية ينشدونها. لذلك فأمرهم إلى الله، هو وحده يتولاهم ويحكم بينهم. قال تعالى1: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} والإسلام خاتم الأديان كلها، جاء معترفا بكل الأديان السماوية ومحللا لها، ومتحدثا عن أنبيائها، وملزما المسلمين بأن يؤمنوا بهم جميعا {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ومبينا أن أحكامه الأساسية هي التي أمر بها كل الأنبياء والرسل قال تعالى2:   1 من سورة البقرة آية 113. 2 من سورة الشورى آية 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} فاختلاف الأديان إذن هو اختلاف من ناحية الشرائع فقط. {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} 1 ولكن الكل مسلمون -أي: مسلمون لله بوحدانيته وقدرته وبقائه وعلمه- وكل ما عدا الله هباء وفناء. وهذا نوح يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 2 وإبراهيم وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 3 {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} 4 ويوسف {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 5 وكذلك عيسى والحواريون {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} 6. ومن هنا كان الإسلام يعني الإيمان بكل الرسل، والكتب المنزلة عليهم، فلا يكون المرء مسلما إلا إذا آمن بهم جميعا، وصدق بكل ما جاءوا به؛ لأن الإيمان لا يتجزأ، ومن هنا أيضا كان الإسلام دينا عالميا للإنسان والجن بلا اختلاف ولا تمييز. وقد بين الله في كتبه أن له ملائكة هم جنوده لذلك كان الإيمان بهم من   1 من سورة المائدة آية 48. 2 من سورة يونس آية 72. 3 من سورة البقرة آية 128. 4 من سورة يونس آية 84. 5 من سورة يوسف آية 101. 6 من سورة آل عمران آية 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 مقتضيا التسليم له، والاعتراف بوحدانيته وقدرته قال تعالى1: {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} 2 واليوم الآخر: أي: يوم القيامة، أو الساعة، أو الحاقة، أو غير ذلك من الأسماء التي أطلقت على اللحظة التي يأمر الله فيها بأن تبدل الأرض غير الأرض والسموات، وهو من الأمور الغيبية التي لم يخبر الله به أحدا من أنبيائه، وجعل علمه مقصورا عليه وحده قال تعالى3: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} والإيمان بهذا اليوم وغيره من الغيبيات هو دليل يقين الإنسان بالله، ومشهد تصديقه على القدرة الإلهية التي صنعت الكون بحساب، ورسمت نهايته بحساب، وأعدت البعث والحشر أيضا بحساب وقد أمدنا الله بلطف من عنده بعض علامات لهذا اليوم تحدث في الدنيا قبل وقوعه قال تعالى4:   1 من سورة البقرة آية 285. 2 من سورة النساء الآيتان 150، 151. 3 من سورة الأعراف آية 187. 4 من سورة الدخان من 10 إلى 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ، إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} وفي تلك العلامة إشارة إلى ابتعاد الناس عن الإيمان وهجرهم لتعاليم الله، فإذا ما جاءتهم هذه الظاهرة الطبيعية الرهيبة وامتلأت السماء بدخان يخنق الأنفاس ويحرق الأكباد، نادوا ربهم إنا مؤمنون، ويكشف الله عذابه إلى حين ثم تأتي الساعة التي لا مفر منها ولا خلاص. وهناك علامة أخرى يقول الله فيها1: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} ووقوع القول يعني صدور أمر الله بما سيحدث, وقد أمر الله نبيه أن ينذر الظالمين بعذاب ذلك اليوم, وأن يحذرهم من هوله الذي لن ينفع فيه صديق ولا شفيع مهما بلغ جاهه أو سلطانه قال تعالى2: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} وهذا اليوم الذي استأثر الله بعلمه، وذكر لنا بعض علاماته سيأتي في أي لحظة، لذلك الإعداد له بالعمل الصالح والتقرب إلى الله غير محدد بزمن، فكل الناس في كل عصر وعلى كل أرض يجب أن يعدو أنفسهم له فإنه آت لا ريب في ذلك: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} 3 ووصف هذا اليوم   1 من سورة النمل آية 82. 2 من سورة غافر آية 18. 3 من سورة النحل آية 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 كما جاء في القرآن يوحي بقدرة الله الهائلة التي لا يمكن لعقل أن يحيط بها، ولا لعلم مهما بلغ أن يصل إليها. فهو يحدثنا عن خسوف القمر وكسوف الشمس، ونسف الجبال وانفجار البحار وزلزلة الأرض، وتشمل الصاعقة كل من في الأرض والسماء إلا من يحفظه الله من ذلك ليكون شاهدا لهذا اليوم العظيم. وفي هذا يقول تعالى1: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} وفي سورة التكوير: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} وفي سورة طه 105، 106: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا} وفي سورة النبأ 19، 20: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} وفي سورة الزمر آية 68: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} والبعث: وهو عملية إعادة الأموات إلى الحياة مرة ثانية، الإيمان به لا يفترق في معناه عن الإيمان بغيره من الغيبيات، وإن كان يقين المؤمن به يجب أن يكون متابعا له في الليل والنهار وفي كل حركة من حركاته؛ لأنه الذي عن طريق تصوره يعرف المرء موقفه بين يدي الله، ويحاسب نفسه على قوله وفعله قبل أن يأتيه ذلك اليوم، فهو بمثابة رادع للمرء عن ظلمه وجبروته وطمعه في   1 من سورة الانفطار 1، 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 دنياه، ومنبه له ليتحسس طريق الخيرالذي به ينجو يوم يعرض الله أعمال العباد عليهم. ولا شك أن إعادة الموتى إلى الحياة ثانية أسهل من بدء الخلق أولا، فالإيمان بالبعث لا يحتمل جدالا أو مناقشة، وإنما شكله وطريقته هو الذي لا نعرف منه شيئا واستأثر الله بعلمه، ولم يذكر لنا منه إلا بعض الأحوال التي ستحدث. وفي سورة الزمر يحدثنا المولى عن ذلك فيقول1: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وفي سورة يس 51: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} وفيها أيضا آية 53: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} وفي سورة القمر 7: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} وفي سورة الكهف 47، 48: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا}   1 الزمر 68، 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وفي سورة مريم 68: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} وفي سورة يس 81: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} ولا بد أن يكون هذا البعث للحساب ليأخذ كل إنسان مكانه، وليعرف جزاء ما قدمت يداه، وهذا مركز الحركة، ومدار الأفعال، من عرفه وأدرك بعده خشي ربه وانتظمت الصلة بينه وبين خالقه. والعبادات التي تحدثنا عنها, وبينا طرق تدريسها في المرحلة الابتدائية يجب أن تكون مربوطة بتلك العقائد؛ لأن العبادات هي مظهر الامتثال لهذه العقائد, ودليل التعرف عليها، لذلك كان من الضروري أن يبين المعلم أثر هذه العقائد في دروس العبادة، وأن يصل من خلال الربط بينهما إلى تنشئة التلاميذ تنشئة تقوم على مفهوم واضح يصل بين العقيدة والعبادة وبينهما وبين العمل والسلوك الذي ننشده في مستقبل حياة أبنائنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 طرق تدريس السيرة : سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعني مضمون حياته القيادية والفكرية والعملية، ومنهجه في تبليغ الدعوة إلى بني الإنسان، وطريقة عرضه لتلك الدعوة سواء من الوجهة الأخلاقية أو من الوجهة النفسية والسياسية, وما واجه من مصاعب ومحن، وكيف تغلب عليها بعزم الرجال وتأييد الله له. وكيف استطاع وهو الفرد اليتيم الأمي أن يتغلب على جبابرة قريش وفصحائها وبلغائها، وأن يجذب إليه في أول أمره رجالا من أعظم رجالات التاريخ ليكونوا عونا له على أعدائه ودرعا له عند الخطر، وكما أيده الله بهم، استطاع هو أن يسكن في أعماق قلوبهم بخلقه وفكره وإرادته وأسلوبه في المعاملة، حتى إننا لنجد في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ما لا نجده في أي عصر من عصور التاريخ قديمه وحديثه، كما لم نسمع عن رجال كانوا مثل هؤلاء القوم في الإخلاص والمحبة والتضحية والوفاء مما جعلهم مضرب المثل في كل عصر وفي كل موقف. وكما كانت حياة الرسول نموذجا خالدا لحياة الرجال، فقد كانت قصة طفولته نسجا رائعا لنشأة نبي وظهور معجزة ينحني الزمن لها إجلالا وتقديرا. ومن هنا كانت دراسة سيرة رسول الله وأصحابه في مدارسنا، وفي المدارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الابتدائية على وجه الخصوص ذات أهمية كبرى، إذ عن طريقها نبني العزائم، ونوحد الأهداف وننشئ الإرادة، ونجدد النفوس التي أبلاها الطمع في الدنيا، والسعي وراء الشهوات والأهواء، ونقوم الخلق الذي حاولت الأمم غير الإسلامية أن تميته أو تجعله في غفلة دائمة بعيدا عن أخلاق الإسلام الحقة, وعن أخلاق رسول الإسلام، والتلاميذ في المرحلة الابتدائية، هم رجال الغد، ومهمتنا كمربين أن نخلق منهم جيلا إسلاميا يتأسى برسول الله وبصحابته فيما يقولون ويفعلون، وأن يتخذوا منهجهم في الحياة على أسس من الأخلاق التي تبني عزائم الرجال فلا تنهار عند الشدائد، وتعلمهم أن الموت في سبيل الأهداف السامية هو الذي يهبهم الحياة والخلود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 أهداف تدريس السيرة : 1- تكوين نفسية الطفل وبنائها على حب العظمة وتقليد رسول الله وأصحابه. ولا شك أن الطفولة مجال خصب لغرس المبادئ والقيم التي ينشدها مجتمع من المجتمعات، وهي محتاجة دائما إلى القدوة التي تشهد من خلال تعاملها معها واتصالها بها دلائل العظمة والتضحية وصدق الإرادة. وقد يجد الطفل في الأب والأم والمعلم أو المعلمة بعض رغباته، ولكن طموحه وتطلعه إلى الأسمى يجعلانه يشعر بالألم والحسرة، عندما يلاحظ بعض أوجه النقص أو الضعف في هؤلاء الذين تعلق بهم وحاول أن يتخذهم قدوة. وعندئد سنجده قد اتجه إلى أشياء خيالية يراها في القصص والمسلسلات، واتخذ من أبطالها الوهميين غاية له، يحاول تقليدها وترسم خطاها. ليصل من خلال ذلك إلى إرواء رغبته الجامحة في العظمة والقوة، وتتعدد الروايات، ويتعدد القراء وتختلف الاتجاهات، وتتضارب الشخصيات. وينتج عن ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 جيل مختلف في كل شيء. فلا تتفق طباعه ولا تتوحد مناهجه، وينشق على نفسه في صورة مخيفة تهدد المجتمع بالتمزق والانهيار، وهذا ما شاهدناه في فترات مختلفة من حياة أمتنا الإسلامية، وما نشكو منه الآن في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا علاج لذلك إلا بجمع أبناء الأمة وتوجيههم نحو سيرة رسول الله وأصحابه العظماء ليرتووا منها بكل ما هم في حاجة إليه، سواء في فترات الطفولة أو الشباب، وهي مليئة بقصص البطولة والعظمة والإقدام والتضحية مما يجذب التلاميذ ويحقق رغباتهم. 2- السيرة طريق واضح سهل لفهم الإسلام ونظمه التطبيقية: ومن المعلوم أن الله تعالى أنزل القرآن على محمد بأحكام كلية ومبادئ شاملة، ولا يمكن لنا أن نتعرف على تطبيق هذه الأحكام وتلك المبادئ إلا عن طريق ما كان يفعله الرسول ويقوله ويهدف إليه، ودراسة السيرة تحقق لنا ذلك من أيسر طريق، سواء كان الأمر متعلقا بالمثل في الخلق، أو بالعبادات أو المعاملات، أو الآداب، أو الأحكام. 3- السيرة وسيلة لجمع كلمة الأمة الإسلامية وتوحيد اتجاهاتها: ذلك لأن الأمة إذا اختلفت في الأفكار، والمبادئ والاتجاهات تفرقت إلى مذاهب وملل ونحل، وأصبحت بعيدة عن منبعها الأصيل الذي تجده في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، والذي عن طريقها يمكن أن نحدد فضل أساليب تطبيق الإسلام، وأن تتضح لنا معالم الطريق الوحيدة التي لا يجوز اختراع غيرها. وفي السيرة منهج محدد الفكر والأخلاق والمبادئ والغايات التي ينشدها الإسلام، فإذا استطعنا إبراز ذلك لتلاميذنا، نكون قد نجحنا في وضع أول لبنة لبناء أمة موحدة، في جميع المجالات؛ لأن أول قاعدة ترتكز عليها وحدة الأمم، هي وحدة الفكر. ومما يروى عن رسول الله -صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 عليه وسلم- أن الأمة ستفترق بضعا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وأخبر عن الفرقة الناحية هذه بقوله: $"ما أنا عليه وأصحابي"1 فاتباع ما كان عليه رسول الله وأصحابه لا يأتي إلا عن طريق معرفة السيرة معرفة يقينية والتمثل بها في الحياة العملية والأخلاقية. 4- العمل على أن يكون الشعار الإسلامي شعارا يعتز به الناشئة، بدل أن يتمثلوا بأفكار وآراء من صنع الإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم. وهذا لن يكون إلا بمعرفة السيرة معرفة توضح للناشئة شخصية الأمة الإسلامية، وسماتها التي تميزت بها عن الأمم الأخرى، ومن المعروف أن الأمة الإسلامية والعربية كانت قبل الإسلام أمة ممزقة الأوصال تحكمها طبائع شاذة، وتنتشر في ربوعها مبادئ غير إنسانية، فجاء الرسول وأصحابه ليوحدوا تلك الأمة، ويقضوا على كل فساد فيها، حتى أصبحت في مبدأ أمرها مضرب المثل في العدالة والإخاء والتسامح. وأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا عن طواعية واختيار واقتناع, وتعلق الناس من مشارق الأرض ومغاربها بأبطال الإسلام يحاولون تقليدهم وتتبع خطاهم. ولولا هجر سيرة الرسول وأصحابه العظماء ما تغيرت الشخصية الإسلامية، ولظل بناء الأمة العظيم قائما متصلا يحرسه ويحميه جيل بعد جيل، ولكن تغيرت النفوس فتبدلت الأفكار والاتجاهات، وانحدرت الأمة لتصبح في وقت من الأوقات أمة مستعمرة ذليلة من أقصاها إلى أقصاها. ويطمع فيها الطامعون حتى في تغيير عقائدها وأسس دينها، ونحن الآن على صعيد آخر من دروب الحياة نكاد نمسك بزمام أمورنا كلها. وخير مما يحمينا ويصون وحدتنا، ويدعم قوتنا وإرادتنا هو العودة إلى سيرة رسول الله   1 راجع سيرة ابن هشام والسيرة النبوية لابن كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 أو صحابه لنتمثل بها في كل ما نقول ونعمل. وأن نعلم أبناءنا الاعتزاز بالإسلام ونبي الإسلام وأصحابه ورجال الأمة الأفذاذ الذين بنوا خير أمة أخرجت للناس. ولكي نحقق هذه الأهداف ينبغي أن نتبع في طرق تدريس السيرة ما يسهل على المعلم الوصول إليها. ويكون ذلك بتتبع هذه الخطوات: 1- عرض السيرة عرضا قصصيا منظما ودقيقا, بحيث يستطيع المعلم إبراز جوانب الأخلاق والبطولة والتضحية في مضمون القصة. وأن يكون ذلك بأسلوب جذاب يناسب عمر الأطفال وخيالهم. ومن المستحسن أن تعرض عليهم في السنوات الأولى من الدراسة طفولة النبي وشبابه وما فيهما من جهاد ومثل وفي السنوات الأخيرة نعمد إلى توضيح جوانب من نضاله وكفاحه وتحمله للأذى، وصبره وحسن قيادته للمسلمين واتباع مبدأ الشورى وروح التعاون والمحبة بينه وبينهم، وتفانيهم في طاعته والإخلاص له، والتمسك بأوامره، والحرص على تنفيذها في دقة وصبر، والتركيز على جوانب العظمة الفريدة التي كان يتحلى بها -صلى الله عليه وسلم، وكيفية اتخاذ القدوة منها والسير على نهجها. 2- الوقوف عند الأشياء التي يبرز من خلالها تأثير القرآن وأخلاقياته سواء كان ذلك عند رسول الله أو من أصحابه ممن نقوم بدراستهم، وذلك لكي نبين دور الإسلام في عملية البناء الرجولي والأخلاقي عند الرسول وأصحابه وكذلك عند المسلمين جميعا الذين يتتبعون خطواته -صلى الله عليه وسلم- ويحاولون تقليده ومحاكاته. 3- وعلى المعلم أن يحاول ربط دروس السيرة، بعملية التطبيق في الحياة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الشخصية للتلاميذ، وأن يركز لهم على أن المقصود من دروس السيرة هو الاقتداء بأعمال الرسول وأصحابه، والاهتداء بهديهم، وأن يسوق الدليل والبرهان لهم حول أهمية اتباع هذه الطرق, وذلك من خلال مواقف القصة وأحداثها التي استلزمت تصرفا معينا. 4- ولكي تكتمل الفائدة لا بد من عقد مقارنات بين أفعال الرسول وصحابته ومواقفهم الإنسانية، وبين ما يقابلها من أفعال ومواقف نراها في هذه الأيام, فيها التكالب على المادة وإعراض الدنيا الزائلة من مراكز الحكم والسلطان والتسلط, وذلك عند رجالات هذا العصر من مختلف الأجناس والأديان والملل، وهذا يؤدي إلى إبراز السلوك الإنساني الذي تحلى به الرسول وأصحابه. والذي يجب أن يكون سلوك الفرد المسلم في كل زمان ومكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أساليب تدريس السيرة : 1- الطريقة الطولية: وهي الطريقة التي نعرض فيها سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عرضا يتفق والمراحل الزمنية من الميلاد إلى البعثة إلى الهجرة حتى وفاة الرسول والخلفاء من بعده, وتقوم هذه الطريقة على تناول حياة الرسول ككل من غير حاجة إلى تحديد مواقف معينة. وكذلك حياة الصحابة. 2- الطريقة العرضية: ونهتم فيها بإبراز أهم المواقف في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الصحابي، بصرف النظر عن التتابع الزمني، وذلك كأن نقصد إلى معالجة موقف الرسول من حلفائه، أو موقفه من أعدائه، معاملته لزوجاته وأصحابه، نظرته إلى الشورى رأيه وتصرفاته إزاء عمل من الأعمال وغير ذلك مما يبرز أهم المواقف في السيرة. 3- طريقة القصة: وفيه يعرض المعلم الحدث على هيئة قصة تتلاءم مع الصغار، وإن كانت القصة في بنائها لا بد فيها من عقدة يبحث القارئ أو السامع عن حل لها، فإن القصة في السيرة يجب أن نعمد فيها إلى المواقف والأحداث التي تكون تلك العقدة تكوينا طبيعيا لا اصطناع فيه ولا خيال، وأن نثير التلاميذ نحو هذه العقدة ليبحثوا عن حل لها. ويجب أن يبني المدرس قصته على عناصر ثلاثة: أ- المقدمة وهي تمهيد قصير للفكرة التي في القصة يحاول المدرس عن طريقه أن يجذب التلاميذ إليه، وأن يحرك مشاعرهم نحو المواقف التي سيعرضها عليهم، وأن يشد انتباههم نحو الموضوع, ليحاولوا اكتشاف ما فيه عن رغبة وشوق. ب- العقدة وهي في السيرة تمثل موقفا من المواقف الصعبة التي واجهت الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أحد أصحابه. وتحتاج العقدة دائما إلى حل، والمدرس الناجح هو الذي يثير نفوس تلاميذه ليبحثوا معه عن الحل، أو على الأقل يعيشون معه لحظة ترقب وشوق لمعرفة هذا الحل. جـ- الحل وهو في أي قصة معناه تحليل تلك العقدة وإنهاء المشكلة والخروج من المواقف الصعبة. وفي السيرة يكون الحل ببيان كيف تغلب الرسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أو الصحابي على مواقفه الصعبة بيانا يتضح فيه الرمز الأخلاقي والنفسي والديني لدى الشخصية المتحدث عنها. وعلى المعلم أن يحيط بأبعاد القضية التي يرويها تاريخيا ونفسيا واجتماعيا، وألا يطيل في المقدمة، أو يضخم في العقدة حتى لا يضيع منه الهدف الذي ينشده، ومن المهم ملاحظة وحدة القصة وترابط عناصرها، وعدم الخروج عن هذه الوحدة بالانتقال إلى أحداث لا ضرورة لذكرها، وأن يتعرف على الشخصيات التي سوف يرد ذكرها مع رسول الله أو مع الصحابي الذي ستدور القصة حوله، وأن يبين مواقف هذه الشخصيات ودورها في الأحداث التي يرويها. ومن الأشياء التي يجب مراعاتها اللغة والأسلوب، فاللغة يجب أن تكون عربية سليمة من غير إغراب أو تحوير، والأسلوب يكون متلائما مع أفكار التلاميذ ومستواهم. ومن الواجب أن يهتم المعلم بأحداث القصة قدر اهتمامه بشخصياتها إن لم يكن أكثر, وأن يفكر في مواطن الاستجوابات التي قد توجه إليه من التلاميذ, وأن يعتمد على وسائل الإيضاح، ومن المستحسن أن يقلد بعض الأوضاع والحركات التي كان يقوم بها شخصيات القصية لينقل التلاميذ إلى جوهم الذي كانوا يعيشون فيه. وكلما كان المدرس قريبا إلى نفوس تلاميذه كلما كانت قصته أوقع في نفوسهم لهذا يجب أن يتبسط معهم, وأن يثير فيهم روح المرح والأنس وأن يتقرب منهم, ويمكنه أن يدنيهم منه حتى يكونوا كحلقة في مجلس سمر أو ناد, وزمن القصة في الصفين الأول الثاني يجب ألا يزيد عن ربع ساعة، حتى يفسح المجال للاستجواب والمناقشة في الوقت الباقي من الحصة. واهتمام المعلم باستخراج الأفكار الأساسية وسماع القصة من التلاميذ لا يقل أهمية عن عرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 القصة نفسها. لذلك يجب عليه العناية بها وكتابتها على السبورة كلما أمكن ذلك. 4- الأسلوب الذاتي: وفيه يعتمد المعلم على جهد التلاميذ، بأن يرشدهم إذا كانوا في الصفوف النهائية من المرحلة الابتدائية إلى كتب مبسطة تناولت الموضوع الذي سيدرسونه ويطلب منهم قراءته وإعداده قبل الحصة بوقت كاف، ثم يجري الدرس حوارا حول ما طالعوا. أو يعد بطاقات بعدد الطلاب فيها الدرس المراد، وتحت هذا الدرس أسئلة يطلب من التلاميذ الإجابة عليها. ويمكن بعد ذلك أن يجعل الأهداف مركز الحوار بينه وبينهم. وهذه الطريقة من التدريس لا تصلح إلا في الحلقة الأخيرة من المرحلة الابتدائية "الصف الثالث والرابع" أو الخامس والسادس، ويستحسن تطبيقها بالمرحلتين المتوسطة والثانوية. 5- أسلوب المسرحية: المسرحية في الغالب تحتاج إلى جهد ووقت طويل للإعداد، لذلك يمكن الاستعانة بها في تدريس الموضوعات الهامة من السيرة, ويكون ذلك أيضا في الصفوف الأخيرة من المرحلة الابتدائية, وهي تقوم على حوار بين التلاميذ. يمثل كل تلميذ شخصية من الشخصيات المراد دراستها ويحفظ دوره بعد كتابته من قبل المعلم وإعداده إعدادا يتلاءم مع مستوى التلاميذ وأعمارهم، ثم يؤدونها في الصف بعد فهمها ومناقشة أبعادها. ويمكننا أن نتصور درسا من دروس السيرة على هذا النحو: 1- التمهيد للدرس تمهيدا مناسبا يهيئ أذهان التلاميذ ويحرك أفكارهم نحو موضوع الدرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 2- عرض موضوع الدرس عرضا قصصيا مشوقا، يبرز فيه المعلم مواطن العبرة في حياة صاحب السيرة من حيث مبادئه وأخلاقه، وشخصيته، وإرادته، وتأثيره في المجتمع والناس. ومن المهم أثناء العرض أن يثير المعلم النواحي الوجدانية في التلاميذ، وأن يشيع الجو الروحي بينهم، وأن يحرك في نفوسهم الرغبة في الاقتداء بصاحب السيرة، وكلما استشهد المدرس بالآيات القرآنية والآحاديث التي تتصل بموضوع الدرس، كلما كان ذلك أوقع في نفوس التلاميذ وأدعى إلى الاهتمام بالقرآن والسنة ويجب أن يستشهد ببعض الأقوال المأثورة التي قالها صاحب السيرة التي يدرسها، ولكن في حدود ضيقة تتفق وأفكار التلاميذ ومستوياتهم العقلية. 3- الاستنتاج: ويحاول فيه المعلم أن يستنتج من التلاميذ جوانب العظمة والعبقرية التي اكتشفوها في الشخصية التي درسوها. وكذلك المبادئ والأهداف والعبر والعظات التي توصلوا إليها. 4- التطبيق: ويكون بأسئلة واضحة وهادفة، يراد منها اكتشاف مدى ما فهمه التلاميذ من الدرس. وأهدافه، وتعميق المفهوم لديهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 التهذيب : تدريس التهذيب : التهذيب: في معناه العام يعني "التربية" وفيما نقصده هنا هو بناء الأخلاق وتقويم السلوك، وإيقاظ الضمير، وشحذ الهمم، وتربية الإرادة على أسس إسلامية تؤدي نتائجها إلى وجود الإنسان المسلم الحق الذي يتحلى بأخلاق القرآن وآداب الإسلام، ومبادئه في الأخوة والتسامح والعدالة والمحبة. وهكذا يوجد المجتمع المسلم الذي تهدف التربية الدينية بجملتها إلى بنائه وتكوينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أهداف التهذيب : 1- تنمية الشعور الديني عند الطفل، وتمسكه بالفضائل والأخلاق، كما تنهاه عن الرذائل والعادات القبيحة والأمور التي تخالف الدين. 2- تربي فيه روح الخير والتسامح، وتعوده الثقه في النفس، وقوة الاحتمال والصبر، وضبط الانفعالات، والتضامن مع الآخرين في سبيل الخير والتفاني في العمل، واحترام الآخرين. لتتوفر له السعادة النفسية، والأمن والرضا داخل مجتمعه. 3- إبراز الاتجاهات القويمة أمام التلاميذ ليتمكنوا عن طريقها من تكوين علاقات اجتماعية سوية وناضجة، أساسها الإخاء والتعاطف والتراحم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فيما بينهم، وغايتها معرفة واجباتهم نحو الآخرين. من احترام للحقوق، وتقدير للمزايا، ورعاية للصالح العام. 4- تعلم آداب الزيارة والحديث، وما يجب أن يتحلى به الفرد من أخلاق فاضلة سواء كان في البيت أو في المدرسة أو في الشارع، وتعلمه فضيلة الاستماع وحسن المناقشة والترفع عن الدنايا والقبيح من القول والفعل. 5- المقارنة بين الأهداف والمبادئ التي يتمسك بها الناس في تعاملهم اليومي الآن، وبين الأهداف المبادئ والمثل الإسلامية الحقة، لنغرس في نفوسهم حب الدين والاتجاه إليه والارتواء من فيضه في العلم والعمل. 6- إبراز ما في التراث الإسلامي من عظمة وحضارة وفكر، وما كان عليه رجاله من خلق وبطولة وفداء. ليعتزوا بهذا التراث. ويحاولوا تقليد عظماء الإسلام والاقتداء بهم. 7- بيان أن الحياة لا تستقيم إلا بالربط بين الروح والمادة، وأن الإسلام هو الدين الإنساني العام الذي جاء صالحا للدنيا كلها، ولكل زمان مهما اختلفت الأشكال والأجناس والألوان، وبذلك ننمي في نفوسهم الجوانب الروحية، والتمسك بتعاليم الدين. والنفس الإنسانية بطبيعتها لديها الاستعداد للتكوين الخلقي؛ لأن عامل المتعة والألم فيها موجود بالفطرة، والأخلاق تحقق لصاحبها اللذة والمتعة حيث يكون مقبولا بين الناس مستعدا للقاء ربه، ولذلك لم تخل الشرائع الإلهية من التهديد بالنار والوعد بنعيم الجنة، والقوانين والشرائع الوضعية أيضا تتضمن هذين الجانبين, وعن طريق الأخلاق يتحقق الوعد الإلهي بالجنة ويأمن الإنسان سطوة القانون الوضعي فيصل إلى اللذة والمتعة. وبانتفاء الأخلاق أي: خروجه على الأوامر الشرعية أو مخالفة القانون يتعرض للآلام والعذاب. والأطفال أكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 استعدادا للخضوع لهذين العاملين لذلك نادى جان جاك رسو ومنتسوري بمبدأ عقوبة الطفل، العقوبة التي ترده عن المخالفة وتعود به إلى جادة الصواب، والقصة في التهذيب يجب أن تشمل على بيان الثواب والعقاب وكيف ينال الطفل عطف المجتمع وتضامنه معه، ولماذا يصبح البعض مكروها مبغضا من الآخرين, ومن خلال هذا السياق يعرض المعلم أوجه الثواب والعقاب عند الله وأسبابهما والطرق المؤدية إليهما. ولا يصح أن يكون العرض على هيئة أوامر ونواهي وإنما يجب أن يتضمن من الإيحاء ما يؤدي إلى غرس هذه الأخلاق والمثل -التي أشرنا إليها في النقاط السابقة- في نفوس التلاميذ غرسا يجعلها تصدر عنهم بغير تكلف أو رياء؛ لأنهم إذا أدركوا قيمتها الروحية ونسبتها إلى الله الذي هو وحده العالم بهم وبكل أعمالهم، امتلئوا بجب هذا الخالق العظيم، وشعروا بضرورة الرجوع إليه عند الشدائد. وأخضعوا نوازعهم لرقابة الله طمعا في محبته ورضاه لا عن خوف ورهبة. إذا استطاع المعلم إبراز هذين الجانبين، حب الله. وحب المجتمع، فإنه بذلك يكون قد وصل إلى الغاية المرجوة من دروس التهذيب. وحقق مبدأ إسلاميا عظيما وهو ربط العقيدة بالعمل. وأرى من المفيد في هذا المقام أن أبين بعض الأشياء التربوية التي تساعد على جعل دروس التهذيب أكثر فائدة، وأصدق وقعا في تربية النشء، وتنظيم اتجاهاته الأخلاقية بعيدا عن الانفعالات اللاإرادية، أو التقليد السيئ لحضارات ونظم مستوردة لا تقترب ولا تتشابه مع الإسلام في شيء. أولا: إيمان المعلم برسالته، ومعرفته للدور القيادي الذي يقوم به في بناء الأجيال حيث يشكل هو أعظم قاعدة أخلاقية وإنسانية في حياة أمته وفي نفوس تلاميذه، فهو بالنسبة للأمة المخترع العظيم الذي في معمله تبنى الرجال، وتفتح العقول، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وتحدد الاتجاهات. وبالنسبة لتلاميذه فهو القدوة الفعالة والمؤثرة لفترة طويلة شاء ذلك أم أبى. لذلك يجب عليه أن يزن تصرفاته وأقواله بميزان الحكمة والصدق، حتى يرى فيه تلاميذه صورة الإنسان الذي ننشد تكوينهم على مثاله، وليعلم أن كل حركة وسكنة محسوبة عليه، فالطفل أشد نقدا وأصدق نظرة لمعلمه من أي شيء آخر في حياته. فإذا ما ارتكب هذا المعلم حماقة أيا كان حجمها فإن الطفل سوف يتأثر بها، ويكون تأثره في الغالب ذا أبعاد لا تنحصر في دائرة المدرسة والمعلم، وإنما تتعدى ذلك إلى المجتمع وإلى حياته العملية والخلقية، فليحذر المعلم أن يكون سببا في فساد إنسان وانحلال مجتمع، وانهيار أخلاق. وليضع قاعدة لنفسه في الملبس، والمأكل، والمشرب والقول والفعل داخل المدرسة على الأقل. إن لم يكن في حياته كلها. وليس ذلك بعسير إذا ما عرف المعلم أنه صاحب رسالة، وأصحاب الرسالات يمتازون بصفات أخلاقية معينة. وإذا ما عرف المعلم أيضا أن الطفل الذي يربيه مفطور على المحاكات والتقليد. وأن أول من سيقلده هو معلمه فعليه أن يوجه نفسه إلى كل ما يريد أن يربي عليه أطفاله من أخلاق وعبادات ومعاملات ومثل، حتى يصدر درس التهذيب من صميم نفسه عن قناعة ويقين، وحتى لا يكون أمام تلاميذه أشبه بالمهرج الذي يقول ما لا يفعل، وبالتالي سيعود أطفاله الملق والنفاق والغش والخداع، وعدم اليقين بأي شيء، حتى تهتز في عيونهم صور اليقين نفسه، وبهذا نشاهد مجتمع اللامبالاة والشك والحيرة. ولست أجد مسئولا عن ذلك إلا المعلم بالدرجة الأولى والأسرة بالدرجة الثانية، وليس لغيرهما دور في ذلك إلا بدرجة تشبه اللقاء العابر في حياة الناس. ثانيا: تلك التربية التي تفسح المجال للطفل ليمارس بالفعل العادات والاتجاهات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 والأخلاقيات والنظم والأفكار التي يتعلمها في دروس التهذيب: وخير طريق لذلك النشاط المدرسي، فقيام الطفل بالعمل في جمعية المدرسة يعلمه التعاون أفضل من عشرين درسا, وكذلك اشتراكه في فريق من فرق الكرة بالمدرسة أو ممارسته رياضة ما من الرياضات التي تقوم على تعاون الجماعة، وكذلك فإن عشرات الدروس في الآمانة ومئات الأمثلة من الأمناء، لا تعادل قيام التلميذ بأمانة الصندوق لجمعية مدرسية من قبل الطلاب بشكل دوري، وقيام بعض التلاميذ بجمع الزكاة أو الصدقة من أهل الخير والإشراف على توزيعها إلى من يستحق، تربي روح الخير والعطف على الآخرين، أفضل من مائة درس وألف رواية عن فعل الخير وأثره. ويمكننا عن طريق المشاركة الفعلية للتلاميذ في مثل هذه الأمور أن نكشف جوانب الخطأ في تربيتهم المنزلية، وأن نعمل على معالجتها بزيادة الرعاية وحسن التوجيه إلى ما تهدف إليه المدرسة وينشده المجتمع، وبإمكان المدرسة فعلا أن تمحو إساءة البيت إن أخلص القائمون بالأمر، وكانوا هم مثالا أفضل مما شاهد التلاميذ في منازلهم. وهذا يقتضينا أن نبين بعض المواقف التي تؤدي إلى عكس ما تهدف إليه التربية. مثل سوء الظن بالتلاميذ واعتبارهم دائما غير أهل لتحمل المسئولية، فإن ذلك بطريق غير مباشر يحملهم على اليأس والاشمئزاز من العمل، وبالتالي يربي فيهم روح التحدي والخيانة والعنف. فعلينا أن نمنحهم ثقتنا، ونوليهم عطفا يقربنا إلى قلوبهم، ونأخذ المتهم منهم بالنصح الانفرادي في حزم لا يشعر فيه بالتحدي، وبصبر لا يدرك من خلاله التهاون أو الضعف, وبهذا يمكن علاج النفوس المرهفة بلا جرح لها، واكتشاف النفوس الأخرى التي لا ينفع معها التلميح أو التصريح، فننتقل معها إلى مرحلة الحرمان من النشاط ومن مساعدة الجماعة في بعض المواقف, ويمكن أن يشتد العقاب أكثر من ذلك إذا لم تُجد هذه الطريقة, وهذا رأي علماء التربية بالنسبة للأطفال منذ عصر "القابسي". حتى عصرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 هذا ويجب أن نسير فيه على طريق من النضج يتفق وحاجات العصر، وما تنشده التربية الإسلامية من بناء الروح والجسد. وما نعتبر الأمر فيه إلى التهذيب أوقع من أي درس آخر من دروس المدرسة. ثالثا: التعليم المباشر والمعروف لدى المعلمين. وأفضل ما يكون في التهذيب عن طريق القصة التي تتخللها الآيات والآحاديث النبوية والأمثال والحكم والمواقف التي تقرب السلوك الأخلاقي الذي ننشد تعليمه للطفل من الواقع الذي يعيشه ويحياه، وعلينا أن ننتهز الفرص والمناسبات، كأيام شهر رمضان، لنعلمهم الصدق والأمانة والعطف والرفق بالآخرين، وأن نبين لهم أن الله وحده هو الرقيب علينا في كل قول وفعل، وإن خفي على الناس أمرنا. وكذلك في الأعياد وفي الحج وفي المناسبات الوطنية كل موقف بما يتفق معه من الصفات والأخلاق التي نريد أن تصبح سلوكا لدى تلاميذنا. ولا يخفى علينا أن إرجاع الأمور إلى أصلها وهو الله سبحانه وتعالى يؤدي إلى خشوع القلوب وتهذيب الأرواح لذلك يجب أن نركز على بيان حكمة الله في كل شيء وأن الخالق سبحانه ما خلق الكون إلا ليكون دليلا عليه. وأن كل فعل يخرج عن هذه الدائرة فهو ساقط وعبث. والطفل مولود على تلك الفطرة وتقبله لها أيسر من تقبله لأي أمر آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 طرق تدريس التهذيب : 1- طريقة السرد في التهذيب: وهي الطريقة يعمد فيها المعلم إلى شرح الدرس المقرر على التلاميذ شرحًا يتفق مع مقدمة الدرس ونهايته، محاولًا بيان الهدف منه, ومظهرًا للأخلاق الفاضلة التي جاءت به. فإذا ما انتهى من شرحه بدأ في توجيه الأسئلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 إلى التلاميذ ومناقشتهم في إجابتها. ثم يسجل على السورة الأهداف والقيم التي أدركها التلاميذ والتي استنتجها من أجوبتهم، وهذه الطريقة وإن كانت سهلة بالنسبة للمعلم إلا أنها لا تحقق المقصود من التدريب العقلي ومشاركة التلاميذ في استنتاج الأفكار والمعاني، ولا تنمي فيهم جانب الخيال وأعمال الفكر. 2- طريقة المناقشة والقراءة: وفي هذه الطريقة يعلن المدرس عنوان درسه ويطلب من التلاميذ -بعد التمهيد له تمهيدا يبين الغاية منه- يطلب قراءته إن كانوا في الحلقة الأخيرة من المرحلة الابتدائية، ثم يدير المناقشة والحوار بينهم ليصل إلى أهداف الدرس وأفكاره ومعانيه من أفواه التلاميذ، فإن كانوا في الحلقة الأولى، قام هو بقراءة الدرس قراءة نموذجية وهم يتابعونه حتى إذا ما انتهى من القراءة بدأ في الحوار والمناقشة واستخلص النتائج التي يريدها من إجابات التلاميذ، ومع ملاحظة أن يتوقف معهم عند كل قيمة أخلاقية, ويجعلهم يرددونها لتثبت في أذهانهم. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة أفضل من طريقة السرد إلا أن طريقة القصة تعد أفضل. ويمكننا عرض درس من دروس التهذيب بهذه الخطوات: 1- التمهيد: وفيه يلمس المعلم شيئا من واقع الحياة يتصل بالدرس. أو يروي قصة صغيرة من قصص الأنبياء أو الشهداء أو الأبطال، أو يذكر سبب نزول آية ثم يتلوها على التلاميذ، وبعد ذلك ينتقل إلى جوهر الدرس. وإن كان الدرس يتعلق بشيء عملي كالصدقة والبر بالوالدين والعطف على الضعيف ومساعدة المحتاج، جعل التمهيد موضحا لأهمية هذه الأعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وقيمتها عند الله والناس، وذلك لهيئتهم لموضوع الدرس، ويوجه اهتمامهم إلى الأهداف التي يريد إيصالها إليهم. 2- موضوع الدرس: ويكون كما ذكرنا في معظم دروس التهذيب عن طريق القصة، ولكنه يجب أن يكون حافلا بالأسئلة والمناقشة فيها، ومحاولة إعادة القصة من بعض التلاميذ، والبحث عن عنوان لها أو لغيرها من القصص الشبهة، وكلما استعان المعلم بتسجيل بعض الأفكار والأهداف على السبورة وطلب من التلاميذ تسجيلها في دفاترهم، كلما كان ذلك أثبت للمعلومات وأوفى للوصول إلى الغرض من الدرس, ولو كان في سياق الدرس حديث أو آية أو مثل أو حكمة فيجب أن يطلب من التلاميذ كتابتها والاحتفاظ بها ومراجعتهم في فهمها وحفظها كلما جاءت مناسبة تتصل بها. 3- التطبيق: وهو على قسمين: نظري وعملي. أما النظري: فيتعلق بوضع أسئلة تحرك الفكر وتخاطب الوجدان، يتبين المعلم من خلال إجابات التلاميذ عليها مقدار فهمهم للدرس وتأثيره في أفكارهم واتجاهاتهم. وعليه أن يلاحظ أن تكون هذه الأسئلة لها صلة كبيرة بخبرة التلاميذ ومستوياتهم العقلية والتعليمية وأن يتدرج معهم فيها من الأسهل إلى الأصعب، ومن الملموس إلى العقلي, وهكذا حتى يتم له الوصول إلى المحتويات كلها. وأما العملي فيتمثل في ملاحظة سلوك التلاميذ في الصف وخارجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وتذكيرهم بالأخلاقيات التي ساقها إليهم في آداب المعاملة والسلوك, ومحاولته تقويم المعوج منهم تقويما يشعر فيه التلاميذ بأنه مساق إليه بالمحبة والود والانقياد للمثل والقدوة. ويالروعة ذلك المعلم الذي يعد مفكرة يكتب فيها أسماء تلاميذه ويدون فيها الملاحظات الأخلاقية والسلوكية على كل منهم، ولا يجعلها مصدر تهديد وتخويف، وإنما يجعلها بطاقة علاج وإشراف كبطاقة الطيب لمتابعة مريضه، وكلما حانت مناسبة ضرب الأمثلة بالقدوة منهم ليكون ذلك حافزا على أن يقلده الآخرون ويحاولون محاكاته. ولا شك أن هذا الجهد إنما هو إلى الله ينتظر منه وحده الأجر والثواب، ولا يعلق فعله هذا على رأي الإدارة أو المسئولين، وإلا فلن يكون إلا كمن يصلي ليراه الناس يصلي. وهو في النهاية لن يحصل على شيء لا من الله ولا من الناس. والتربية عموما كالعبادة الروحية الخالصة التي لا سلطان لأحد على القائمين بها, وإنما مردهم إلى الله وحده. فإذا ما أخلص المعلم واجتهد فيما يعمل كان كهذا المتعبد الأواب الذي يقول في كل شيء وعلى كل شيء يا رب. يا رب لك وحدك أوجه قولي وفعلي. 4- التقويم: وفيه يحرص المعلم على متابعة التلاميذ متابعة لا تتعلق بالمحفوظ والمفهوم. وإنما تتصل بالقيم والأهداف التي ينشدها المنهج، ويخطط لها المعلم في كل درس من دروسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 تدريس الحديث : أهمية دراسته: 1- اتفق علماء الإسلام على أن الحديث الشريف هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، أي: يلي "القرآن" المصدر الأول مباشرة, والمتتبع لأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجد أنها في جملتها ذكرت في مواقف تربوية وأخلاقية واجتماعية, وأنها تمتاز بالسهولة والواقعية, يدرك مغزاها العالم والجاهل، الكبير والصغير. وأسلوبها بلغ من الفصاحة والدقة ما جعلها سهلة التناول والحفظ. وقد عالج فيها الرسول مشكلات الحياة بمختلف أنواعها. ففيها وصف دقيق لحياته وحياة أزواجه وصحابته والمسلمين من جند وتجار وزراع وصناع. أغنياء وفقراء، كبار وصغار، رجال ونساء وأطفال. وهذا يجعل من الحديث وسيلة تعليمية سهلة لأحكام الشريعة الإسلامية، ولمنهج الرسول وأصحابه في المعاملة والسياسة والأخلاق. 2- نرى في أحاديث رسول الله كل ما يحتاجه الإنسان لتربيته الروحية والخلقية والنفسية؛ وذلك لأنه يخاطب العقل بالحجة والبرهان، والروح بالعاطفة والإثارة والترغيب والترهيب. والنفس بما يدفعها نحو الكمال والأمان والإطمئنان للحاضر والمستقبل، وهذه الجوانب هي ما يبحث عنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 كل إنسان سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن، يعبد الله على حرف، أو يعبده على ثقة ويقين. والطفل أطوع المخلوقات لتقبل هذه الأشياء؛ لأنها تتفق وفطرته التي فطر الله الناس عليها وجعلها في أصل تكوينهم قبل أن تصنع فيهم الحياة صنيعها من تغيير وتزييف ومكابرة. لذلك كان تدريس حديث رسول الله للطفل عملا يتفق ورغباته ويحقق في الوقت نفسه الربط بين العقيدة والعمل والأخلاق. 3- القرآن الكريم دستور الله لبني الإنسان، لا يختص بقوم دون قوم، ولا بزمان دون زمان، لذلك كانت أحكامه مجملة تحمل من الإشارات والرموز ما يفسح المجال للفعل الإنساني للتفكر والتدبر والإبداع، وحديث رسول الله يفسر لنا كثيرا من هذا المجمل، ويوضح لنا ما ليس في قدرتنا إدراكه ومعرفته ويقوم بالترجمة العملية والواقعية لأحكام القرآن وتعاليمه, فهو إذن في أغلبه شرح وتحليل للقرآن الكريم. لذلك كان تدريس الحديث محاولة معرفة التطبيق العملي لأحكام القرآن. 4- ومع أن قضايا العصور تختلف باختلاف الناس واختلاف أحوالهم المدنية والصناعية والفكرية، فإننا نجد أن حديث رسول الله في الأمور العامة يتفق مع عصره الذي كان يعيش فيه ومع العصور التي تلته حتى عصرنا الذي نحن فيه. وهذا يعطينا القدرة على بيان تلك المعجزة النبوية للأطفال مما يحملهم على تقدير الرسول وحبه والتعلق به عبادة وسلوكا وخلقا. ويحقق الأمر الإلهي باتباع الرسول في كل شيء كما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1 وقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ   1 من سورة الحشر آية 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أَلِيمٌ} 2 فاتباع الرسول شرط للإيمان، وتعليم الأطفال كيفية اتباعه كمال للإيمان. لهذا يجب أن يدرك المعلم هذه الأهداف وأن يقصدها في درسه قصدا مشمولا بالمعرفة والإعداد والتنظيم. 5- تعد أحاديث رسول الله موسوعة كاملة للتراث الإسلامي, ولا يمكن أن يبنى الفرد المسلم بناء سليما إلا إذا أدرك قيمة هذا التراث وأثره في نفسه وفكره وحياته ومستقبله. وإن كانت النظم الحديثة في الدول العربية والشيوعية تضع شعارات وعبارات محددة ليحفظها أطفالهم وليتخذوا منها نموذجا لحياتهم، فأولى بنا نحن المسلمين أن نتخذ من أعظم قول ورد على لسان خير البشر أجمعين، أن نتخذ من ذلك شعارا لنا ولأبنائنا نعتز به ونقدسه ونجله في كل مناسبة وفي كل موقف. وحديث رسول الله يعد من جوامع الكلم، والوقوف عليه لفظا ومعنى يؤدي إلى بناء خلق الأطفال وفكرهم ولغتهم، ويقوي أسلوبهم ويهذب أرواحهم ووجدانهم لذلك كانت فوائد تدريس الحديث متعددة، والاهتمام به في مدارسنا يحقق غايات كثيرة. 6- يدرك الأطفال منذ الصغر قيمة الكلمة في حياتهم، وفي مواقف كثيرة تراهم يثورون ويتمردون؛ لأن كلمة ينفرون منها قد وجهت إليهم أو وصفوا بها، كما نلمس سعادتهم وشعورهم بالرضا؛ لأن البعض خاطبهم بما يرضي غرورهم ويرفع من قيمتهم أمام أنفسهم. ومن هنا نستطيع أن ندرك أثر الكلمة في التعلم وتربية الأخلاق وتوجيه السلوك إلى الوجهة   2 من سورة النور آية 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 التي تنشدها في مجتمعنا الإسلامي وأفضل ما يمكن أن نستغله في هذا الجانب هو حديث رسول الله, وخاصة فيما ورد منه في مواقف تتفق وحاجات الطفولة ومشاكلهم الأسرية والاجتماعية. طرق تدريس الحديث: 1- التمهيد: ويكون بربط موضوع الحديث بواقع الحياة بصورة تتفق ومدركات الأطفال، وجعله مع الدروس السابقة يشكل وحدة فكرية تتصل بفرع من فروع العبادات أو العقائد, وكلما كان التمهيد على شكل قصة متضمنة أسباب ورود الحديث كلما كان ذلك أوقع في نفوس التلاميذ وأدعى لوضوح الموقف الديني الذي نريد تثبيته في أذهانهم. 2- القراءة الصامتة في الصفين الثالث والرابع. ويجب فيها على المعلم أن يتيح الفرصة للتلاميذ ليتأملوا الحديث لفظا ومعنى، وأن يناقشهم في مفاهيمهم بعد القراءة الصامتة مباشرة ليثير فيهم النشاط الذاتي، وليعودهم الاعتماد على النفس ومتابعة كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم، وهذا في رأي علماء التربية يؤدي إلى الفهم العميق القائم على الربط بين خبرات الطفل وتفاعله الذاتي. ويستحسن قبل بدء القراءة الصامتة أن يخبرهم المعلم أنه سوف يناقشهم في مضمون القراءة وما تحويه من المعاني والأفكار والأساليب والأهداف حتى يحرك فيهم دافع الدقة والإتقان ويثير بينهم المنافسة. 3- القراءة النموذجية من المعلم. ويجب دائما أن تكون قراءة متميزة بسلامة النطق وصحة الشكل وفصيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الأداء، والوقف عندما يجب الوقف عليه، والفصل والوصل في موضعه، حتى تكون قراءة المعلم فعلا متميزة على قراءة التلاميذ ليصح الاقتداء بها، وليكون هو في نظر أبنائه القدوة والمثل. 4- القراءة الفردية من بعض التلاميذ: وعلى المعلم أن يتابع معهم بدقة، وأن ينبه على الأخطاء التي يقعوا فيها، ويعمل على تلافيها عن طريق المناقشة وبيان الصواب. حتى تحقق الغاية التربوية من القراءة "ضبط الألفاظ، تقوية الأسلوب، الحفظ، التمرين، الفهم" واستخدام السبورة في كتابة العبارات المصوبة في هذه الحالة يفيد كثيرا، ويؤدي إلى تمرين الأطفال على اكتشاف الصواب بأنفسهم. 5- المناقشة في مضمون الحديث ومعاني الكلمات والأساليب والأفكار التي نبه عليها المعلم عند القراءة الصامتة. 6- الشرح: ويبين فيه المعلم المعاني والأهداف والمقاصد التي يتضمنها الحديث وعليه أن يقسم الحديث إلى فقرات، ويسأل التلاميذ عن كل فقرة، ثم يدون ما يرشد إليه الحديث على هيئة عبارات واضحة وموجزة، وكلما حرص المعلم على إعداد أسئلة هادفة تشمل كل جوانب الحديث، كان ذلك أهدى له في الوصول إلى الهدف من الدرس عن طريق المناقشة والاستنباط من التلاميذ، وكان الطريق أمامه واضحا ليوسع مدارك التلاميذ، ويجعلهم يعيشون مع صاحب الحديث عليه الصلاة والسلام ومع أفكاره وتعاليمه الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 7- المراجعة والتوجيه والإرشاد: وعلى المعلم أن يعد أسئلة خاصة بها، يكون القصد منها إثارة عواطف التلاميذ وتحريك مشاعرهم نحو العمل بما جاء في حديث رسول الله من مبادئ وأهداف، ليتحقق لهم الثواب من الله والسعادة في الدنيا والآخرة. 8- التعرف على ما يجب حفظه من الأحاديث: ويكون بمراجعة ما يجب حفظه من الأحاديث التي تشتمل على بعض أركان الإسلام، أو تتعلق بأحكام هامة في المعاملات والأخلاق، والاهتمام بذلك في نهاية كل درس، يساعد على تثبيت ما استحفظ منها، ويفسح المجال للتفكير والتأمل في معانيها وأهدافها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 أثر الوسائل المعينة في تدريس الدين: اتفق علماء التربية على أن الحواس لها تأثير كبير في إدراك الأشياء, وأن الشيء المحسوس يصل إلى الفهم من أيسر طريق، ولكن غير المحسوس يحتاج إلى جهد وعناء حتى يفهمه الإنسان. والطفل بطبيعته غير قادر على البحث والتنقيب وراء الخيال، لذلك كان تعليمه كلما كان معتمدا على الحواس كان أيسر وأسهل في إيصال المعلومات إليه، وفوق هذا فإن استخدام الوسائل يبعث في نفوس الأطفال الشوق والرغبة للدرس، ويجسم المعاني أمامهم فيجعلها ملموسة، ويساعد الطفل على تنمية خبرته وربط ما لديه من تصورات بالواقع المحس في الحياة. ويمكن أن نعرف قيمه الوسائل التعليمية إذا تبينا طبيعة الإدراك عند الإنسان، ذلك الإدراك الذي يقوم على النشاط النفسي للفرد ولا دخل لملكة العقل أو الإحساس فيه، بل هو في الغالب يمثل عملية تعرف الفرد على العالم الخارجي ليتمكن من التوافق مع البيئة التي يعيش فيها، والمعرفة والتوافق نتيجتان هامتان للإدراك؛ لأننا بالإدراك نفهم الأشياء والأحداث. وحين ندرك نترجم الانطباعات التي تحدثها المثيرات من بيئتنا إلى وعي بالأشياء والأحداث. وفضلا عن ذلك فإن الأشياء والأحداث التي نعيها وثيقة الصلة بحياتنا العقلية، فنحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ننشئ الأشياء والأحداث بواسطة عملياتنا الحسية، والحواس هي وسيلة اتصالنا المستمر بهذه الأشياء والأحداث، فالعين والأذن والنهايات العصبية تحت الجلد التي تستجيب للضغط والحرارة والبرودة، والتي في اللسان وتستجيب للطعوم المختلفة، والتي في الأنف وتستجيب للروائح المختلفة هي الوسائل أو المنافذ التي يتم عن طريقها جميع أنواع التعلم. وهكذا فإن إدراكنا للأشياء والأحداث من حولنا في النهاية تتابع لعملياتنا الإدراكية الحسية، ويتضمن ذلك كثيرا من الانتقاء والتنظيم لما ندركه على نحو معين. وتتميز كل الإدراكات بوجود الخبرة الحسية. فالخبرة الحسية المرئية تتكون من آلاف الخصائص البصرية المتنوعة، وتشتمل هذه الخصائص على الألوان المختلفة من أحمر وأصفر وأزرق وأخضر وغير ذلك من الألوان التي تنشأ من امتزاج بعض هذه الألوان أو غيرها, بدرجات تتفاوت بين اللون الغامق والفاتح والزاهي والباهت. وبالمثل في حالة السمع توجد أنغام وضوضاء في صور عديدة تختلف في علوها وانخفاضها، وتستطيع الأذن السليمة أن تميز أكثر من عشرة آلاف صوت مختلف، وفيما يتصل بالذوق يوجد الحلو والمر والمالح والحامض والحريف، وبالنسبة للشم فهناك روائح الأزهار والفواكة والتوابل ورائحة الدخان والروائح المميزة للأشياء الفاسدة وغير ذلك من الروائح المميزة الأخرى، وكذلك بالنسبة للمستقبلات الحسية للجلد وأعضاء الجسم الداخلية، إذ نحصل عن طريقها على خبرات حسية معينة كالضغط والألم والدفء والبرودة. وتعتمد كل هذه الخصائص المتفاوتة للخبرة الحسية على أعضاء الحس وعلى الجهاز العصبي في الجسم، وهذه الخبرات الحسية هي أساس معرفتنا للعالم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 حولنا، وبغيرها لا يمكن أن ندرك أو نعي أي شيء، والوسائل التعليمية البصرية والسمعية أدوات وطرق يمكن بواسطتها أن نوفر للتلاميذ مثل هذه الخبرات الحسية الضرورية للتعلم1. ولا شك أن الوسائل التعليمية تنمي الخبرة وتساعد على عمق الفهم واتساع دائرة التفكير، وخاصة عند الأطفال الذين هم في الغالب يستقبلون الأشياء بصورة كلية غير واضحة الأبعاد في أذهانهم، فإذا استطاع المعلم أن يحللها لهم ويربطها بعضها ببعض عن طريق الوسيلة، فإنه بذلك يساعدهم على بناء خبرة واقعية قائمة على إدراك الأشياء والأحداث في بيئتهم الخارجية، وهذه الخبرة هي أساس التفكير والنشاط العقلي، وأثرها في عملية التعلم متصل ودائم في جميع مراحل التعلم. واستخدام الوسائل بمهارة يساعد في توفير خبرات غنية وخصبة تدفع التعلم وتجعله مثمرا. كما أنها تقوي جوانب الدافعية عند المتعلم وتتلاءم مع ميوله واتجاهاته. وهي تساعد على التركيز والانتباه، وتثير النشاط العقلي الذي يحول دون تشتت أذهان التلاميذ وانصرافهم إلى أحلام اليقظة أو العبث وإثارة الشغب. -ومن الوسائل المفيدة في التربية الدينية: 1- التسجيلات الصوتية: وقد بينت في موضوع تدريس القرآن الكريم أن ألفاظ القرآن وأساليبه وطريقته في الأداء من أعظم وأدق ما عرف من أساليب الكتابة، لذلك كانت القراءة الصحيحة لآيات القرآن الكريم هي وحدها التي توضح معناه وتبين   1 انظر الوسائل التعليمية ص54 وما بعدها للدكتورين أحمد خيري كاظم، جابر عبد الحميد جابر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 إعجاز أسلوبه، وهناك علم قائم بذاته يسمى علم "القراءات" أنشأه العلماء للتعرف على الأوجه الصحيحة لقراءة القرآن, فإذا ما قام المعلم بتسجيل الآيات من المصحف المرتل مثلا, واستمع هو وتلاميذه أثناء الدرس إلى التلاوة فإنه بذلك يساعد الأطفال على التعرف على كيفية القراءة مع المد والوقف والفصل والوصل وغير ذلك, وعلى المعلم قبل البدء في إذاعة الآيات المسجلة أن يكتبها بخط واضح على السبورة، أو على لوحة ويعلقها في مكان بارز أمام التلاميذ، ثم يقرأها قراءة نموذجية أكثر من مرة, وبعدها يبين المعنى الإجمالي والتراكيب الصعبة والمفردات الغريبة عليهم، ثم يطلب إلى المجيدين منهم قراءتها, وأثناء متابعته للقراءة عليه أن يلاحظ أخطاءهم وأن يرشدهم إلى الصواب، وهنا يأتي دور المسجل فينبههم المعلم أنهم سوف يستمعون إلى قراءة ممتازة, وأن عليهم أن يتابعوا المسجل بقراءة صامتة دون أن يحركوا شفاههم, فإذا ما انتهوا من الاستماع وضح لهم قواعد القراءة الجيدة على ضوء ما سمعوا من التسجيل. 2 - المصورات الجغرافية: وهي مفيدة في دروس السيرة والغزوات، حيث إنها تبين الأماكن التي جرت فيها المواقع الحربية, والتي كانت مهد الرسالة المحمدية ونزول الوحي وعاش بها أبطال الإسلام, وعلى المعلم أن يجعل من الوسيلة أداة للتشويق والترغيب في مادة الدرس. ويكون ذلك بأن يطلب منهم التعرف على بعض الأماكن المشهورة في الخريطة المعروضة عليهم. ثم ينتقل معهم إلى المكان المقصود وعنه يبدأ الحديث في الدرس نفسه. وللمصور الجغرافي أهمية في موضوع مثل أعمال الحج ومناسكه, فإنها لا تتضح في أذهان التلاميذ إلا إذا ارتبطت بما يدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 عليها واقعيا، وكذلك بالنسبة للغزوات ولهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم. 3- النماذج المجسمة: وهي في الغالب تقوم على نشاط التلاميذ واستغلال ميولهم ورغباتهم، وعن هذا الطريق يمكن أن نأتي لهم بنماذج تتعلق بمناسك الحج كالكعبة والصفا والمروة وجبل عرفات ونشرحها لهم, ثم نطلب منهم أن يصنعوا مثلها، ويا حبذا لو اشترك أساتذة التربية الفنية في مساعدة الأطفال على القيام بذلك، ويمكن أيضا عمل نماذج أعمال الصلاة والوضوء ومساعدة الضعفاء ومعاونة المحتاجين. 4- الصور والرسوم: ويمكن عن طريقها عرض أركان الوضوء, كأن نأتي بصور مختلفة تعبر كل صورة منها عن عمل من أعمال الوضوء, ونرقم هذه الصور ونكتب عليها العبارة الموضحة لما في الصورة كالنية أو غسل الوجه وغير ذلك مما تتضمنه عملية الوضوء، وتعرض الصور متتابعة على التلاميذ. وبعد العرض يمكن للمعلم أن يستغل الصور أيضا في معرفة إدراك التلاميذ لأركان الوضوء بأن يخفي الكتابة عنهم, ويسألهم على ما تدل عليه الصورة, وكذلك يمكنه نزع الأرقام ووضع الصور غير مرتبة ويطلب منهم ترتيبها, وتكرار هذه العملية يساعد على التعرف على عملية الوضوء، كما يمكن اتباعه أيضا في دروس الصلاة. وفي بيان معاني القرآن، وموضوعات التهذيب كالنظافة، والأحاديث النبوية. فلو أردنا توضيح معنى قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ} وأحضرنا صورة لسنابل القمح, وبينا عليها أن الله يزيد أجر المنفق في سبيله إلى سبعمائة مثل كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أنبت من الحبة سبعمائة حبة لكان ذلك أوقع في نفوس التلاميذ, وأدل على المعنى, وكذلك لو أحضرنا صورة تمثل المغتاب وهو يأكل لحم إنسان ميت, فإننا نبين مقدار ما في الغيبة من بغض ونفور الله والإنسان منها. وغير ذلك من الأمثلة الكثير الذي يمكن التعبير عنه بالصور والرسوم. والمدرس النابه الذي يؤدي مهنته بحب وشغف يستطيع أن يبدع الكثير في هذا المجال. 5- السينما: وعن طريقها يمكن تدريس كثير من دروس التربية الدينية كدروس العبادات, إذ يمكن أن تصور أعمال المصلي أو الحاج أو المتوضئ خطوة خطوة، ويعرض ذلك كله بواسطة شريط سينمائي، ويمكن للمعلم أن يبدأ الدرس بشرح نظري لأعمال الصلاة, يعتمد فيه إلى حد ما على معلومات بعض الأطفال, ثم يكمل ما ينقصهم من معلومات عن طريق التوضيح والمناقشة معهم، وبعد ذلك ينتقل إلى قاعة العرض السينمائي فيشاهدوا معا كل ما يتصل بالدرس, وبعد العرض يقوم باستجوابهم عما شاهدوه ويناقشهم فيه من الوجهة التحصيلية والفكرية, ولا شك أن هذا يساعد التلاميذ على إدراك أركان العبادة التي يشاهدونها إدراكا يجعلهم وكأنهم يمارسونها بالفعل. 6- التمثيليات: وهي من أقوى الوسائل في التربية الدينية؛ لأن التلاميذ يعشقون تقليد الآخرين، والمحاكاة عندهم فوق أنها طبيعية في هذا السن فإنها محببة إلى نفوسهم، واستغلال هذه الرغبة فيهم تؤدي إلى وصول المعلومات إليهم وثباتها في أذهانهم من غير عناء ولا تعب، ويجب أن تكون هذه التمثيليات قصيرة خالية من التعقيد والإغراب في العقدة، وأن يحرص المعلم على أن تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 المواقف فيها دالة على ما يريد إيصاله إليهم من أهداف, وأن تحتوي على النقاط الهامة في الدرس, ونحن نعلم أن التمثيل يعلم الأطفال الشجاعة والقدرة على مواجهة المواقف، ويدرب لسانهم على الفصاحة، ويثير في نفوسهم الرغبة، ويبعث نشاطهم، ويجعلهم يتمثلون مواقف التمثيلية باندماجهم في أدوارهم أو في المشاهدة ومتابعة الممثلين فيما يقومون به. 7- القصص: وقد سبق الحديث عن ذلك بالتفصيل في أساليب تدريس السيرة وفي التهذيب, وأحب أن أشير هنا إلى أن المدرس يمكنه أن يجعل أشخاص القصة من التلاميذ, وأن يدير الحوار بينهم ليصل إلى ما يريد، بشرط ألا يسيء إلى أحدهم أو يضعه في موقف يلتصق به, ويكون سببا في اتهامه أو وصفه بما لا يحب. وبعد أن يعرض المدرس القصة بأسلوب واضح لا يرتفع فيه فوق مستوى التلاميذ، ولا يتدنى إلى مخاطبتهم بأسلوب العامة. يعود فيسألهم أسئلة تتعلق بأهم مواقف القصة، ويتدرج معهم بهذه الأسئلة ليصل من خلالها إلى الأهداف التي ينشدها من الدرس، وعليه أن ينظم أسئلته من قبل, وأن يعدها إعدادا يحقق الغاية المرجوة من الموضوع الذي يدرسه. وكلما كانت الأسئلة قصيرة ومباشرة، كلما كانت الفائدة أعم وأشمل. 8- البطاقات: وهي وسيلة متبعة في تعليم القراءة والكتابة، ولكنها هنا تستخدم استخداما يختلف عما تستخدم فيه في القراءة والكتابة؛ لأننا هنا نريد أن تكون البطاقات أشبه بلوحات الإعلانات والشعارات, التي يحاول المعلم عن طريقها أن يجعل أهدافا معينة تلاحق التلاميذ في غدوهم ورواحهم كما تلاحقهم الإعلانات والشعارات على قارعة الطريق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لذلك يجب أن يحدد المعاني والأهداف والمبادئ الهامة في الدرس, وأن يكتبها على بطاقات بخط واضح وجميل، وأن يعرضها على التلاميذ في الوقت المناسب، بمعنى أن يبرز البطاقة التي تتعلق بهدف معين بعد حديثه عنه وشرحه شرحا يجذب التلاميذ إليه, ويبين قيمة هذا الهدف وأثره في حياتهم، ويستحسن أن يطلب منهم كتابته في دفتر خاص بالتربية الإسلامية, وهكذا حتى تتجمع لدى التلاميذ جملة من الأهداف والمقاصد والتعاليم الإسلامية, ويمكن أن تكون البطاقة وسيلة لإيصال المعلومات أو تعميق المفهوم منها, كأن يكتب عليها أركاة الصلاة أو الحج أو الوضوء ويطلب من التلاميذ ترتيبها, أو يكتب عليها نصف عبارة تتعلق بحكم من الأحكام أو رأي من الأراء أو هدف من الأهداف, ويطلب من التلاميذ إكمال ما بها من نقص. وهناك طرق كثيرة يمكن استخدام البطاقات فيها, وكلها ترجع إلى اجتهاد المعلم وحسن تصرفه. 9- الجمعيات الدينية المختلفة: واهتمام المعلم بهذه الجمعيات لا يقل قيمة عن اهتمامه بدروسه وأعماله المدرسية, بل هي بالنسبة للمعلم الذي يعرف دوره في تربية جيل وبنائه بناء يتفق والمبادئ والأخلاق الإسلامية تعد أهم وأعظم خطرا، إذ عن طريق هذه الجمعيات سوف تمارس الأخلاق والتربية الإسلامية ممارسة عملية, ومن أمثال هذه الجمعيات: جمعية البر والإحسان، جمعية الصداقة والتعارف، جمعية النظافة والسلوك الحسن، جمعية الإصلاح بين المتخاصمين، جمعية الزكاة وجمع الصدقات, ويكون إشراف المعلم على هذه الجمعيات هو وزملاؤه من المدرسين قائما على التواضع والانصهار مع التلاميذ, حتى تكون النتيجة المرجوة ملتمسة من التطبيق العملي، لا من مجرد الشكل والإطار الذي تكون فيه هذه الجمعيات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 والاجتماعية، وكلما وجد مناسبة قام بزيارات في منازلهم، كعوده مريض، أو السؤال عن سبب غيابه عن المدرسة، أو مشاركته في أفراحه وأعياده وأحزانه. كل هذا لا يتطلب عناء كبيرا من المعلم لو كان صادق العزم، ويحقق أكبر النتائج في الوصول إلى تمثل التعاليم والأخلاق الإسلامية بين الأطفال وأسرهم بل والمجتمع المحيط بهم. ومن هنا كانت الزيارات واللقاءات من أهم الوسائل لغرس الفضائل الدينية بالأسلوب العملي من غير حاجة إلى موعظة أو توجيه. والأطفال بفطرتهم مزودون بعاطفة دينية، ولكنهم محتاجون إلى من يساعدهم على تنظيمها وإبرازها في مجال السلوك، وليس هناك من وسيلة لذلك أفضل من القدوة الصالحة والمثل الطيب، فإذا ما استطعنا نحن المعلمين أن نقوم سلوكنا وأن نتمثل القيم والمبادئ الإسلامية في أقوالنا وأفعالنا، استطعنا أن ننفذ إلى قلوب التلاميذ، وأن نستثير عاطفتهم الدينية ونذكيها في نفوسهم مما يحملهم على الانتقال بفطرتهم إلى الواقع، ويدفعهم إلى تقويم المعوج من سلوكهم، بل وحتى نقد ما يخالف تلك الفطرة من نوازع شتى تسود مجتمعهم المحيط بهم. والذي كثيرا ما تطغى عليه جوانب المنفعة، وتتدنى به الشهوات والرغبات والأهواء إلى مسارب بعيدة عن تلك الفطرة الدينية التي فطر الله الناس عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أثر الوسائل المعينة في تدريس الدين ... 10- القدوة الصالحة: وهي لا شك تعد من أهم الوسائل في غرس الفضائل في نفوس التلاميذ؛ لأن الأطفال يلتقطون الأشياء وخاصة من معلمهم كما تلتقط آلة التصوير الصورة والمناظر, فإذا لم يراع المعلم الحكمة في أقواله وأفعاله وتصرفاته انتقلت منه إلى التلاميذ, وتبدل النفع الذي نرجوه من درسه إلى سيئات يحملها الأطفال عنه, ولذلك فإنه معلم الدين بل وكل معلم للأطفال يجب أن يكون نموذجا للفضائل والأخلاق السامية؛ لأنه بذلك يحقق نفعا لأبنائه ولأمته أفضل من ألف درس. وكلما كان المعلم مهذبا مع تلاميذه، عطوفا عليهم، راقيا في معاملته، صادقا في قوله، معتدلا في رأيه, كلما كان ذلك أدعى لحب تلاميذه له وتعلقهم به في القول والفعل. ونتج من خلال ذلك تعديل سلوك التلاميذ وتنمية الجوانب الخلقية في نفوسهم. 11- الرحلات: وليس كالرحلة شيء يجعل الطفل يرى بعينه ما يقرأه ويسمعه من الدروس الدينية، والرحلة إلى الأماكن المقدسة فوق أنها توضح المعلومات لدى الأطفال فإنها تضفي عليهم جوا روحيا, يحببهم في دروس الدين، ويجعلهم يتعلقون بها. 12- الزيارات واللقاءات بين الجماعات الدينية بالمدرسة: ليس هناك من ينكر على الإسلام جماعيته وقيامه على المحبة والسلام، وتحقيق ذلك في جو المدرسة ميسر لو توفرت النية الصادقة والإخلاص لله من معلمي التربية الإسلامية، لذلك يجب أن تكون لقاءات المعلم بتلاميذه دائمة وهادفة، يقصد من خلالها التعرف على مشاكلهم وحاجاتهم النفسية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الإسماع ووسائله : يميل الطفل إلى الجديد والمثير في حياته، لذلك كلما كان مدرس الدين واعيا ومتفهما لأبعاد درسه كلما كان من السهل عليه استخدام الوسيلة المناسبة, التي تشوق الأطفال إلى الدرس وتدفعهم إلى العناية به وترقب مواعيده، والوسائل المستخدمة كثيرة, وقد مرت الإشارة إليها، ولكن ما يهمنا هنا هو استخدام الوسائل السمعية في تدريس القرآن الكريم, ومعرفة ما هي الوسائل السمعية, وما أثرها ومتى تستخدمها في دروس القرآن الكريم. وسائل الإسماع غير الإذاعة المدرسية نوعان: الأسطوانات وأشرطة التسجيل. أما الأسطوانات فعملية التسجيل عليها وملاحظتها والعناية بها تحتاج إلى مهارات فنية ورعاية شديدة, مما يصعب على المدرس القيام بهما، لذلك فإن استخدامها قليل وغالبا ما يكون بأسطوانات جاهزة ومعد عليها المادة المراد تدريسها من قبل فنيين في التسجيل, وهي يمكن استخدامها في كثير من موضوعات الدراسة، كالقصص والأناشيد وألعاب التسلية وأصوات الحيوانات وغيرها, مما يتعلق بتلاميذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وفي دروس الدين يمكن أن تسجل عليها آيات القرآن وسوره المقررة على تلاميذ هذه المرحلة، وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أركان العبادات، وقصص عن السيرة وعن الفضائل التهذيبية وبعض أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم. والأسطوانات مع صعوبة التسجيل عليها، فإنها سهلة الكسر أيضا وفي حالة حدوث أخطاء وقت التسجيل يصعب محو هذه الأخطاء وتصحيحها, وكذلك تقل جودة الصوت المسجل ووضوحه بعد استخدام الأسطوانة عدة مرات. أما التسجيل على أشرطة فهو عملية سهلة، ويمكن للتلاميذ عمل بعض التسجيلات بعد تدريب بسيط على استخدام الميكروفون وآلة التسجيل، مما جعل استخدام أشرطة التسجيل أكثر انتشارا وأوفى بالغرض, ويمكن أيضا محو ما على الشريط وتبديله مئات المرات من غير أن يحدث للشريط تلف أو فساد في الصوت. وتستخدم أشرطة التسجيل في مجالات كثيرة أذكر منها1: 1- تسجيل البرامج التعليمية الإذاعية لاستعمالها ضمن النشاط التعليمي في حجرات الدراسة. 2- تسجيل الأحاديث والمناقشات التي يشترك فيها بعض التلاميذ, ثم الاستماع إليها ثانية مع بقية التلاميذ في الفصل، وتقويمهم لأنفسهم لمعرفة نواحي القوة ونواحي الضعف في أحاديثهم ومناقشاتهم والاستفادة من نتائج هذا التقويم. 3- توفر للتلاميذ فاقدي البصر خبرات سمعية في مجالات مختلفة. 4- وهي تستخدم في دروس القراءة واللغة وخاصة مع تلاميذ مدارس الحضانة والمدارس الابتدائية وذلك في المجالات الآتية: أ- التدريب على الاستماع والتمييز بين الأصوات والكلمات.   1 انظر الوسائل التعليمية والمنهج ص226 وما بعدها للدكتورين: أحمد خيري، وجابر عبد الحميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ب- القراءة الجهرية. جـ- العناية بالتلاميذ بطيئي القراءة. د- القراءة العلاجية وعلاج عيوب الكلام والنطق. هـ- تنمية القدرة على التعبير الخلاق. و دروس الإملاء. ز- تعليم اللغات الأجنبية. 5- تسجيل الكلمات والخطب التي يلقيها القادة في المناسبات القومية الهامة, وتسجيل الأحاديث التي تجري أثناء المقابلات الشخصية معهم، وتسجيل صور صوتية للحياة خارج المدرسة في المتجر أو المصنع أو السوق أو في غيرها من الأماكن ونقلها إلى حجرات الدراسة. وأثر هذه الأشياء واضح بالنسبة لكل قائم بعملية التعليم, وهي بالنسبة للتربية الدينية بالذات تعد ذات أثر فعال؛ لأنها تساعد على مراجعة الأحكام والمبادئ والأهداف الإسلامية, والتثبت منها قبل عرضها على التلاميذ، وكذلك تعاون التلاميذ على فهمها ووعيها نتيجة للتكرار الذي يمكن أن يفعله المعلم لسهولة ذلك بالمسجل, وأما بالنسبة لآيات القرآن الكريم فإن استخدامها أكثر حاجة, إذ من المعروف أن القرآن الكريم لعظمة أسلوبه ودقته يحتاج إلى مهارة فائقة في القراءة والأداء, فإذا ما سجلت الآيات على شريط من قبل المعلم أو من أحد المقرئين المشهورين فإن ذلك يساعد التلاميذ على إدراك هذه الآيات إدراكا صحيحا، فوق أنه يؤدي إلى حفظ هذه الآيات بسهولة أكثر من عرضها بدون جهاز التسجيل، ويستطيع المعلم أيضا أن يسجل معاني الكلمات وبعض الأحكام التي يريد إبرازها للصفوف النهائية من المرحلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الابتدائية, وأن يستمع هو وتلاميذه إليها ويناقشهم فيها. ويمكن أن يسجل المناقشة بينه وبين تلاميذه, وأن يعرضها عليهم في نفس الحصة أو في حصة أخرى ليدفعهم إلى الانتباه والدقة ويثير في نفوسهم الرغبة في المنافسة الشريفة والتعلق بالقرآن الكريم وأحكامه، ومرجع ذلك كله إنما يتوقف على مهارة المعلم, وعلى حسن استخدامه للوسيلة في الوقت والغرض المناسبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 لمحات تربوية إسلامية : اتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرقا مختلفة لتعليم المسلمين القرآن والأحكام الشرعية، وكان في كل طريقة هو نفسه مضرب المثل حتى يقتدي به الناس في أعمالهم، وحتى يكون نموذجا يحتذى للمربين والمعلمين في مختلف العصور. ومن الطرق التي اتبعها طريقة "المحاولة والتجربة" فهو يترك المسلمين يحاولون عن طريق الاجتهاد الوصول إلى الصواب في أقوالهم وأعمالهم، ويسلكون في محاولاتهم مختلف التجارب الفكرية والعملية، فإذا ما وصلوا من خلالها إلى الصواب أقرهم على ذلك، وإلا قام هو بالتطبيق وبين لهم أوجه الخطأ، وفي الحديث الشريف أن صحابيا دخل المسجد فصلى في ناحية منه ثم جاء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان يجلس مع بعض أصحابه، فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال الرسول: "وعليك السلام, ارجع فصل فإنك لم تصل" , فصلى وعاد فراجعه الرسول، ثلاث مرات .... فقال الرجل في الثالثة: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فعلمه الرسول، وتركه يعيد صلاته حتى أتقنها. والمسلمون يشاهدون ما يحدث. وعلى هذا النحو كان -صلى الله عليه وسلم- يستحفظ الصحابة الآيات والأدعية, وقد روى بعض الصحابة أن الرسول كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 السورة من القرآن. أي: إنه كان يهتم بتعليم المسلمين بطريقة تساعدهم على حفظ الأشياء وفهمها وتدبر معانيها. وهذه الطريقة تكاد تتفق مع "طريقة المشروع" التي نادى بها "جون ديوي" الفيلسوف الأمريكي؛ لأن طريقة المشروع تهدف إلى تكوين شخصيات التلاميذ وتعويدهم الاعتماد على أنفسهم في بحث المشكلات وحلها, وخطواتها مسايرة للخطوات التي يترسمها العقل في الإدراك الفكري، وهي الإحساس بوجود مشكلة، ثم تحديدها بالضبط, ثم فرض ما يمكن من الفروض التي تحل بها المشكلة، ثم الشروع في حل المشكلة بعد ترجيح أحد الفروض حتى يتوصل إلى الحل النهائي لهذه المشكلة. وما سقته كمثال تربوي في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج في غايته عن هذه الأهداف، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تقدمية الإسلام، وعلى أنه الدين الحق الصالح لكل زمان ومكان. وأنه في تطبيقه العملي يكفل للناس جوانب التقدم الفكري والتطبيقي. وكما استعمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- طريقة "التجربة" استعمل أيضا الطريقة "الحسية" تلك الطريقة التي ينتقل فيها المرء من المحسوس إلى المعقول، والتي يقرب بها المعنى البعيد بتشبيهه بالمحسوسات التي تمتلئ بها الدنيا، فقد روى الإمام أحمد عن جابر قال: "كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطا هكذا أمامه وقال: "هذا سبيل الله" وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال: "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا قول الله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وحين سأله الصحابة يا رسول هل نرى ربنا يوم القيامة؟ أجاب: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة القدر" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قالوا: لا يا رسول الله، فضرب مثالا آخر فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب" قالوا: لا يا رسول الله قال: "فإنكم ترونه كذلك". وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تقرب المعنى لأذهان الناس بالمحسوسات التي يدركونها {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وفي وصف نعيم الجنة بصفات تشبه نعيم الدنيا أكبر دليل على ذلك يقول تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تتعلق بالبعث والنشور والحساب {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} وبهذه الطريقة استطاع المسلمون أن يتفهموا أمور دينهم ودنياهم، وأن يربطوا حاضرهم الدنيوي بمستقبلهم الأخروي، وكانت قدراتهم على تفهم الأشياء تمتاز بالعمق والدقة. وطريقة "منتسوري" المربية الإيطالية الشهيرة لا تخرج عن ذلك في شيء, فهي تعتمد على تقوية الحواس وجعلها أبواب المعرفة, وقد جربت طريقتها في تعليم ضعاف العقول من الأطفال في أول الأمر فنجحت نجاحا باهرا، واستطاع هؤلاء الضعاف اللحاق بإخوانهم العاديين, ويمكن الاستفادة بهذه الطريقة في تعليم الأطفال مبادئ القراءة والكفاية، وإيصال مفاهيم الأشياء إلى أذهانهم، كما أنها تساعد الكبار على الربط بين المرئي وغير المرئي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فعلينا أن نلاحظ ما كان يصنعه الرسول -صلى الله عليه وسلم، وما دربنا عليه القرآن، وجاءت به النظريات الحديثة في تعليم أطفالنا, فنستخدم من الوسائل ما يقرب إلى إفهام التلاميذ معاني القرآن, وننقل لهم صورا ورموزا من الطبيعة التي يعيشون فيها تتعلق بالمعاني الواردة في الآيات، حتى نعلم أطفالنا كيف يربطون دينهم بدنياهم، وكيف يتوصلون إلى فهم المعنى بملاحظة المحسوس والمدرك. وقد استخدم الرسول أيضا طريقة الحوار والتكرار. وهي طريقة تربوية عرضها الفلاسفة منذ القدم ويسمونها الطريقة "السقراطية" لأن سقراط الفيلسوف الإغريقي أول من استعمل الأسئلة الحوارية لقصد تعليمي وأخلاقي. وهي طريقة تصلح لتعليم الصغار؛ لأنها تقوم على أسئلة تحاورية من المدرس إلى تلاميذه, وتكون الأسئلة في الغالب قصيرة سهلة متصلة بشيء يسهل على التلاميذ ملاحظته وإدراكه، ومن فوائد هذه الطريقة أنها تتيح للتلاميذ فرصة التعبير الحر عما يجول بخواطرهم. والكشف عن الحقائق بأنفسهم. وقد كثر استعمال هذه الطريقة بين الرسول وأصحابه. فقد روي عن معاذ بن جبل أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سأله "هل تدري ما حق الله على العباد يا معاذ" وكررها ثلاثا ومعاذ يجيب في كل مرة "الله ورسوله أعلم" وبعد الثالثة, قال الرسول: "إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" وأسئلة جبريل للرسول عليهما الصلاة والسلام عن الإيمان، والإسلام والإحسان، والحياء مشهورة معلومة, والقرآن الكريم استعملها كثيرا {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وقد اكتفيت بالإشارة إلى ذلك ليتعرف المعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 على نهج الإسلام في التعليم والتثقيف. وعلى المعلم أن يختار ما يلائم تلاميذه من الطرق، وأن يسلك مختلف السبل ليحقق أقصى الغايات في التربية الإسلامية، وفي تثبيت أهدافها في عقول التلاميذ. وأحب أن أشير إلى أن تعاليم الإسلام تعنى أول ما تعنى بتربية الأخلاق وتهذيبها، والأخلاق ليست دروسا تلقن ولا كلمات تستحفظ، إنما هي عادات وعواطف يمتلئ بها وجدان الطفل، حتى تصبح جزءا من ذاته وكيانه، فإذا مارسها جاءت منه عن قناعة ورغبة، وتركت في نفسه راحة وطمأنينة, وليس في إمكان المعلم تحقيق ذلك، إلا إذا ضرب المثل بنفسه ليقتدى به، وإلا إذا تخير الوقت المناسب ليحرك وجدان الأطفال للمعنى الذي يريد أن يغرسه في نفوسهم, والوقت المناسب يأتي عرضا أثناء الدرس, فلو افترضنا أن الدرس عن سورة "الكوثر" والدرس يقوم على الحوار والمناقشة بين المعلم والتلاميذ, فإن الوقت الملائم هنا لغرس المبدأ الحقيقي المراد من السورة يكون عند سؤال التلاميذ عن معنى "النحر" وهنا بعد بيان المعنى يعلمهم "شكر الله" على منحه وعطاياه، ويبين لهم فضيلة الشكر وأثرها في حياة الإنسان, ويا حبذا لو كان هذا الدرس في مناسبة عيد الأضحى, وكذلك يجب أن يبين لهم رزيلة البغض وما تجره على الناس من ويلات عند بيان معنى "شانئك" ومعنى "الأبتر" ولا يكون الدرس مجرد شرح الكلمات, وتوضيح معناها واستعراض الأفكار الموجودة فيها؛ لأن ذلك لا يتناسب مع دروس الدين، التي هي في جوهرها عملية أخلاقية. تربي الفضيلة، وتمحو الرذيلة، وتطهر الروح. وترقق الوجدان. وقد حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تعليمه لأصحابه على الربط بين أمور الدنيا التي تدور بها حياة الناس، وبين آمال الآخرة التي إليها المستقر وفيها البقاء الدائم، فجاءت كلماته موازنة بين الخيرين ورابطة بينهما، مما يجعل المرء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وكأنه يشاهد الحياتين معا, ولنقرأ معا تعبيره عن مظاهر رحمة الله وتقديره للعلم وأهله في قوله -صلى الله عليه وسلم: "من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة, وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" 1. فالحديث يبين أن الإسلام يعنى بتعليم أبنائه وتعويدهم على التعاون, وبذل ما يستطيعون من المعونات للآخرين، صغرت هذه المعونات أو كبرت, ويحثهم على العلم والجهاد في سبيله؛ لأن في ذلك كشف لقدرات الله وعظمة مخلوقاته. وهي تربية جهلها المسلمون حقبة طويلة من الزمان, مما أدى إلى تأخرهم وتراجعهم عن ركب التقدم والانطلاق في معرفة أسرار الكون وخفاياه، مع أن القرآن الكريم الذي يضم بين دفتيه "6236" آية2 حث على العلم والعمل في سبيله في ثلاث وستين وسبعمائة آية منها3 وهو مقدار كبير إذا ما قورن بالقضايا المتعددة التي شملها القرآن الكريم في التشريع والآداب والسلوك وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة, وذكر الجنة والنار والحساب وغير ذلك، وليس بين الكتب السماوية الأخرى ما حفل بالعلم وأهله عشر معشار ما حفل به القرآن الكريم، ولكن الجهل الذي خيم على المسلمين أجيالا طويلة وقف حائلا بينهم وبين إدراك هذه   1 انظر صحيح مسلم جـ4 ص2074 طبع دار إحياء التراث العربي بيروت 1972, وصحيح البخاري المجلد الرابع الجزء الثامن ص71 المكتبة التجاربة بدون تاريخ. 2 الدليل الكامل لآيات القرآن الكريم، إعداد د. حسين محمد فهمي الشافعي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر 1972م. 3 دستور الأخلاق في القرآن الكريم د. محمد عبد الله دراز ص5. دار البحوث العلمية - الكويت 1393هـ 1973م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الحقائق والعمل بها، ولن يستطيع المسلمون إدراك ذلك والعمل به إلا إذا قامت التربية في مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم على الأسس الصحيحة لهذا الدين، وأخذت من ينابيع الأحكام والقضايا الإسلامية مناهجها وطرقها في التعليم والتعلم, وحول هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" 1 فهو يبين أن رقي الإنسانية وتقدمها وسعادتها في تعلم هذا الدين والعمل به، وأن أفضل الناس من كان عالما عاملا نافعا لنفسه ولغيره, وأن شر الناس من لم ينفع نفسه ولا غيره، وأن الدين حق ثابت لا يتغير وصراط الله مستقيم لا ينحرف، وإنما الناس هم الذين يتغيرون وتتبدل أحوالهم وعقولهم ومعارفهم، وأن أمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في العمل بهذا الدين، والقيام على مبادئه وأحكامه دون نقص أو تغيير، وأن البشرية ستظل في متاهتها تدور في حلقات مفرغة حتى تهتدي إلى نور هذا الإيمان, فتعمل به فيعم الأرض الأمن والسلام والمحبة، والله تبارك وتعالى يقول: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 2. ولا نريد أن نكون كمن حملوا التوراة، فنعيش في دنيانا مسلمين بشهادات الميلاد والمواطن والنسب, وكل أعمالنا ومواقفنا وأحكامنا وقضايانا بعيدة كل البعد عن الإسلام ومناهجه، والمدرسة الابتدائية تعد ميدانا خصبا لغرس هذه   1 انظر صحيح البخاري جـ8 ص57. 2 سورة الجمعة آية 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 المبادئ ورعايتها؛ لأن تلميذ هذه المرحلة على استعداد فطري لتقبل المعلومات التي تطرح عليه, سواء كانت متصلة بحياته وعمله اليومي وممارساته للعب وفي نطاق الأسرة، أو كانت متصلة بالغيبيات والأمور التي يجهلها جهلا كليا, ولا يستطيع أحد أن يجد لها رابطا من مشاهداته ومعارفه, بشرط أن تنقل إليه بطريقة يتقبلها عقله, ويشعر في ذاته أن لها مردودا يعود عليه وعلى المحيطين به في الأسرة والمجتمع. والمنهج الإسلامي بأصوله الأساسية "القرآن، والحديث" ثابت في مقوماته ومبادئه؛ لأنه كما أراد الله متفق وطبيعة الإنسان، وللإنسان كينونة ثابتة، لا ينتقل منها إلى كينونة أخرى. وما يحدث له عبر العصور من تحولات وأطوار تلابس حياته لا تغير من طبيعته ولا تبدل من كينونته، ولا تحوله خلقا آخر، وإنما هي تغيرات سطحية كالأمواج في الخضم، لا تغير من طبيعته المائية, بل لا تؤثر في تياراته التحتية الدائمة المحكومة بعوامل طبيعية ثابتة، وقبل نزول القرآن وبعده عرف الناس أحوالا كثيرة من التغيير والتبديل في الآراء والأفكار والاتجاهات, ولكنها لم تعرف تغييرا مماثلا في بنية الإنسان وذاته بل ظل الإنسان هو الإنسان، وظلت حاجته الدائمة الدائبة إلى منهج رباني يصونه ويحميه من كل ما هو دائر فيه من ماض وحاضر ومستقبل, وظلت فطرة الإنسان تدعوه إلى الإيمان سواء كان إيمانا صحيحا مرده وملتمسه التنزيلات الإلهية, أم كان من صنع البشر واختراعاتهم وأوهامهم. والقرآن كمنهج إلهي واجه بوضوح تلك الكينونة البشرية الثابتة؛ لأنه من صنع المصدر الذي صنع الإنسان، فهو يواجه حياته بظروفها المتغيرة، وأطوارها المتجددة بنفس المرونة التي يواجه بها الإنسان ظروف الحياة المتغيرة، وأطوارها المتجددة وهو محافظ على مقوماته الأساسية، مقومات الإنسان. وفي الإنسان هذا الاستعداد وهذه المرونة، وإلا ما استطاع أن يواجه ظروف الحياة وأطوارها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وهي ليست ثابتة من حوله، وفي المنهج الرباني الموضوع لهذا الإنسان ذات الخصائص، بحكم أنه صادر من المصدر الذي صدر منه الإنسان، ومودع خصائصه ذاتها، ومعد للعمل معه إلى آخر الزمان, في البيئة الزراعية والصناعية، العلمية وغير العلمية التي تبحث عن الحقيقة والتي تفلسفها، الغنية والفقيرة، الجاهلة والعاملة, لهذا يستطيع هذا المنهج وتستطيع نصوصه من القرآن والحديث أن تلتقط الفرد الإنساني، وأن تلتقط المجموعة الإنسانية من أي مستوى ومن أية درجة من درجات المرتقى الصاعد، فتنتهى به وبها إلى القمة السامية، أنه لا يرده ولا يردها أبدا إلى الوراء ولا يهبط به أو بها أبدا إلى درجة أسفل في المرتقى، كما أنه لا يضيق به ولا بها ولا يعجز عن رفعه ورفعها أيا كان مكانه أو مكانها من السفح السحيق. المجتمع البدائي المتخلف كالمجتمع العربي في الجاهلية القديمة والمجتمع الصناعي المتحضر، كالمجتمع الشيوعي والأوروبي والأمريكي في الجاهلية الحديثة، كلاهما يجد في المنهج الرباني والنصوص القرآنية مكانه، ويجد من يأخذ بيده من هذا المكان، فيرقى به في المرتقى الصاعد، إلى القمة الساحقة، التي حققها الإسلام في فترة حية من فترات التاريخ الإنساني. إن الجاهلية ليست فترة ماضية من فترات التاريخ, إنما الجاهلية كل منهج تتمثل فيه عبودية البشر للبشر. وهذه الخاصية تتمثل اليوم في كل مناهج الأرض بلا استثناء ففي كل المناهج التي تعتنقها البشرية اليوم، يأخذ البشر عن بشر مثلهم: التصورات والمبادئ والموازين والقيم، والشرائع والقوانين، والأوضاع والتقاليد, هذه هي الجاهلية بكل مقوماتها، الجاهلية التي تتمثل فيها عبودية البشر للبشر، حيث يعبد بعضهم بعضا من دون الله. والإسلام هو منهج الحياة الوحيد، الذي يتحرر فيه البشر من عبودية البشر؛ لأنهم يتلقون التصورات والمبادئ، والموازين والقيم، والشرائع والقوانين والأوضاع والتقاليد، من يد الله -سبحانه- فإذا أحنوا رءوسهم فإنما يحنونها لله وحده، وإذا أطاعوا الشرائع فإنما يطيعون الله وحده، وإذا خضعوا للنظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فإنما يخضعون لله وحده, ومن ثم يتحررون حقا من عبودية العبيد للعبيد، حين يصبحون كلهم عبيدا لله بلا شريك، وهذا هو مفترق الطريق بين الجاهلية -في كل صورة من صورها- وبين الإسلام1, والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به، ولا يزيغ عنه" 2 ويقول: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي" 3. وقد علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه والمسلمين في ربوع دولته كيفية التعامل مع الأفكار والآراء والمواقف التي تعرض لهم، وناقش معهم أبسط الأمور وأعقدها. واتخذ من نفسه مثلا للقضايا التي تخالف طباع الغرب وأهواءهم حتى يقضي على كل خلاف فيها, وكان أسلوب الحوار والاستنتاج أحد الأساليب التي اتبعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتعليم من حوله، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى, ولكني سأحول عرض بعضها فيما يتصل بأمور وقضايا مختلفة. روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن قال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء"؟ قال: أقضى بما في كتاب الله قال: "فإن لم يكن في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسوله الله, قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله"؟ قال: أجتهد رأيي لا ألو. قال معاذ: فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدري وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" 4.   1 انظر في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب جـ1 ص15-18، 555-557 طبع دار الشروق بيروت سنة 1393هـ-1973م. 2 صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة جـ9 ص122 كتاب الشعب سنة 1379هـ. 3 جامع بيان العلم "لابن عبد البر" 2/ 180 القاهرة، إدارة الطباعة النيرة. 4 انظر إعلام الموقعين جـ1 ص243. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وروى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا وإني قد أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه"1. فأما الموقف الأول فالحوار فيه يتعلق بأخطر القضايا التي يمكن أن يواجهها إنسان أسندت إليه مسئولية الحكم بين الناس والقضاء بينهم، وقد حرص فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أن يبين أن الأمر لله ولرسوله، وأن العقل الإنساني له دور خطير في الاستنتاج واستخلاص الأحكام، وأن الاجتهاد باب مفتوح يلجه القادرون من علماء الإسلام المخلصين، وعلى الأمة اتباع آرائهم والأخذ بما توصلوا إليه من أحكام وقضايا, وإن كانت غير واردة بالنص الصريح في القرآن والسنة، وأما الموقف الثاني فقد جاء مؤيدا للموقف الأول وزاد عليه توضيح الرسول -صلى الله عليه وسلم- للناس، كيف -وهو الملتقي عن ربه- أصدر أحكاما ليست بالنص الصريح في كتاب الله, والناس مطالبون باتباعها والعمل بها، فليس الأمر في قضايا الإسلام والمسلمين تحجرا وتعصبا، وإنما هو بحث وفكر واجتهاد، وكل ما يجب الالتزام به ألا يخرج هذا البحث أو ذاك الاجتهاد على نص صريح من نصوص كتاب الله وسنة رسوله, وكان التزام المسلمين بذلك في عصر صدر الإسلام التزاما مبدعا خلاقا، أدى إلى بروز جماعات علمية لم يعرف العالم لها نظيرا في أي عصر من العصور, وفي أي أمة من الأمم، حتى أخذت البشرية كلها تنهل من هذا الفيض قرونا متعددة، وأصبحت الفلسفات اليونانية والرومانية والهندية والفارسية التي كانت سائدة قبل الإسلام،   1 انظر تفسير القرطبي جـ1 ص37، 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 في الدرجة الثانية من فكر بني الإنسان، بعد أن ارتقى عليها وفاقها الفكر الإسلامي في جميع مجالات الحياة، وقد رأينا عمر بن الخطاب يتبع خطوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فهو يقول: "لشريح" حين ولاه قضاء الكوفة: "انظر ما يتبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يتبين لك فاتبع فيه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد في رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح" 1. وقد حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مواقفه التعليمية على أن يبين للمسلمين أن التعصب والمغالاة أمران مرفوضان في الإسلام، وأنه لا ينشد الصعب أو المستحيل فيما يقول ويعمل، وإنما يريد الأمان بينه وبين ربه، وبيئته ونفسه، والطريق لذلك لا يحتاج إلى خروج على المألوف, أو التزام طرق المحال, وإنما يحتاج إلى الصدق مع الله ومع النفس والعمل الدائب من أجل الحق والعدل والمحبة, وهو في سبيل توضيح ذلك ترخص في أمور كثيرة وهجر أصعبها إلى أيسرها، ولكن بعض الصحابة والمسلمين ظن أن ذلك لا يجوز إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتركوا هذه الرخص ولم يعملوا بها, وكان من الممكن أن يحضرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه وأن يؤنبهم على ذلك ويطلب منهم العمل بها, ولكنه على عادته من الرفق بالمخطئ وعدم مواجهته باللوم أمام الناس، وقف خطيبا بين المسلمين ووجه لهم جميعا القول فيما روت عائشة رضي الله عنها قالت2: صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرا فترخص فيه، فبلغ ناسا من أصحابه، فكرهوه وتنزهوا عنه، فقام خطيبا فقال: "ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه؟ فوالله لأنا أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية". ويفسر لنا هذا الموقف أيضا ما روته السيدة عائشة في موضع آخر قالت: ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم   1 انظر إعلام الموقعين جـ1 ص71، 97، 98 وما بعدها. 2 انظر صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة جـ9 ص 13، 1، 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما1، والتخيير في حالات كثيرة كان يأتي من قبل الله عز وجل ليكون مثالا تعليميا يدركه المسلمون ويعملون به, قال تعالى مخاطبا رسوله: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 2. وقد اختار الرسول -صلى الله عليه وسلم- أيسر المطلوب، فكان يقوم أقل من نصف الليل. وخيره بين الإفطار في رمضان إذا كان على سفر مجيز لذلك "وهو موضح في كتب الفقه" وبين عدم الإفطار فاختار الأيسر وأفطر. روي أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى في أحد أسفاره زحاما من الناس حول رجل يظلونه من الشمس, فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما هذا؟ " , فقالوا: صائم. فقال: "ليس من البر الصيام في السفر" 3 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فصام، حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء، فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول: "قد صام رسول الله وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر4 والروايات على ذلك كثيرة"5. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ   1 انظر فتح الباري جـ6 ص371. 2 سورة المزمل الآيات 1-4. 3 انظر البخاري -كتاب الصوم- باب 35. 4 انظر البخاري -كتاب الصوم- باب 37. 5 انظر سيرة بن هشام وسيرة الحلبي والبخاري ومسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1. وكان الرسول حريصا على توضيح ذلك للناس حتى يعملوا به من بعده, وقصة الذين كانوا يقومون الليل ويصومون النهار وإنكار الرسول عليهم ذلك مشهورة ومتفق عليها, وإن كان هذا موقفه في العبادات فإن موقفه في المعاملات كان أكثر وضوحا في التمثيل للمواقف التعليمية, فقد روي أن أعرابيا جاءه يطلب شيئا فأعطاه، ثم قال له: "أأحسنت إليك؟ " , قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. فغضب المسلمون وهموا به، فأشار الرسول إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئا ثم قال له: "أأحسنت إليك؟ " , قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب ما في صدورهم عليك" قال: نعم، فلما كان الغد وفي العشي جاء الأعرابي، فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي أكذلك؟ " قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال -صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل هذا الرجل مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها أخلوا بيني وبين ناقتي, فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذها من قمام الأرض، فردها حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار". فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حاجة إلى رد الأعرابي واستنطاقه بما نطق به, إلا ليبين للمسلمين في موقف تعليمي أن العفو والصفح يأسران القلوب, وأن الحسنة تذهب السيئة، وأن الانفعالية عند الإنسان إذا لم يكن لها ضابط يردعها فإنها تؤدي به وبغيره إلى الهلاك. كما في حالة الناقة وصاحبها.   1 سورة البقرة 183، 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وهذا يبين أن الإسلام بمصدريه الأساسيين: القرآن والسنة يتعهد الناس بالتربية التي تكفل لهم ولمجتمعاتهم الأمن والاستقرار والمحبة، والتي توجههم إلى تصور الأمور وقياسها على غيرها لينتج من ذلك واقع يؤدي إلى استمرارية الحياة في طريق صحيح, وكان حرص الإسلام شديدا على أن يبدأ التوجيه السليم من أول سنوات الطفولة، فيعود الطفل على ضبط رغباته لا كبتها؛ وذلك لأن الطفل كما أشارت نظريات علم النفس على قدر من الوعي أعظم بكثير مما يظن أغلب الناس. وفي إمكان المربي بحذقه ومهارته أن يبين للطفل الحكمة في منعه من إتيان عمل من الأعمال بطريقة لا يتعذر فهمها على مداركه، وكما أخذ الله عباده بالتدريج في كل أحكام الدين وقضاياه، فإننا نلاحظ ذلك مع الطفل, فإذا كان من المتعذر إدراكه لكل الموانع في زمن الطفولة، فإن الفرصة موجودة دائما لرفعها إلى عالم الشعور الواعي فيما بعد، حين تنضج أفكار الطفل إلى حد يسمح لها بالاستيعاب، فإذا فرضنا جدلا أن بعض الأطفال -في ظل النظام الإسلامي- قد أصيبوا بشيء من الكبت المبكر فإن اليقظة الدائمة المفروضة في الضمير الذي يبنيه الإسلام، ويتعهده بعرض الحقائق التي يتقبلها ويؤمن بها على أسس سليمة واضحة، كفيلة بتخفيف أعراض الكبت وشفاء آثاره، بل وتحويله إلى عمل خلاق ينتفع به الإنسان والبشرية من بعده, وفرويد يقرر أن قدرا معينا من الكبت ينشأ بطريقة ذاتية لا ضرر فيه، ولولا وجود الكبت لظل الإنسان في عذاب دائم من رغبات لا يمكن تحقيقها أصلا، لا لأن المجتمع أو الدين أو الأخلاق تحول دونها؛ ولكن لأن الطاقة البشرية تقف دونها عاجزة كالرغبة في الطيران في الجو كالطيور، والرغبة في السيطرة المطلقة على قوى الطبيعة، ورغبة بعض الأطفال في الحصول على القمر، ولعل كبت هذه الرغبات المستحيلة هو الذي يوجه النشاط العلمي لمحاولة تحقيقها من طريق آخر، ويوجه الفن لتحقيقها في الخيال, وليس هناك أخطر من تصور بعض المفكرين أو القائمين على التربية أن أوامر الدين وقضاياه أكبر من أن تعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 على الطفل فيحجمون عن جهل أو خشية من عرضها بصورتها الحقيقية التي وضحها الإسلام وبين أبعادها؛ لذلك فإني أرجو من المسئولين عن التربية في كل أنحاء العالم الإسلامي أن يهتموا بمعلم التربية الإسلامية, وأن يتعهدوه بتربية خاصة, وأن يختاروه ذا نوعية مميزة عن باقي المعلمين، وأن يمنحوه من المزايا ما يتفق والرسالة الإنسانية الخطيرة التي يقوم بها, وليس هذا بدعا من القول فكل هذا معمول به عند أتباع الأديان الأخرى من قساوسة وأحبار ورهبان ومبشرين, ونحن وحدنا الذين جعلنا ديننا وتعاليمه السامية في مؤخرة العلوم, وجعلنا القائمين عليه بلا ضابط أو تمييز، مع أن الله تبارك وتعالى حدد لنا صفات المؤمن الحق، وهي ما يجب أن تتوفر في معلم التربية الإسلامية. وهذه الصفات في إيجاز هي: 1- طهارة النفس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 1 {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} 2 2- التحكم في الأهواء: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 3 {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 4   1- الشمس: 9, 10. 2- ق: 31-33. 3- النازعات: 40, 41. 4- ص: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 3- العفة وغض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} 1 4- كظم الغيظ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2 5- الصدق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 3 {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 4 6 التحفظ في الأحكام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} 5 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 6   1 النور: 30, 31. 2 آل عمران: 134. 3 التوبة: 119. 4 الزمر: 33. 5 الحجرات: 6. 6 الحجرات: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 7- الثبات والصبر: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} 1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} 2 {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} 3 8- القدوة الحسنة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} 4 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} 5 9- الاعتدال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} 6 {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 7   1 المدثر: 7. 2 آل عمران الآية الأخيرة. 3 البقرة: 155. 4 الأحزاب: 21. 5 الصف الآية الأخيرة. 6 الفرقان: 67. 7 الإسراء: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 10- التنافس الشريف: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} 1 11- حسن الاستماع واتباع طريق الخير: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} 2 12- البعد عن الكذب: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} 3 {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُون} 4 13- البعد عن النفاق: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} 5   1 المائدة: 48. 2 الزمر: 17, 18. 3 الحج: 30. 4 النحل: 105. 5 البقرة: 204-206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 14- البعد عن البخل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} 1 {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا, الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} 2 15- البعد عن الرياء: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا، وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} 3 16- البعد عن الاختيال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} 4 17- لا يتكبر ولا يتعاظم على الآخرين: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} 5 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} 6 {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} 7   1 البقرة: 268. 2 النساء: 37. 3 النساء: 38, 39. 4 الإسراء: 37. 5 النحل: 23. 6 النساء: 49. 7 النجم: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 18 عدم التفاخر بالقدرة وبالعلم: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} 1   1 الكهف: 32-42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وقد حرصت على عرض هذه الصفات بما يتفق وما جاء في القرآن الكريم دون شرح أو تحليل؛ لأنها واضحة لا تحتاج إلى فلسفات أو تقنين كما هو الشأن في مواد القوانين البشرية التي يصنعها الإنسان، وفي الغالب يكون هو أول المتمردين عليها. ولا شك أن تحقيق أهداف التربية الإسلامية، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق من يتحلون بهذه الصفات، وقد وقع ذلك فعلا في عصور السلف, ولا أدري ما هي الأسباب التي تحول دون أن يعمل المسئولون في الأمم الإسلامية على تحقيق ذلك مرة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 القيم والاتجاهات وأهمية تركيز المعلم عليهما ... القيم والاتجاهات وأهمية تركز المعلم عليها: القيم في سيكولوجية نظرية المجال، هي اتجاهات السلوك أو للعمل أو اتجاهات في السلوك أو العمل، أو هي السلوك الفعلي للأفراد في تفاعلاتهم مع بيئاتهم, كما يدركون أنفسهم وهم يؤدون في مواقف حياتهم, وكل فعل لكل فرد يمثل تفضيلا لمسلك على الآخر. والمسلك المختار هو الأحسن والأكثر قبولا، والأكثر أهمية الذي يصطنعه الفرد وقت سلوكه طبقا لتقديره وإدراكه للظروف القائمة في الموقف. ولكن السلوك الظاهري هو وجه واحد فقط من القيمة, أما الوجه الآخر فهو الإدراك الباطني والحكم اللذان يؤيدان وظيفتيهما من البداية, ثم يستمران بصورة معدلة حتى تتسبب تغييرات الموقف في وقف العمل الذي انبعث من القيمة. فكل اتجاه للعمل أو السلوك يمكن ملاحظته أو رصده هو مجرد المظهر الخارجي المعبر عن أحكام القيمة الداخلية التي تنشأ في نفس الوقت مع السلوك البادي. وكل حدث في العمل، وكل جزء في المسلك يتضمن حكما مرده إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 قيمة، سواء أكانت على المستوى الجزافي اللاإرادي الذاتي أم على المستوى الإدراكي، إذ يوجد في كل كائن حي إنسان صورة ما أو شكل ما من أشكال أو صور العمل الهادف المفضل الراجع إلى قيمة ما1. وبنظرة موضوعية إلى التربية الإسلامية نجد أنها في مناهجها وموضوعاتها الإلهية والبشرية تحقق جانبي القيمة الظاهرية والباطنية, فهي تعنى بسلوك الفرد مع نفسه ومع الناس، وتحثه بأداء العبادات على طهارة القلب والنفس والجوارح, وتمنحه الوازع الذي يدفعه إلى التضحية والفداء والصبر. وتقترب به في مثاليتها إلى جوانب الحق والجمال والخير, وتصل به في بعض مواقفها إلى سمو يرفعه فوق ترابيته ويدنيه من عالم الروح, فهي إذن تربية أخلاقية، تنشد الوصول إلى الخلق الكامل عند الفرد المسلم, وتساعده بهذا البناء الأخلاقي على الاهتمام بالجسم والعقل والعلم والعمل, والطفل في حاجة إلى قوة هذه الجوانب جميعها، كما هو في حاجة إلى تربية الخلق والوجدان والإرادة والذوق والشخصية. ولا يمكن أن يحقق المعلم غايته في ذلك, إلا إذا اهتم بالقيم الإسلامية وأبرزها في دروس الدين. وجعلها أمام التلاميذ قيما تتعلق بحياتهم ومستقبلهم حتى يقبلوا عليها برضا وحب، يجعل منها جزءا من وجدانهم وأفكارهم, وقد أشرت إلى ذلك في موضوعات العبادات وتدريسها, وبينت أن الغرض من التربية الإسلامية ليس حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات، وتعليمهم من الأشياء ما يعلموا، بل الغرض أن نهذب أخلاقهم، ونربي أرواحهم ونبث فيهم الفضيلة، ونعودهم الآداب السامية، ونعدهم لحياة طاهرة قوامها الإخلاص والعدل والصفاء. فالهدف الأسمى من التربية الإسلامية هو تهذيب الخلق، وتربية الروح,   1 انظر النفس المنبثقة في المدرسة والبيت ص466، 467 ل. توماس هوبكنز ترجمة الدكتور محمد على العريان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وكل قول وفعل وحركة من معلمي التربية الإسلامية يجب أن تكون درس أخلاق. وتنظيم الاتجاهات وتعديلها لدى الأطفال يجب أن يكون مقصودا في كل درس؛ لأن القيم وإن كانت واضحة في كل تعاليم الإسلام، إلا أن اتجاهات الأفراد والمجتمع ربما تكون متأثرة بعوامل أخرى من مذاهب وأفكار لا تتصل بالإسلام في شيء. ولكي نجعل من القيمة شيئا جوهريا في نفوس التلاميذ. لا بد من تعديل هذه الاتجاهات ومحاولة القضاء على مؤثراتها التي تطرق على الطفل بابه في أجهزة الإعلام والصحافة, ودور التعليم, ومهمة معلم التربية الإسلامية نحو ذلك واضحة, إذا بمقدوره المقارنة بين هذه الاتجاهات الدخيلة والاتجاهات الاسلامية السامية، وبيان الفرق بينهما في حياة الإنسان وفكره وعقيدته. وأن يعتمد في ذلك على الحقائق الإسلامية في القرآن والحديث والسيرة ولا يكون كل همه عرض الموضوعات المقررة على التلاميذ, والانتقال منها إلى عملية تقويم المحفوظ والمفهوم لديهم؛ لأنه بذلك يلغي أثر التربية الإسلامية نهائيا. وقد اهتم علماء التربية الإسلامية بهذه الجوانب. فالفارابي وابن سينا وإخوان الصفا يرون أن الكمال الإنساني لا يتحقق إلا بالتوفيق بين الدين والعلم, ذلك التوفيق الذي يجعل من القيم الإسلامية شيئا متصلا بحياة الفرد في كل مجال وعمل. والغزالي يرى أن محور التربية الحقة هو التقرب إلى الله، وألا يقصد المتعلم بالتعلم الرياسة والمال والجاه، ومباهاة الأقران, وهذا يعني التربية الخلقية قبل كل شيء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وفي كشف الظنون قال الحاج خليفة1: ليس الغرض من الدرس تحصيل الرزق في هذه الدنيا، لكن الغرض الوصول إلى الحقيقة, وتقوية الخلق وهو يعني الوصول إلى الحقيقة العلمية والخلق الكامل. فالتربية الإسلامية التي ننشدها الآن في مدارسنا يجب أن تقوم على هذه الحقائق التي أدركها علماؤنا الإسلاميون في عصور السلف، واستطاعوا عن طريقها أن يربوا أجيالا كانت في إيمانها وقوتها وصلابة إرادتها، موضع احترام العالم وتقديره, وعلى المعلمين أن يعتنوا بتلك القيم والاتجاهات، وأن يخاطبوا الأطفال على قدر عقولهم بعبارات يفهمونها، ولغة جيدة ترتقي بألفاظهم وأساليبهم، وأن يضعوا كل طفل في الموضع اللائق به، وأن يتسع حلمهم لهم جميعا بلا تفرقة أو تمييز, وفي هذا يقول الرسول الكريم: "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، ونخاطبهم على قدر عقولهم". ويقول أيضا: "ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم". والتربية الحديثة تهتم بذلك. وتدعو إلى مراعاة المستوى العقلي والعلمي للتلاميذ حتى يدركوا ما يقال لهم. واهتمام المعلم بأهداف التربية الإسلامية وبثها في نفوس التلاميذ ليس أمرا عسيرا؛ لأنهم مفطورون على حب الحق والفضيلة والخير. وغايتنا لا تخرج عن ذلك؛ لأنها بث الأخلاق الكريمة، وغرس الفضائل، والتمسك بها، والميل إلى الحق والعدل, واجتناب الظلم والشر، والتفكير في النواحي الروحية والإنسانية، وتفريغ القلب من الشهوات والأهواء، والاهتمام بالدين والعلم والعمل.   1 كشف الظنون ص16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الفصل الرابع: نماذج لإعداد دروس التربية الإسلامية بالمرحلة الابتدائية نظرة حول طرق التدريس ... الفصل الرابع: نماذج تدريبية لإعداد دروس التربية الإسلامية نظرة حول طرق التدريس: قبل أن أعرض عليك شيئا من هذه النماذج أحب أن تعرف بعض المفاهيم التي أوردها علماء التربية عن طريقة التدريس، والتعاريف التي حاولوا أن يطلقوها وأن يدخلوها في نطاقها, ولا يقتضي الأمر منا أن نفرق من تاريخ التربية عبر العصور لنتعرف على ذلك, وإنما يكفي أن نشير إلى بعض ما أورده علماء التربية في العصر الحديث. فقد اتفقوا إلى أن طريقة التدريس يجب أن تؤدي إلى: 1- إثارة الميل: أي: أن تقوم طريقة التدريس على إثارة ميل في التلميذ, وإثارة الميل كما يقول الدكتور أبو الفتوح رضوان1: "هي تنبيه رغبة من نفس التلميذ أي: حفزه إلى أن يرغب في شيء، أو في أن يعمل شيئا في نتيجته أن يتعلم, أي: أن يغير سلوكه، والرغبة، إحساس داخلي يظهر نتيجة لموقف يخرج هذه الرغبة من حيز القوة إلى حيز الفعل، هذا الموقف المثير لا تعنينا طريقته ولا كيف يتفق, قد يكون حادثة حدثت في البيئة وقد يكون خبرا في جريدة، وقد يكون موقفا أوجده المدرس وهندسه وحبك أطرافه فلا يكون للتلميذ مناص من أن يتنبه إليه   1 منهج المدرسة الابتدائية ص138 دار القلم الكويت 1393 هـ-1973م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 ويرغب في العمل فيه ومنه ثم يتعلم، وعلى ذلك فالمهم أن يتوافر موقف تعليمي سواء أكان طبيعيا أم صناعيا, يثير رغبة التلميذ ويؤدي إلى خبرة أو تجربة ومن ثم إلى تغيير في السلوك, فالمسألة ليست مسألة التلميذ وحده، وإنما هي عملية تفاعل بين المدرس والتلميذ والموقف الخارجي، ويترتب على هذا إيقاظ رغبة التلميذ في أن يتعلم". 2- بروز الهدف: أي: جعل التلميذ يشعر بأن العملية التعليمية سوف تحقق له هدفا يسعى هو إليه، ويحس من خلاله براحة نفسية وسعادة ليس في استطاعته الحصول عليها بغير عملية التعلم، ومن أجل ذلك يسهل الصعب، وتمتد الحوافز، وترتفع الهمم، ويقف التلاميذ من عملية التعلم موقف القبول والرضا. لهذا كانت طريقة الإلقاء والحفظ طريقة عقيمة وغير مجدية في عملية التعلم, فالمعلم الذي يهتم بالإلقاء ويحرص على أن يحفظ تلاميذه الآيات القرآنية، والحديث الشريف بدون غرض واضح وهدف محدد لديهم, سرعان ما ينسون هذه الآيات وهذه الأحاديث علاوة على عدم فهمهم لمضمونها وما يتصل منها بحياتهم وحياة الناس. أما إذا أبرز المعلم الهدف منها, وساقها بحيث تلتقي والغرض الذي ينشده التلميذ من موقفه التعليمي، فإنه فوق إدراكه لها وفهم معنها تصبح عملا حياتيا له، وتؤثر في سلوكه وانفعالاته تأثيرا إيجابيا، ويكون ذلك في الغالب بربط الدرس بمشكلة اجتماعية، بل جعل المشكلة محورا تدور المعاني المراد إبرازها حوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 3- وضع الخطة: الخطة المثلى هي تلك التي يضعها المدرس والتلاميذ معا فتكون مفهومة للتلاميذ، وتتضمن أن يسير النشاط التعليمي بذكاء من جانب التلاميذ، لذلك يجب أن يشرك المعلم تلاميذه في وضع خطة الدرس بأي صورة من الصور. وهناك عدا الخطة التي يضعها المدرس مقدما ثم يصل إليها مع التلاميذ بطريقة الحوار عن طريق توجيههم في عملية تفكير سليمة يعرف نتيجتها مقدما، ويحرص من خلالها أن يصل إلى الفرض الذي يحفز التلاميذ على قبول عملية التعلم والحرص عليها والاهتمام بها. 4- تنفيذ الخطة: سواء أكانت موضوعة من قبل المعلم والتلاميذ أو كانت موضوعة من قبل المعلم وحده, المهم أن تنفيذ الخطة بحيث تحقق الغرض من الموقف التعليمي بالصورة التي يحس فيها التلاميذ بأن هذا الفرض جزء من حياتهم يحرصون عليه ويهتمون به, ويشعرون بالسرور لمناقشته والعمل من أجله. 5 المراجعة: أي: مراجعة النفس ومحاسبتها ونقد الخطة ومحاولة التعرف هل حققت أغراضها؟ هل وصلت بنا إلى الأهداف المرجوة؟ هل تفاعل معها التلاميذ ووصلت بهم إلى الفرض من العملية التعليمية؟ هل أثرت في السلوك وعملت على تعديل الاتجاهات؟ والمراجعة بالطبع تقتضي تعديل الخطة إذا لزم الأمر، والإسراع أو الإبطاء في التنفيذ, والإضافة أو الحذف من الموضوعات المقررة على التلاميذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 6- التقويم: ويشترك فيه المعلم مع تلاميذه، ويرجى منه الإجابة على الأسئلة التي تطرح نفسها دائما, هل نجحت العملية التعليمية؟ هل حققنا غرضنا منها؟ هل تغير سلوكنا نتيجة الدرس عدا فن التهذيب أي: إننا يمكن أن نقول: هل الصداقة والمحبة والتعاون والإيثار والتضحية والوفاء والصدق والعدل أصبح سلوكنا كما هي أهداف دروس الدين؟ هل بعد أن درس التلاميذ ما درسوا تغيرت اتجاهاتهم وتعدل سلوكهم؟ إذا كان هذا قد حدث فقد تعلم التلاميذ وأثمر لتعليم, والتحقق من هذا هو معنى التقويم، والمراجعة والتقويم عمليتان متصلتان، أو هما جزءان لعملية واحدة أولاهما أثناء النشاط التعليمي وتتم الأخرى في نهايته. وأحب أن أبين للمعلمين والمعلمات أن مراعاة هذه الشروط ليست بالأمر العسير، فهي لا تتعدى وقفة تأمل عند نهاية كل موضوع، أو عند الانتهاء من وحدة تعليمية كاملة "كالصلاة أو الزكاة مثلا" ومحاولة جعل التلاميذ يؤدون مضمونها عملا وقولا مع الحوار والمناقشة، إن هذا حقا يجعل الدروس مثمرة، ولا تعنينا بعد ذلك طريقة بعينها، وإن كان من المستحب أن ينتقل المدرس بين الطرق حسب الظروف والمواقف، أي: لا يتعصب لطريقة بعينها مهما قيل عنها إنها حديثة أو قديمة، ويكون معيار اختياره للطريقة هو مدى قدرتها على تحقيق الأسس الستة السابقة, ومتى تحققت هذه الأسس فكل الطرق سواء. أما تعريف الطريقة كما جاء في بعض كتب التربية الحديثة فهو: عرفها: "إدجار بروس ويزلي" فقال: هي سلسلة من النشاط الموجه للمدرس الذي ينتج عنه تعلم لدى التلاميذ أو هي العملية أو الإجراء الذي يؤدي تطبيقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الكامل إلى التعلم وهي الوسيلة التي عن طريقها يصبح التدريس فعالا1. ويعرفها الأستاذان: علي الجمبلاطي وأبو الفتوح التوانسي بأنها الأساليب التي يتبعها المدرس في توصيل المعلومات إلى أذهان التلاميذ2. وعرفها: الأستاذ محمد عطية الإبراشي "بأنها الوسيلة التي نتبعها لتفهيم التلاميذ أي درس من الدروس في أي مادة من المواد, أو هي الخطة التي نضعها لأنفسنا قبل أن ندخل حجرة الدراسة ونعمل لتنفيذها في تلك الحجرة بعد دخولها"3 أما المربي الأمريكي "كلباترك" kILPATRIC-K فيرى أن الكلمة طريقة التدريس معنيين: معنى محدودا ويقصد به إيصال المعلومات إلى التلاميذ: ومعنى شاملا: ويقصد به إكساب المعلومات والمهارات مضافا إليها وجهات نظر وعادات من التفيكر وغيره4. ويرى الأستاذ محمد عبد الرحيم غنيمة: أن طرق التدريس تعني الوسائل العملية التي بها تنفذ أهداف التعليم وغاياته5 وهي نظرة شاملة تندرج تحتها الإدارة التعليمية، والفكر التربوي وطريقة التدريس والنشاط النفسي والاجتماعي والرياضي المتصل بعمليات التعليم.   1 Edgar Bruce, mesly. teaching Social Studies in High Schools "The third Edittion " Boston U. S. A 1950 pp 421-422. 2 الأصول الحديثة لتدريس اللغة العربية والتربية الدينية ص23 دار نهضة مصر - القاهرة 1971م. 3 روح التربية والتعليم ص267 ط عاشرة. القاهرة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه. 4 التربية وطرق التدريس ط ثالثة للأستاذين صالح عبد العزيز وعبد العزيز عبد المجيد ص242. دار المعارف بمصر - القاهرة. 5 تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى ص177 وما بعدها. تطوان المغرب. دار الطباعة المغربية 1953م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ويرى كثير من علماء التربية أن طريقة التدريس تعني التخطيط الدقيق للمادة العلمية وتنظيمها تنظيما ميسرا, يجعلها في متناول إدراك تلاميذ كل مرحلة من مراحل التعليم، وأن المعلم وحده هو المسئول عن هذا التخطيط وتنفيذه, بالطريقة التي يراها ملائمة له ولمستويات تلاميذه، مع محاولة التأثير في سلوكهم وتغيير عاداتهم. وهذا يجعلنا ندرك أن طريقة التدريس هي وسيلة المدرس لتحقيق أهداف العملية التربوية بكل مشتملاتها التعليمية والسلوكية والأخلاقية والنفسية. لذلك فإننا نستطيع أن نقول إن طريقة تعنى أكثر من مجرد أداة لتوصيل المعلومات والمعارف إلى ذهن المتعلم. إنها بالدرجة الأولى أداة لمساعدة المتعلم على اكتساب المهارات والعادات والاتجاهات والميول والقيم المرجوة لأي مجتمع من المجتمعات؛ لأننا نعلم أن هذه الأمور جميعها قابلة للاكتساب والتغيير والتعديل، والعملية التربوية هي التي تقوم بذلك، وطريقة التدريس جزء من العملية التربوية بل تعد الأساس الأول لها. إن المعلم الجيد يجب أن يدرك أن التغير المطلوب من سلوك المتعلم هو الهدف الأساسي لعملية التدريس, وأن نجاح التدريس وطريقته إنما يقاس بمقدار ونوعية التعلم الذي ينتج عنه لدى المتعلم، والذي يرى من سلوكه وقيمته قبل أن يرى من معارفه. وقد تبين بعد الدراسات التربوية الدائمة والمتصلة أن نشاط التدريس وموقف المدرس وعمله متعدد الجوانب: فهو يشمل التحدث والشرح، والوصف، والتصوير، والتوضيح، وضرب الأمثلة وإجراء التجارب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 والإشارة، والإملاء والكتابة والتوجيه، والإرشاد، والمقارنة، والموازنة، والتحليل والتعديل، والاستقراء، والاستنباط، والقياس والتقويم وغير ذلك. وليس في مقدور معلم أن يلم بكل هذه الجوانب وأن يصل فيها إلى الغاية المرجوة بطريقة تدريس واضحة المعالم. فإذا كان هذا هو مفهوم طريقة التدريس، وكانت هذه هي وظيفتها، وهذا هو دورها في العملية التربوية، فإننا لا نتصور أن هناك من يشك في أهميتها وضرورتها للعملية التربوية؛ لأنه بدون طريقة التدريس الواضحة المعالم، المحددة الأهداف لا يمكن أن تنتقل الأفكار والمعارف والمهارات والاتجاهات والقيم والخبرات من المعلم إلى المتعلم, فطريقة التدريس هي الوسيلة التي بها يستطيع المعلم أن ينظم أفكاره, وأن يرسم طريقه للوصول إلى ما يريد تحقيقه مع تلاميذه. ومن هذا المنطلق سوف أعرض عليك بعض النماذج لإعداد دروس التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 أهداف تدريس القرآن مدخل ... أهداف تدريس القرآن الكريم: لتدريس القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية أهداف أساسية يجب أن يدركها المعلم إدراكا واضحا, وأن يركز عمله لتحقيقها بكل الوسائل الممكنة, وأن يجعل دروس القرآن كلها في كل صف وفي كل حصة تدور حول هذه الأهداف وتتصل بها اتصالا وثيقا, حتى يمكن في النهاية الوصول إلى الغاية المرجوة من تدريس القرآن الكريم. وهذه الأهداف باختصار هي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 1- تدريب ألسنة التلاميذ على أسلوب القرآن الكريم، وارتباطهم به، والتعود على قراءته بصورة صحيحة. 2- ارتباطهم بالفصحى وجعلها لسانا لهم في حياتهم بدلا من اللهجات المنتشرة في كل إقليم من أقاليم العالم العربي. 3- فهم المعنى الإجمالي لآيات القرآن الكريم، والتعرف على قضاياه وأحكامه ومدى اتصالها بحياتهم اليومية. 4- زيادة مهارتهم في الحفظ والفهم بالتدريب المستمر على قراءة القرآن الكريم وحفظه. لهذا فإن المعلم حين يريد أن يعد درسا في القرآن الكريم للحلقة الأولى الابتدائية "الصف الأول والثاني" فإن عليه أن يتبع هذه الخطوات ليحقق عن طريقها هذه الأهداف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 تدريس سورة النصر : 1- الهدف العام: تقويم ألسنة التلاميذ على أسلوب القرآن الكريم وجعلهم ينطقون ألفاظه نطقا صحيحا، ويدركون المعنى الإجمالي للسورة إدراكا واضحا. 2- الهدف الخاص: تدريس سورة النصر مع بيان لماذا طلب الله من رسوله أن يحمده على هذا النصر وأن يستغفره في كل وقت. 3- التمهيد: وهو في العادة يكون بأسئلة تشد انتباه التلاميذ إلى الدرس وتبرز قدراتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الذكائية وذلك مثل: 1- متى تذاكر دروسك؟ 2- كيف تحقق النجاح في حياتك وفي المدرسة؟ 3- هل ينتصر الإنسان إذا كان مع الحق؟ 4- ماذا يجب على الإنسان إذا وقف الله معه في أموره؟ 5- لماذا نصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم؟ 6- متى تشكر أباك أو زميلك أو صديقك؟ 4- الوسيلة: وهي ميدان واسع تتضح فيه قدرات المعلم وملكاته الإبداعية ومنها على سبيل المثال: استخدام المسجل، والبطاقات، والصور والمجسمات واللوحات وغيرها. وفي هذه السورة: يستخدم المعلم أولا: لوحة للكعبة الشريفة يناقش فيها تلاميذه حول مكانة البيت الكريم، وتعظيم الله له، وحنين الرسول إليه بعد هجرته، وكيف حقق الله له النصر والفوز بفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجا. وثانيا: يستخدم المسجل في مكان من الدرس للتأكد من صحة النطق وسلامة الأداء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 5- العرض: 1- إعلام التلاميذ بدرس اليوم وكتابة عنوانه على السبورة بعد كتابة التاريخ. 2- مناقشة التلاميذ بأسئلة التمهيد. 3- تنشيط التلاميذ باستخدام الوسيلة "اللوحة". 4- قراءة السورة قراءة نموذجية. 5- إعادة القراءة عدة مرات مع ملاحظة انتباه التلاميذ ومتابعتهم. 6- تقسيم الصف إلى مجموعات كل مجموعة تردد السورة خلف المعلم. 7- تقسيم السورة إلى أجزاء وكل مجموعة تردد جزءا حتى الانتهاء من السورة. 8- إدارة آلة التسجيل ليستمع التلاميذ إلى تلاوة دقيقة للسورة عدة مرات مع التوقف عند الكلمات التي تحتاج إلى إيضاح في النطق, أو يجد التلاميذ فيها صعوبة. 9- أبين المعنى الإجمالي للسورة. 10- توضيح القيمة الأخلاقية والاجتماعية والتربوية التي تتضمنها السورة. 11- الاستماع إلى بعض التلاميذ الذين قد حفظوا السورة. 12- معالجة المشكلات التي لاحظها المعلم خلال الدرس "من النطق، أو من الفهم، أو الاستيعاب". 6- التقويم: وهو عبارة عن قياس نجاح خطة الدرس، ومدى إدراك التلاميذ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أما قياس نجاح خطة الدرس فيدركه المعلم من تحقيق أهداف درسه وخطواته في الزمن المحدد للحصة. وأما قياس مدى إدراك التلاميذ للدرس, فيكون بالحوار حول ما تضمنه الدرس من مفاهيم وما قصد إليه المعلم من أهداف, مثل: 1- لماذا نصر الله رسوله وأيده بالمؤمنين الصادقين؟ 2- ممن نطلب المغفرة والتوبة؟ 3- متى نزلت سورة "النصر" على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 4- بماذا بشرت السورة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 5- ماذا طلب الله من رسوله في هذه السورة؟ 6- ماذا يجب عليك نحو ربك حين يمنحك النجاح في المدرسة, أو في عمل تقوم به؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 إعداد درس في القرآن الكريم : للحلقة الثانية الابتدائية "الصف الثالث والرابع" الهدف العام. والهدف الخاص، والتمهيد، والوسيلة، خطوات أساسية في كل درس للحلقتين الأولى والثانية, وليس هناك اختلاف يذكر إلا في العرض، والتقويم؛ لأن قدرات تلاميذ الحلقة الثانية تختلف عن قدرات تلاميذ الحلقة الأولى من حيث القدرة على القراءة والكتابة والإلمام بالمهارات المختلفة والتدريب على المقاطع وغيرها. لذلك فإن عرض الدرس في الحلقة الثانية يجب أن يراعى فيه ذلك, وخطواته المقترحة كالآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 1- يخبر المدرس تلاميذه عن درس اليوم وموقعه من صفحات الكتاب. 2- يكتب تاريخ اليوم، ثم عنوان الدرس على السبورة. 3- يقرأ السورة قراءة واضحة والتلاميذ يتابعونه في الكتاب. 4- يعيد القراءة عدة مرات حتى يتأكد من أن جميع التلاميذ قد أدركوا النطق الصحيح للكلمات. 5- يستخدم الوسيلة فيدير المسجل ليستمع التلاميذ إلى تلاوة صحيحة أكثر من مرة مع التوقف عند الكلمات التي تحتاج إلى دقة في النطق، ثم يعرض بطاقاته التي سجل عليها الكلمات الصعبة, ويطلب من التلاميذ نطقها وذكر معناها. 6- يطلب من بعض التلاميذ قراءة السورة من الكتاب. 7- يعيد القراءة ببطء مع التوقف عند الكلمات التي لم يستطع التلاميذ نطقها نطقا صحيحا. 8- يقسم السورة إلى وحدات يقرأ الوحدة الأولى ويطلب من التلاميذ قراءتها، ثم ينتقل إلى الوحدة أو الفقرة الثانية فالثالثة حتى نهاية السورة. 9- يوضح المعنى الإجمالي للسورة مع ربطه بقضايا الحياة وما يدور في بيئة التلاميذ وعصرهم الذي يعيشون فيه. 10- يطلب من التلاميذ التوجه بالأسئلة حول ما فهموه من الآيات وما يثور في وجدانهم من معان. التقويم: ويستخدم فيه المعلم أسئلة تتلاءم مع قدرات التلاميذ العقلية والمعرفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 والمنهج المراد دراسته في القرآن الكريم للمرحلة الابتدائية هو: للصف الأول: سورة الفاتحة، والناس، والفلق، الإخلاص، المسد، النصر، الكوثر، الماعون، قريش، الفيل، العصر، القدر، التين، الشرح. للصف الثاني: الأعلى، الغاشية، البلد، الشمس، الليل، الضحى، العلق، الزلزلة، العاديات، القارعة، التكاثر، الهمزة، الكافرون. للصف الثالث: الحفظ: عبس، التكوير، الانفطار، الانشقاق، البروج، الطارق، الفجر، البينة. التلاوة: الجزء التاسع والعشرون. للصف الرابع: الحفظ: المدثر، القيامة، النبأ، النازعات، المطففين. التلاوة: الجزء الثامن والعشرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 دروس العبادات : أهداف تدريس العبادات: 1- تهذيب النفس والعمل على ترقيتها سلوكيا واجتماعيا وربطها بالخالق. 2- صيانة الإنسان من الوقوع في كثير من الزلل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 3- تعليم الإنسان النظافة البدنية والخلقية والاجتماعية والنفسية. 4- تقرب بين بني الإنسان فتجعلهم جميعا على سواء في الحقوق والواجبات الدينية والدنيوية. 5- توحد أبناء الأمة الإسلامية وتجعلهم جميعا على صعيد واحد من الاتجاهات الفكرية والعلمية والاجتماعية. 6- تجعل المرأ ينسى عصبيته وقبليته وشعوبيته الإقليمية وينصهر في بوتقة الأمة بجميع ألوانها وأشكالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 درس في الوضوء والصلاة : 1- الهدف العام: بيان حقيقة الصلاة, وأنها لقاء بين العبد وربه, يعرض فيه قضاياه وأعماله على خالقه كل يوم خمس مرات، وتوضح أهمية الصلاة بالنسبة للتلاميذ في حياته ومستقبله. 2- الهدف الخاص: تدريس الوضوء وبيان كيفيته، مع التركيز على أهمية نظافة البدن والثياب. 3- التمهيد: وهو عبارة عن أسئلة تثير التلاميذ وتشد انتباههم وتحرك ذكاءهم, من مثل. 1- ما العبادة التي يؤديها المسلم والمسلمة كل يوم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 2- كم صلاة يؤديها المسلم في يومه وليلته؟ 3- أين يؤدي التلاميذ هذه العبادة في المدرسة؟ 4- كيف يستعد المسلم لهذه العبادة؟ 5- ما أجمل وقت تسعد فيه بلقاء والديك؟ 6- ماذا يفعل المسلم قبل الذهاب إلى الصلاة؟ 7- الوضوء طهارة ونظافة, هل يقبل الله صلاة بغير وضوء؟ 8- متى يكون الوضوء كاملا؟ ومتى يكون ناقصا؟ 4- الوسيلة: وهي هنا قسمان: أ- لوحة عليها صور تبين كيفية الوضوء بالترتيب. ب- وسيلة عملية: وهي الخروج بالتلاميذ إلى المصلى وأداء الوضوء أمامهم، وجعلهم يؤدونه مثلما أديت. 5- العرض: 1- يكتب المعلم عنوان الدرس على السبورة بعد التاريخ. 2- ينبه التلاميذ إلى أن درس اليوم درسا عمليا هو الوضوء أو الصلاة إن كان درس صلاة. 3- يوضح لهم أن الصلاة رياضة بدنية ونفسية يتعلم الإنسان عن طريقها النظافة والصبر والنظام والتواضع. 4- يبين لهم أن الوضوء ضروري قبل الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 5- يتجه بهم إلى مصلى المدرسة ويتوضأ أمامهم مع التشخيص لكل خطوة يؤديها لهم تشخيصا يعينهم على تمثلها وفهم الغاية منها. 6- يطالب بعض التلاميذ بإعادة الوضوء وهو يتابعهم مع باقي التلاميذ. 7- يعرض عليهم الوسيلة ويناقشهم حولها مع التركيز على: أ- أهمية غسل كل عضو من أعضاء الضوء غسلا كاملا، والفائدة من ذلك. ب- توضيح أن الوضوء جزء من الصلاة فلا تصح الصلاة بدونه. جـ- جعل التلاميذ هم الذين يستخدمون الوسيلة. 8- إعادة تمثيل الوضوء بالطريقة المزدوجة التي تجمع بين التقرير والحوار على النحو التالي: عند غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثا يقرر قائلا: أغسل يدي إلى الرسغين، ويثني محاورا, ماذا فعلت الآن؟ كم مرة أغسل يدي إلى الكوعين، وهكذا حتى ينتهي من الوضوء. 9- يطلب من بعض التلاميذ أن يفعلوا مثلما فعل ويدير الحوار والمناقشة حول فعلهم مع زملائهم. 10- يعود المعلم إلى الوسيلة للمناقشة حولها، ويمكن أن يعد صورا تمثل حركات الوضوء بمساعدة التلاميذ. التقويم: وهو عبارة عن قياس نجاح خطة الدرس ومدى إدراك التلاميذ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ويمكن أن يستخدم فيه مثل هذه الأسئلة. 1- لماذا كان الوضوء جزءا من الصلاة؟ 2- ما أهمية النظافة بالنسبة للإنسان؟ 3- لماذا اهتم الإسلام بنظافة أعضاء الوضوء؟ 4- ماذا نقول حين نبدأ الوضوء؟ 5- متى يتوضأ المسلم والمسلمة؟ 6- كيف تتوضأ للصلاة؟ 7- ما الأعضاء التي يكفي مسحها؟ وما الأعضاء التي يجب غسلها؟ 8- رتب خطوات الوضوء التالية ترتيبا صحيحا. غسل الرجلين, غسل اليدين, غسل الوجه, مسح الرأس, النية. مع ملاحظة أن تقويم نجاح الخطة يرجع إلى إدراك المعلم لأهداف درسه، والمدة الزمنية التي حقق فيها هذه الأهداف, والطرق والوسائل التي اتبعها لنقل هذه الأهداف إلى تلاميذه, وللمعلم حرية التصرف في الحذف أو الإضافة لخطوات الدرس بما يتلاءم مع قدرات التلاميذ, والمدة الزمنية المحددة للحصة, وقد أشرت إلى أن هذا الدرس للوضوء والصلاة؛ وذلك لأن الخطوات التي أوردتها يمكن أن يتبعها المعلم في إعداد دروس الصلاة, كما يجوز له أن يدمج بين الوضوء والصلاة في درس واحد بعد أن يكون التلاميذ قد تعرفوا على الوضوء وأصبح مألوفا لديهم، وذلك حتى يحقق الربط بين الشيء وما هو له أصلا. مع ملاحظة أن دروس الصلاة ممتدة ومتتابعة طوال المرحلة الابتدائية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ففي الصف الأول: يتدرب التلاميذ على الوضوء والصلاة تدريبا عاما. وفي الصف الثاني: يتعرفون على: نواقض الوضوء، الآذان والإقامة, شروط صحة الصلاة، الصلوات المفروضة، أوقاتها، كيفية أداء الصلاة، أركان الصلاة، النوافل، مبطلات الصلاة. وفي الصف الثالث: يتعرفون على الصلاة خلف الإمام، حكم صلاة الجماعة فضيلة الصلاة في بيوت الله، صلاة الوتر، دعاء القنوت، صلاة الجمعة والعيدين. وفي الصف الرابع: يقوم المعلم باستعراض عام لدروس الصلاة التي مر بها التلاميذ في الصفوف السابقة، كما يدرس للتلاميذ صلاة المسبوق، سجود السهو. وفي جميع الصفوف وفي معظم الدروس يجب أن يتوجه المعلم بتلاميذه إلى المصلى لتكون دروسه على الطبيعة، وليرتبط القول بالفعل في المكان الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 " إعداد درس في الصوم ": أولا: أهداف عامة لتدريس الصوم: 1- الوقوف على أن الصوم أحد أركان الإسلام, وأن الله أمر به عباده منذ خلق بني الإنسان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1. 2- بيان أن الصوم وسيلة للتربية الروحية والتهذيب النفسي، والقدرة على ضبط النفس, وأن الإسلام حريص على أن يتحلى أبناءه بهذه الصفات. وكان حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إبراز هذه القيم واضحا حيث قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" , وقال أيضا: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وقوله: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" صدق رسول الله.   1 سورة البقرة آية 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 3- الصوم يوجه الأبناء إلى التحلي بالأخلاق الحميدة واكتساب العادات الطبية, واتباع السلوك الحسن، والصبر على المواقف الصعبة ومواجهة المحن بثبات وقوة. 4- يجعل التلاميذ يحرصون على طاعة الله، والرجاء في ثوابه والخوف من عقابه، والتبصر بأمور الدين الغيبية التي يجب الالتزام بها والحرص عليها إرضاء لخالقهم. 5- يؤكد حقيقة المساواة بين المسلمين، وتعادلهم بين يدي الله إذا حرصوا على اتباع أوامره واجتناب نواهيه، لما يبث في نفوسهم العطف على الفقراء والمحتاجين، ويرشدهم إلى جوانب المحبة والتسامح والإخاء. 6- يعمل على تربية الضمير الذي يعصم الإنسان من الزلل ويستثير فيه نوازع الخير ويكفل له أسباب النجاح ويقر به من ربه ومن الناس، وييسر له أمور دنياه كما يسهل عليه أمور دينه. ثانيا: إعداد درس في الصوم: 1- الهدف العام: إبراز جوانب الخير والمحبة والتسامح والرحمة في الدين الإسلامي وتحقيق ذلك كله في الصوم. 2- الهدف الخاص: تدريس فريضة الصوم بوجه عام: وبيان فضل شهر رمضان، ونزول القرآن فيه، وتكريم الله له بليلة القدر خير من ألف شهر، وجزاء الصائم عند الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 3- التمهيد: ويكون بمثل الأسئلة الآتية: 1- بماذا تشعر حين تجوع أو تعطش؟ 2- ما واجبك نحو الفقراء والمحتاجين؟ 3- كيف تعود نفسك على الصبر واحتمال المشاق؟ 4- ما اسم الشهر الذي يصومه المسلمون كل عام؟ 5- هل تصوم رمضان مع أبيك وأمك؟ 6- لماذا يحتفل المسلمون بقدوم شهر رمضان؟ 4- الوسيلة: فيلم يعرض على التلاميذ يشاهدون من خلاله عادات المسلمين من الصوم، وقد أصبح ذلك متوفرا بعد أن عرض "تلفاز" الكويت, وكذلك بعض الدول الإسلامية, طوال شهر رمضان سنة 1400 هـ, 1980م أفلاما عن عادات وتقاليد المسلمين في الصوم في جميع أنحاء العالم تقريبا. ويمكن استخدام صور توحي بالمراد من الدرس, كرجل يتعبد وآخر يتلو القرآن وغير ذلك. 5- العرض: 1- يكتب المعلم عنوان الدرس على السبورة ثم يخبر تلاميذه عن درسه وأهميته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 2- يناقش التلاميذ بأسئلة التمهيد. 3- يعرض وسيلة ويدير الحوار مع التلاميذ حولها لاستنتاج الأحكام الشرعية حول الصوم, ويمكن أن يكون الحوار كالآتي: 1- متى يصوم المسلمون؟ وفي أي وقت من اليوم يباح لهم الفطر؟ 2- إذا امتنع المسلم عن الطعام ولكن شرب ماء فهل يصح صومه؟ 3- لماذا فضل الله تعالى شهر رمضان على بقية شهور السنة؟ 4- في أي شهر بدأ نزول القرآن الكريم؟ وما أول ما نزل منه؟ 5- في شهر رمضان ليلة مباركة كرمها الله, ما اسمها؟ ولماذا كرمها الله؟ 6- ماذا تفعل إذا كنت صائما، هل يصح أن تأكل أو تشرب أو تقول قولا غير مقبول أو تعمل عملا غير محبب؟ 7- ما فائدة الصوم للإنسان صحيا؟ 8- بماذا يكافئ الله الصائم يوم القيامة؟ وهكذا يستمر المعلم في تنمية الحوار مع تلاميذه حتى يصل إلى المعارف التي يريد إيصالها إلى التلاميذ, ويفضل أن يستشهد بآيات القرآن الكريم التي أنزلت في الصوم وبأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي ذكرها في فضل الصوم ومكانة الصائمين عند ربهم. 6- التقويم: وفيه يحاول المعلم التعرف على مدى إدراك التلاميذ لدرسه, ويمكن أن يستخدم فيه مثل الأسئلة الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 1- لماذا كان شهر رمضان شهرا مباركا؟ 2- متى يتسحر المسلمون في رمضان؟ 3- لماذا يحرص المسلمون على الإكثار من قراءة القرآن في رمضان؟ 4- كيف يؤدي الصائم حتى الفقراء في رمضان؟ 5- لماذا فرضت علينا زكاة الفطر؟ وما مقدارها؟ وما أثرها في المجتمع؟ 6- يقرأ بعض الآيات القرآنية المتعلقة بالصوم ويطلب من التلاميذ ذكر ما فهموه منها. 7- لماذا أمرنا الله بكف الجوارح والنفس عن كل ما حرم الله؟ إلى آخر ما يبدعه المعلم من مناقشات وأفكار، مع ملاحظة أن دروس الصيام مقررة في "الحلقة الثانية الابتدائية" وما ننشده من خلال هذه الدروس يتصل بالمفاهيم الآتية: تكريم الله لشهر رمضان، نزول القرآن فيه، فضل ليلة القدر، وجوب صيام هذا الشهر، جزاء الصائمين، أثر الصيام في الصحة والنفس والروح والمجتمع. معرفة بم يثبت أول رمضان، وبم يثبت آخره، المفطرات، زكاة الفطر وأهميتها وأثرها الاجتماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 " إعداد درس في الزكاة ": أولا: أهداف عامة لتدريس الزكاة: 1- بث روح التعاون والتعاطف والمحبة بين التلاميذ. 2- جعل التلاميذ يدركون أن الإسلام جعل من مال الغني حقا معلوما للسائل والمحروم. 3- يغرس في نفوسهم الثقة بأن المال مال الله, وأن الناس مستخلفون فيه، ولا بقاء لمال من غير زكاة وإن بقي فهو شقاء وبلاء في الدنيا، وعذاب وحساب في الآخرة. 4- يجعل الفقير يشعر بالأمان وأنه مكفول اجتماعيا بأمر من الله بلا منّ ولا إذلال. 5- الثقة بالله وأن ما أمر به من عبادات إنما هو لصالح عباده ولإصلاح نفوسهم وحياتهم ومعاملاتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ثانيا: إعداد درس في زكاة المال: 1- الهدف العام: بيان أن الزكاة فريضة كتبها الله على عباده المؤمنين, وأنها حق معلوم في أموال الأغنياء للفقراء لإصلاح المجتمع وتنظيمه وإزالة الحقد والحسد بين الناس. 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع زكاة المال، وبيان مقادير الزكاة، ومتى تخرج، ولمن تؤدى؟ 3- التمهيد: ويكون بمثل الأسئلة الآتية: 1- ما أركان الإسلام الخمسة؟ 2- هل يصح أن يفرق المسلم بين ركن وركن من أركان الإسلام؟ 3- إذا ترك المسلم ركنا من أركان الإسلام هل يكون مسلما؟ 4- لماذا أمرنا الله بالزكاة؟ 5- ماذا يجب على الأغنياء نحو الفقراء؟ 6- من الذي رزق الناس المال؟ وفي أي شيء يجب أن ينفقوه؟ 7- إذا منحك الله مالا وفيرا فماذا تفعل به؟ وكيف تؤدي حق الفقراء منه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 4- الوسيلة: وسائل حسابية "عدادات" وغيرها لحساب قيمة الزكاة والتعرف على مقادير الزكاة بطاقات توضح قيمتها في المال والأنعام والزروع وعروض التجارة. 5- العرض: ويحسن أن يتم على هيئة مناقشة للوصول إلى المفاهيم المراد إيصالها إلى التلاميذ ولاستنتاج الأحكام الشرعية وذلك مثل: 1- ماذا تعرف عن أركان الإسلام؟ 2- هل الزكاة ركنا منها؟ 3- لماذا أمر الله الأغنياء أن يعطوا جزءا من أموالهم للفقراء والمحتاجين؟ وبعد إيضاح هذا المفهوم يتلو المعلم قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} . 4- بماذا يسمى المال الذي يعطيه الغني للفقير؟ 5- هل يجوز أن يمتنع الغني عن دفع الزكاة؟ 6- إذا امتنع غني عن دفع الزكاة فماذا تتوقع له ولماله وأولاده في الدنيا؟ وما جزاؤه في الآخرة؟ 7- متى يجب على الغني أن يخرج زكاة ماله؟ 8- ما مقدار الزكاة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 9- إذا كنت تملك 40 دينارا ومر عليها عام كامل وهي عندك فما الواجب عليك فيها؟ وما قيمة ما تخرجه منها للفقراء؟ 10- إذا كنت تملك مائتي دينار ومر عليها عام فما مقدار الزكاة التي يجب فيها؟ 11- ما أصناف الناس الذين نعطيهم الزكاة؟ ولماذا نعطي هؤلاء الناس؟ وهنا يستشهد المعلم بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} إلخ الآية. 12- للزكاة آثار نفسية واجتماعية فماذا تعرف عنها؟ 13- هل تحب أن تعطي من مالك لترضي ربك ولتكسب ود الناس؟ 14- يرجع إلى الكتاب لقراءة الموضوع, وإدراك ما به من أحكام ومفاهيم. 6- التقويم: وهو كما ذكرنا عبارة عن قياس نجاح خطة الدرس ومدى إدراك التلاميذ له. أما معرفة نجاح الخطة فمرجعه إلى تقدير المعلم تحقيق "المادة × الزمن = الأهداف". وأما قياس مدى إدراك التلاميذ للدرس، فيكون في الغالب بالحوار والمناقشة وتطبيق استعمال الوسائل، والاستخدامات العملية المختلفة من مختبرات وغيرها. ويمكن أن يستخدم فيه المعلم والمعلمة مثل هذه الأسئلة. 1- لو أخرج كل غني زكاة ماله ماذا يكون حال الفقراء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 2- المجتمع يكمل بعضه بعضا, فلو عاون الأغنياء الفقراء ماذا يكون حال المجتمع؟ 3- من الذين يسهل للناس طريق المال الحلال؟ وفي أي شيء يجب أن ينفقوه؟ 4- لمن يجب أن نخرج زكاة المال؟ 5- لماذا جعل الله تعالى بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء؟ 6- ليس الفقر عيبا، ولكن التكاسل والتخاذل وحب السؤال هو العيب, فماذا يجب على المحتاجين؟ 7- الزكاة مصلحة للغني والفقير معا رأيك في هذا؟ 8- هل المال الذي يعطيه الغني للفقير حق للفقير فرضه الله له أم هو تفضل من الغني عليه؟ 9- اذكر ما تعرفه عن مقادير الزكاة. إلى آخر هذه الأسئلة التي تتوقف على إبداع المعلم وحسن إدراكه للمفاهيم والقضايا والأحكام التي يريد إيصالها إلى التلاميذ. مع ملاحظة أن دروس الزكاة "زكاة الفطر وزكاة المال" من مقررات الصف الرابع, وأن المراد إيصاله من المعلومات إلى التلاميذ يدور حول: 1- أهمية التمسك بأركان الإسلام. 2- الزكاة ركن من أركان الإسلام. 3- حكمة الزكاة، على من تجب؟ ومتى تجب؟ 4- الأموال التي تجب فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 5- مقدارها, من يستحقها من الناس؟ وبالنسبة لزكاة الفطر يحرص المعلم على: 1- إبراز جوانب الحب والتعاطف الذي قصده الشارع من إخراج هذه الزكاة قبل العيد؛ لإدخال السرور على المحتاجين. 2- بيان على من تجب؟ مقدارها، متى تخرج؟ 3- الربط بين الصيام الذي هو تطهير للنفس وبين الزكاة التي هي تطهير للمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 " الحج ": أولا: أهداف عامة لتدريس الحج 1- إبراز جوانب المساواة والإخاء والتواضع بين المسلمين. 2- التمسك بأركان الإسلام جميعها, وبيان رحمة الله في أن جعل الحج على المستطيع وليس على كل مسلم بالضرورة. 3- الوقوف على ما في الحج من تجميع المسلمين من بقاع الأرض وتضامنهم وتعارفهم وأن في ذلك وحدة الأمة وتقاربها. 4- الاعتزاز بالكعبة المشرفة والأماكن المقدسة، ومن بينها بيت المقدس الذي يجب على المسلمين تطهيره من رجس اليهود. 5- التعود على بذل المال في سبيل الله، والوقوف على بابه طلبا للرحمة والمغفرة. 6- التمرس على جهاد النفس، وتحملها للمشاق إرضاء له وترقية للنفس والروح، وتطهيرا للبدن والمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 7- التعرف على مناسك الحج، والاهتمام بيوم عرفة كعيد للمسلمين، والتعود على صومه ودعاء الله فيه والإخلاص له، والابتعاد عن معصيته، ورجاء مغفرته. ثانيا: إعداد درس في الحج: 1- الهدف العام: إبراز جوانب المحبة والتواضع والتجرد بين المسلمين في مناسك الحج، ووقوفهم جميعا على صعيد واحد بلا تفرقة بين صغير أو كبير، عظيم أو فقير، وهذا مضمون الإسلام، والحج رمز عليه. 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع الحج وبيان مناسكه وأماكنه وأعماله وأثره على الأفراد والجماعات. 3- التمهيد: ويستحسن أن يكون عن طريق الوسيلة لتشويق التلاميذ, وإثارتهم نحو الدرس, فيعرض عليهم الخرائط والصور ويناقشهم حولها للتعرف على أماكن الحج ومواقعها بالنسبة للجزيرة العربية. 4- الوسيلة: متعددة: خرائط، صور، لوحات، أفلام، بطاقات، وغير ذلك مما يراه المعلم مناسبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 5- العرض: يكتب المعلم أو المعلمة عنوان الدرس على السبورة، ويضع وسائله على جانب منها، ثم يبدأ بمناقشة التلاميذ بمثل هذه الأسئلة للوصول إلى أهداف الدرس. 1- ماذا تعرف عن أركان الإسلام؟ 2- هل الحج ركن منها؟ 3- على من يجب الحج؟ 4- أين تقع الكعبة المشرفة؟ 5- لأي مكان كان يتجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة قبل أن يأمره ربه بالاتجاه إلى الكعبة؟ 6- حدد على الخريطة أماكن الحج، وبين عرفات من بينها. 7- ما الواجب على الحاج في أيام الحج؟ 8- للحج ركنان أساسيان لا يصح بدونهما, ما هما؟ ومتى يكون كل ركن منهما؟ 9- يستخدم المعلم صورا توضح مكان مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ويبين أهمية زيارته، ويمكن أن يعرض فيلما عن ذلك. 10- يبين المعلم أهمية اجتماع المسلمين في موقف واحد بعرفات، ثم يستمر في تنمية المعلومات بالحوار. 11- هل تعرف في أي شهر وفي أي أيام يؤدي الناس فريضة الحج؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 12- ما أول عمل يعمله الحجاج؟ 13- كيف يحرم الحاج؟ ومن أين يحرم الكويتيون؟ 14- أين يقع الصفا والمروة؟ وماذا يفعل الحجاج عندهما؟ 15- متى يذهب الحاج إلى منى؟ ولماذا يذهبون إليها؟ 16- أين يرمي الحجاج الجمرات؟ ولماذا يرمونها؟ 17- متى يحلق الحجاج شعورهم أو يقصرونها؟ 18- متى يطوف الحجاج بالكعبة الطواف الواجب؟ 19- لماذا يذهب الحجاج إلى المدينة المنورة؟ 20- ما هي المنافع التي يحصل عليها المسلمون من الحج؟ وللتثبت من المعلومات يقف المعلم عند ذكر الأماكن ويحددها على الخريطة وبالصور. 6- التقويم: ويستخدم فيه المعلم أسئلة من مثل: 1- ما فوائد المسلمين من الحج؟ 2- لماذا جعل الله هذه الفريضة مرة واحدة في العمر؟ 3- كيف يكون الحج صحيحا؟ 4- أين يوجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 5- اذكر أعمال الحج على الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 تدريس العقائد : أولا: أهداف عامة لتدريس العقائد: 1- غرس العقيدة الدينية الصحيحة في نفوس التلاميذ. 2- توضيح جوانب العظمة الإلهية في ذاته وفي مخلوقاته. 3- الإيمان عن يقين بإرسال الرسل وبالملائكة والكتب السماوية واليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب. 4- تنقية النفوس من الخرافات والأوهام، والثقة في الله والتعلق بأحكامه واجتناب نواهيه. 5- جعل العقيدة الإسلامية وما يندرج تحتها من مفاهيم طريقها للسلوك في الحياة ومنهجا في الفكر والعمل. 6- التمسك بما في كتاب الله والاقتداء بأقوال وأعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ثانيا: إعداد درس في العقيدة: 1- الهدف العام: بيان أوجه العقيدة الإسلامية, وإبراز صدق هذه العقيدة واتفاقها مع ظواهر الكون والحياة, وأثرها في تهذيب النفوس ورقيها واعتدالها. 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع "أنا مسلم - أنا مسلمة" والتركيز على جوانب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. 3- التمهيد: ويكون بمثل هذه الأسئلة. 1- من خلق الإنسان والحيوان والنبات؟ 2- أيستطيع أحد غير الله أن يخلق إنسانا؟ ولماذا؟ 3- بما يمتاز الإنسان عن الحيوان؟ 4- أيستطيع أحد أن يحيي الموتى؟ ولماذا؟ 5- من رب السماء والأرض وما بينهما؟ 6- ماذا خلق الله لنا في السماء؟ وماذا خلق في الأرض؟ 7- لماذا ينزل الله المطر؟ 8- لماذا أنزل الله على عباده كتبا؟ 9- من الذي أوجدنا في هذه الحياة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 10- من الذي يشفينا إذا مرضنا؟ 4- الوسيلة: 1- كل ما يتصل بالكون من عجائب وغرائب ومخلوقات يصلح وسيلة للدلالة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته. 2- من الوسائل العملية المفيدة أن يذهب المعلم مع تلاميذه إلى حديقة المدرسة وحظائرها, ويناقشهم حول جميل صنع الله, ويصل من خلال ذلك إلى ما يريد. 5- العرض: 1- يعلن المدرس درسه على التلاميذ، ويكتب عنوانه. 2- يبدأ في الإثارة بأسئلة التمهيد. 3- يعرض وسيلته ويبدأ في الحوار حولها للوصول إلى أهداف الدرس. 4- يستدرج التلاميذ بمثل هذه الأسئلة لإيصال ما يريد من المعلومات. 1- من الذي أوجدنا في هذه الحياة؟ 2- من الذي يرزقنا الطعام والشراب؟ 3- من يستطيع أن يجعل الحلو حامضا، والحامض حلوا غير الله تعالى؟ 4- ماذا تفعل لتكون مؤمنا بالله سبحانه؟ 5- هل تعرف أن لله جندا؟ وماذا نسميهم؟ 6- إذا رأيت عملا فنيا رائعا فهل تتصور أن هذا العمل ظهر إلى الحياة صدفة أو بدون صانع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 7- إذا وجدت بستانا أشجاره مثمرة بأنواع مختلفة من الثمار "عنب، تفاح، برتقال" وغير ذلك من نعم الله التي لا تحصى، فهل يمكن أن يصنع أحد مثل هذه الثمار أو أن يغير طعمها؟ على أي شيء يدل ذلك؟ وهكذا يستمر المعلم في الانتقال من موقف إلى آخر ومن ظاهرة إلى غيرها حتى يجعل اليقين بالله أمرا ثابتا في وجدان التلاميذ، وعلى المعلم أن يستشهد بالقرآن الكريم في مواقف الاستشهاد وذلك كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} 1. وقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 2. وغير ذلك من الآيات الكثيرة؟ 6- التقويم: ويمكن استخدام فيه مثل هذه الأسئلة: 1- بماذا يؤمن المسلم؟ 2- ما الذي يجب علينا الإيمان به؟ 3- ماذا نستفيد من الإيمان باليوم الآخر؟   1 سورة ق الآيات 6-8. 2 سورة الغاشية الآيات 17-20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 4- ما جزاء المؤمنين والكافرين يوم القيامة؟ 5- من الذي نعبده ونطيعه؟ 6- لماذا نحب الله سبحانه وتعالى؟ 7- لماذا نحب القرآن الكريم؟ 8- ماذا تفعل ليحبك الله ورسوله؟ 9- هل تحب أباك وأمك؟ ولماذا؟ 10- أيكون مسلما حقا من يكذب أو يسرق أو يشتم الناس؟ ولماذا؟ 11- بم تصف من لا يصلي ومن لا يتصدق على الفقراء؟ 12- كيف تقوم بواجباتك الدينية لترضي ربك؟ 13- اذكر بعض مظاهر قدرة الله. 14- اذكر أسماء الكتب السماوية وعلى من كان نزولها؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يبدعها المعلم ويقتضيها الموقف التعليمي. مع ملاحظة أن المراد تعلمه من العقائد في جميع المرحلة الابتدائية هو: 1- الإيمان بالله وملائكته وكتبه رسوله واليوم الآخر. 2- الإيمان ببعض الصفات الواجبة لله تعالى. وتتدرج المعارف بتدرج السنوات الدراسية وترتقي فيها. والمعلم المبدع هو الذي يستطيع أن يتمثل أهدافه, وأن ينقلها إلى تلاميذه في يسر وسهولة وأن يلاحظ أعمارهم وقدراتهم ومهاراتهم وما حصلوا عليه من معارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 تدريس السيرة مدخل ... تدريس السيرة: أولا: أهداف عامة لتدريس السيرة: 1- ربط التلاميذ بأصول الدين والتعرف إلى شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- اتخاذ القدوة وتمثل أفعالها وأقوالها والتعلق بها. 3- توحيد الأمة على منهج واحد هو منهج قائدها ورائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4- وضوح شعار المسلمين وهو "لا إله إلا الله محمد رسول الله" والتعلق به والعمل من أجله. 5- وضوح الجوانب التطبيقية لأحكام الدين من خلال أقوال وأفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الأكرمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 ثانيا: إعداد درس في السيرة: كما أوضحنا قبل ذلك فإن دروس السيرة تدرس بطرق مختلفة هي: 1- الطريقة الطولية. 2- الطريقة العرضية. 3- طريقة القصة: 4- طريقة السرد: 5- طريقة التمثيل: ومنهج الصف الأول والثاني والثالث الابتدائي في السيرة موضوع على الطريقة الطويلة، أي: إنه يتناول سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطول بدءا من الميلاد حتى قيام الدولة الإسلامية. يستطيع المعلم أو المعلمة أن يعد درسه فيها على الطريقة الطولية أو طريقة القصة، أو الأسلوب الذاتي "السرد" أو التمثيل وسوف أعرض لك درسا على الطريقة الطولية في أحد الموضوعات المقررة على الصف الثاني الابتدائي وليكن: "رحلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف": 1- الهدف العام: إبراز جوانب الصبر والثبات والتضحية والعفو والرحمة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وجعل التلاميذ يتعلقون بهذه الصفات ويعشقون السير على منوالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع رحلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ليعرض دعوته على أهلها، وصبره على أذاهم، وموقفه منهم بعد طرده واتجاهه بالدعاء لله تعالى. 3- التمهيد: ويكون بمثل هذه الأسئلة. 1- كيف كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس إلى الإسلام في أول أيام الدعوة؟ 2- لماذا عانده المشركون ووقفوا في طريقه؟ 3- من الذي كان يناصره ويشد من أزره؟ 4- بماذا شعر رسول الله بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها؟ 5- لماذا ذهب الرسول إلى الطائف؟ 6 ماذا فعل الكفار بالرسول بعد أن علموا بوفاة عمه؟ 4- الوسيلة: أ- خريطة للجزيرة العربية تبين عليها موقع الطائف, ومدى المسافة التي بينها وبين مكة. ب- لوحة عليها دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أذاه أهل الطائف وأخرجوه منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 5- العرض: 1- إعلان الدرس على التلاميذ وكتابة عنوانه على السبورة بعد التاريخ. 2- استخدام أسئلة التمهيد لتشويق التلاميذ وتفتيح أذهانهم للدرس. 3- عرض الوسيلة وبدء الحوار حولها للوصول إلى أهداف الدرس. 4- اتباع أسلوب الحوار مع التلاميذ والانتقال من خطوة إلى أخرى لتنمية الفهم وتثبيت المعلومات. ومن أمثلة الحوار: 1- أين توجد بلدة الطائف؟ 2- لماذا ذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها؟ 3- هل ذهب الرسول إلى الطائف للتجارة أم لشيء آخر؟ 4- بماذا قابله أهل الطائف؟ 5- هل اعتدى عليهم رسول الله وأذاهم هم حتى يسلطوا عليه العبيد والسفهاء؟ 6- ماذا فعل الرسول حين آذوه؟ 7- لأي شيء كان يدعوهم الرسول؟ 8- هل كانت دعوته لصالحهم أم لضررهم؟ ولماذا؟ 9- بماذا دعا الله حين وجد نفسه وحيدا بعد أن طردوه من الطائف؟ وهنا يبرز المعلم اللوحة التي كتب عليها دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 أنت أرحم الراحمين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك لك العتب حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك". وبين للتلاميذ جوانب عظمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تحمله للأذى والتوجه إلى الله بمثل هذا الدعاء في مثل هذا الموقف ليرضى الله عنه, ويقف بجانبه ولا يغضب عليه. وهكذا يستمر الحوار حتى يطمئن المعلم للوصول إلى أهداف درسه: 6- التقويم: وهو عبارة عن قياس نجاح خطة الدرس، ومدى إدراك التلاميذ له. ويمكن أن يستخدم فيه المعلم أو المعلمة مثل هذه الأسئلة. 1- من يستطيع أن يذكر اسم عم رسول الله الذي كان يحميه من أعدائه؟ 2- لماذا سمى الرسول -صلى الله عليه وسلم- العام الذي مات فيه عمه وزوجته عام الحزن؟ 3- لماذا كان الرسول يدعو الناس إلى الإسلام سرا في أول الدعوة؟ 4- كيف قاوم الرسول عناد الكفار وإيذائهم؟ 5- صف رحلة الرسول إلى الطائف. 6- بماذا ووجه الرسول عن وصوله إلى الطائف؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 7- لماذا كان هذا الموقف المهين من ثقيف لرسول الله؟ 8- هل كان الرسول عدو لثقيف؟ أم أنه العناد والكفر والضلال؟ 9- بماذا تصف رسول الله؟ 10- هل تحب أن تتحلى بمثل صفات رسولنا العظيم؟ ولماذا؟ أما منهج السيرة في الصفوف الأربعة فهو كالآتي: السنة الأولى: يتعلم التلاميذ: اسم النبي -صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه وجده وأمه، نشأته عليه السلام, مسلكه وهو صغير, مرضعته حليمة السعيدية, البركات التي حلت ببيت حليمة, حبه للعمل صغيرا, ما عاناه من اليتم, الصادق الأمين, ارتضينا الأمين حكما. السنة الثانية: بدء الوحي, موقف ورقة بن نوفل, السابقون الأولون في الإسلام, مقاومة الدعوة وتعذيب المسلمين, الصبر والثبات, المقاطعة, عام الحزن وتجرؤ المشركين على رسول الله, رحلته إلى الطائف, دعاؤه المأثور, الإسراء والمعراج. السنة الثالثة: عرض نفسه على القبائل في موسم الحج, بيعة العقبة الأولى والثانية, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المؤامرة الكبرى, الهجرة, أول مسجد في الإسلام, المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. السنة الرابعة: الرسول أبا, الرسول صديقا, معاملة الأقارب, معاملته لخادمه, تواضعه, تسامحه, رفقه بالحيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 إعداد درس في السيرة على الطريقة العرضية : ويكون ذلك في الصف الرابع الابتدائي؛ لأن منهج الصف الرابع هو الذي يتفق مع هذه الطريقة, حيث إنه مقسم إلى مواقف عرضية كما بينت لك في المنهج. درس حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأولاده: 1- الهدف العام: تعريف التلاميذ أن الأبوة مقدسة, وأن حب الأباء لأبنائهم شيء غرسه الله في القلوب، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان محبا لأولاده عطوفا عليهم مع ما عنده من مسئوليات الرسالة وبناء الدولة الإسلامية. 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع "حب الرسول لأولاده" وبيان كيف كان يعامل أولاده، وكم أنجب من البنين والبنات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 3- التمهيد: ويكون بمثل الأسئلة الآتية: 1- ما الذي ينتج عن حب الولد لأولاده؟ 2- كيف تعرف حب الوالدين لك؟ 3- بماذا ترد جميل الوالدين؟ 4- لماذا يأمرنا الإسلام بأن نحب الوالدين؟ 5- كان الرسول يحب أبناءه ويعطف عليهم فماذا تعرف عن ذلك؟ 6- ماذا ينتظر الوالد من ولده؟ 4- الوسيلة: وهي متعددة ويرجع الإبداع فيها إلى قدرات المعلم وحسن اختياره, ومنها: صور تمثل عائلة سعيدة والأب بين أبنائه يلعب معهم ويساعدهم في أعمالهم. صور حديقة بها أطفال يلعبون مع والدهم. وغير ذلك من الصور التي تعطي هذا المعنى. 5- العرض: 1- يبدأ المعلم بإعلان درسه وبيان أهميته وكتابة عنوانه على السبورة, ثم يبدأ في مناقشة التلاميذ بأسئلة التمهيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 2- يعرض وسائله ويبدأ الحوار حولها ليصل إلى الموقف التعليمي الذي يريد غرسه في نفوس التلاميذ. 3- يتدرج مع التلاميذ بالحوار مركزا على المواقف التي تبين حب الرسول لأبنائه وعطفه عليهم. 4- ذكر بعض الأمثلة من عطف الرسول وحبه لأبنائه في مختلف مراحل أعمارهم1. 5- قراءة الموضوع من الكتاب المدرس ومناقشة التلاميذ فيه. 6- التقويم: ويكون بمثل هذه الأسئلة. 1- كيف استقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ميلاد بناته؟ 2 اذكر موقفا يدل على حب الرسول لأولاده وأحفاده؟ 3- ماذا فعل الرسول حين علم بمرض ولده إبراهيم؟ 4- لماذا غضب الرسول من الإمام علي في أحد المواقف؟ 5- على أي شيء يدل حب الرسول لبناته وعطفه عليهن؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة لابنته فاطمة: "أوما علمت أن بكاءه يؤذيني" , فيمن كان هذا القول؟ ولماذا قال لها الرسول ذلك؟   1 يرجع المعلم إلى كتب السيرة, مثل سيرة ابن هشام، حياة محمد لمحمد حسين هيكل، عبقرية محمد لعباس محمود العقاد، وإنسانيات محمد لخالد محمد خالد، وغير ذلك من كتب السيرة، ولا يكتفي بما ورد في كتاب التلاميذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ولا شك أن المعلم القادر يستطيع أن يتصرف في الموقف بما يراه مناسبا من أسئلة وغيرها, حتى يحقق غايته من الدرس, وما عرضته عليك ليس إلا أمثلة للسير على خطاها, ولا أريد منك أبدا أن تلتزم بها. وقد بينت لك قبل ذلك كيف تعد درسا على طريقة القصة أو الأسلوب الذاتي أو المسرحية فارجع إليه1.   1 ص197-200 من الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 " إعداد درس في التهذيب ": عرفت أهداف دروس التهذيب وطرق تدريسه، وإليك إعداد درس فيه على طريقة المناقشة والقراءة, "للحلقة الثانية الابتدائية" تحت عنوان: "رعاية المرافق العامة": 1- الهدف العام: تنمية روح المسئولية والحرص على الممتلكات العامة والخاصة، والشعور بأن المجتمع وما فيه ملك للجميع وصيانته واجبة على الكبير والصغير. 2- الهدف الخاص: تدريس موضوع "رعاية المرافق العامة" وإبراز جوانب المنفعة التي تعود على التلاميذ من رعاية هذه المرافق، وحرص الدين على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 3- التمهيد: ويثير فيه المعلم تلاميذه بأشياء متعددة "وسائل، صور، لوحات". وأسئلة من مثل: 1- ما هي المرافق العامة؟ 2- لماذا تهتم الدول بإنشائها؟ 3- كيف نحافظ عليها ونصونها؟ 4- لمصلحة من تنشئ الدولة الحدائق العامة ودورات المياه والمدارس والمستشفيات. 5- كيف ننتفع بهذه المرافق؟ 6- ما الذي كان يحدث لو لم تنشئ الدولة المدارس والمستشفيات؟ 7- ما أهمية الشوارع والطرق العامة؟ 4- الوسيلة: صور لبعض الحدائق العامة والمستشفيات والمدارس. 5- العرض: 1- إعلان الدرس على التلاميذ وكتابة عنوانه على السبورة. 2- إثارتهم بأسئلة التمهيد. 3- عرض الوسيلة والحوار حولها بأسئلة مناسبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 4- قراءة الموضوع من الكتاب قراءة صامتة وترك التلاميذ يديرون المناقشة حول الموضوع. 5- مناقشة فقرات الدرس فقرة فقرة من قبل المعلم. 6- قراءة الموضوع من المعلم والتلاميذ يتابعون في الكتاب. 7- الإجابة عن تمارين الكتاب. 8- تسجيل الأهداف وتسجيلها في دفاتر التلاميذ. 5- التقويم: ويمكن أن يكون بمثل هذه الأسئلة. 1- اذكر أنواع المرافق العامة. 2- بين دور المستشفيات والوحدات الصحية في رعاية صحة المواطنين. 3- ما أهمية الحدائق بالنسبة للناس؟ 4- لماذا نحافظ على المرافق والمنشآت العامة؟ 5- كيف يحافظ التلاميذ على مدرستهم وحدائقها وملاعبها؟ 6- لماذا تهتم الدولة بتنظيم الشوارع ورصفها؟ 7- كيف نحافظ على الطرق وعلى نظافتها؟ ملاحظة: إن استخدام القصة في كل درس عمل مفيد, وأن تكون قصة قصيرة ومشوقة تتصل بحياة التلاميذ وبيئتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 أهم المراجع : 1- القرآن الكريم. 2- من كتب التفسير: "الكشاف, القرطبي, الطبري, الفخر الرازي". 3- من كتب الحديث: "البخاري, مسلم, مسند أحمد, الجامع الصغير, الترغيب والترهيب". 4- من كتب السيرة: "سيرة بن هشام, ابن كثير, سيرة الحلبي". 5- منهج المدرسة الابتدائية أبو الفتوح رضوان 6- جامع بيان العلم ابن عبد البر 7- نقد العلم والعلماء ابن الجوزي 8- فين الخاطر أحمد أمين 9- الوسائل التعليمية أحمد خيري، وجابر عبد الحميد. 10- في ظلال القرآن سيد قطب 11- التربية وطرق التدريس صالح عبد العزيز وعبد العزيز عبد المجيد. 12- حقائق الإسلام وأباطيل خصومه عباس محمود العقاد. 13- الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحيم الجزيري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 14- علم الصحة د/ عبد الواحد الوكيل. 15- الأصول الحديثة لتدريس اللغة العربية والتربية الدينية علي الجمبلاطي، وأبو الفتوح التوانسي 16- معالم التربية فاخر عاقل 17- سلوك الطفل "فرانس أبلغ ولويزب أيمر" ترجمة فاخر عاقل 18- الإسلام عقيدة وشريعة محمود شلتوت 19- نظام الحكم في الإسلام محمد عبد الله العربي 20- النظم الإسلامية محمد عبد الله العربي. 21- تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى محمد عبد الرحيم غنيمة 22- روح التربية والتعليم محمد عطية الإبراشي 23- رياض الصالحين للإمام النووي 24- معجم الأدباء ياقوت الحموي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 محتويات الكتاب : مقدمة الطبعة الثانية 7 مقدمة الطبعة الأولى 13 الفصل الأول: مراحل الطفولة - وتعاليم إسلامية تطور الشعور الديني عند الطفل 19 الطفل وعملية الميلاد والخلق 26 الطفولة والخير والشر 29 الطفولة المتأخرة والروحانية 30 الدين وإشباع الحاجات 33 الطفل بين البيت والمدرسة 38 الدين وعملية الضبط الاجتماعي 47 الدين من أبرز عناصر الثقافة 50 الدين والشخصية المتوازنة 51 الدين والقيم 52 الإسلام والإنسان 54 الإسلام والمجتمع 56 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 الدين ومشكلات الفكر والاعتقاد والحياة 60 الدين والتربية الأخلاقية 63 الدين والإيمان 67 الدين والعلم 72 الدين وأسلوب المعاملة 84 الدين والمؤسسات الاقتصادية والسياسية 91 الفصل الثاني: طريق تدريس القرآن الكريم والعبادات تدريس القرآن الكريم 109 الحفظ وأهميته 111 تلاوة القرآن الكريم 116 القرآن والضمير 118 أثر العبادة في تربية الإنسان 125 العبادات وآثارها النفسية والاجتماعية 126 العبادات: الصلاة: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية 129 طريقة تدريس الصلاة في المرحلة الابتدائية 142 الزكاة: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية 144 مقادير الزكاة 146 من تصرف لهم 150 كيف تدرس الزكاة في المرحلة الابتدائية 154 الصوم: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية 158 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كيف ندرس الصوم في المدارس الابتدائية 163 الحج: من الوجهة الدينية والنفسية والجسدية والاجتماعية 166 أركان الحج 170 كيف ندرس الحج لتلاميذ المرحلة الابتدائية 176 الفصل الثالث: نظرة في العقائد - وطرق تدريس السيرة والتهذيب والحديث أهمية الوسائل والاتجاهات في تدريس الدين نظرة في العقائد 183 طرق تدريس السيرة 191 أهدافها 192 الطريقة الطولية 196 الطريقة العرضية 196 طريقة القصة 197 الأسلوب الذاتي 199 أسلوب المسرحية 199 أهداف التهذيب 201 تدريس التهذيب 201 طرق تدريس التهذيب 206 طريقة السرد في التهذيب 206 طريقة المناقشة والقراءة 207 تدريس الحديث 210 طرق تدريس الحديث 213 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 أثر الوسائل المعينة في تدريس الدين 216 الإسماع ووسائله 226 لمحات تربوية إسلامية 230 القيم والاتجاهات وأهمية تركيز المعلم عليهما 252 الفصل الرابع: نماذج لإعداد دروس التربية الإسلامية بالمرحلة الابتدائية. نظرة حول طرق التدريس 259 تعريف طريقة التدريس 262 أهداف تدريس القرآن الكريم 265 إعداد درس "للحلقة الأولى الابتدائية" حول "سورة النصر" 266 إعداد درس في القرآن الكريم للحلقة الثانية الابتدائية 269 أهداف تدريس العبادات، وإعداد درس في الوضوء والصلاة 271 إعداد درس في الصوم وأهدافه 277 إعداد درس في الزكاة وأهدافها 282 إعداد درس في الحج وأهدافه 289 إعداد درس في العقائد 293 أهداف تدريس السيرة وإعداد درس للحلقة الأولى الابتدائية 297 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 إعداد درس في السيرة للحلقة الثانية الابتدائية 298 إعداد درس في التهذيب 307 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317